نشرت «الوقائع المصرية» أمرا سلطانيا كريما من السلطان «فؤاد الأول» إلى رئيس الوزراء عبدالخالق ثروت باشا فى 14 مارس - مثل هذا اليوم - عام 1922، يعلن أن مصر منذ اليوم دولة متمتعة بالسيادة والاستقلال، وأنه اتخذ لنفسه لقب «صاحب الجلالة ملك مصر»، حسبما يذكر الدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه «فؤاد الأول المعلوم والمجهول».
كان هذا الأمر هو آخر الأوامر السلطانية فى تاريخ مصر التى تنشرها «الوقائع المصرية»، قبل أن يعلنها «فؤاد» فى اليوم التالى، حسبما يؤكد «رزق»، ويحمل قضيتين هما، استقلال مصر، والانتقال فى نظام حكم مصر من «السلطنة» إلى «المملكة»، واستندت قضية الاستقلال إلى تصريح 28 فبراير عام 1922 الذى أصدرته بريطانيا باعتبارها قوة احتلال لمصر منذ عام 1882، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «فى أعقاب الثورة المصرية - ثورة 1919»: «قررت الحكومة البريطانية أن تنهى الحماية التى أعلنت على مصر فى 18 ديسمبر 1914، وأن تعترف بها دولة مستقلة ذات سيادة، غير أن حكومة جلالة الملك «بريطانيا» قررت فى نفس الوقت أن تحتفظ بصورة مطلقة بتولى أمور هى: تأمين مواصلات الامبراطورية البريطانية فى مصر، والدفاع عن مصر ضد كل اعتداء أو تدخل أجنبى بالذات أو بالواسطة، وحماية المصالح الأجنبية فى مصر وحماية الأقليات، وقضية السودان.
أما قضية الانتقال من «السلطنة» إلى «المملكة» حسبما جاء فى «الأمر الكريم» فكانت «نهاية لقصة طويلة وبداية قصة قصيرة»، بوصف يونان لبيب رزق، مشيرا إلى أن «القصة الطويلة» بدأت قبل 117 سنة، وعلى وجه التحديد فى عام 1805، بعد أن تولى محمد على باشا حكم مصر، ونجح من خلال صراعات دموية مع السلطان العثمانى فى أن يجعل الحكم وراثيا فى أسرته، والثانية «القصة القصيرة» انتهت بعد 31 عاما حين ألغى النظام الملكى عام 1953 بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 بأقل من سنة واحدة.
يذكر «رزق»، أن ألقاب الحاكم من أبناء الأسرة العلوية تعددت خلال المرحلة الأولى: باشا، خديوى، سلطان، وكان لكل من هذه الألقاب قصة، فاللقب الأول «باشا» تمتع به كل من محمد على، وإبراهيم «ابن محمد على»، ثم عباس الأول «حفيد محمد على»، وسعيد «ابن محمد على» وإسماعيل «حفيد محمد على».
يضيف رزق: كان هذا اللقب «باشا» هو ذات اللقب الذى يتمتع به سائر ولاة الامبراطورية العثمانية، ونجح إسماعيل الذى تولى الحكم عام 1863، فى أن يحصل بعد أربع سنوات من اعتلائه كرسى الحكم فى أن يحصل من الباب العالى على حق التلقيب بالخديوى ضمن مزايا عديدة نالها من السلطان العثمانى، ويؤكد «رزق» أن إسماعيل دفع «دم قلبه» أو بالأحرى «دم قلب مصر» للحصول على تلك المزايا غير أن ما فعله وإن زاد من حجم الديون وقاد إلى زيادة التدخل الأجنبى وخلعه عن مسند الخديوية، إلا أنه جعله يتصرف فى كثير من الأمور كحاكم مستقل، ومن تلك الأمور أنه أول من طبق فكرة «البلاط» التى عرفتها أوروبا مع قيام الممالك القومية فى القرن التاسع عشر وبلغت أوجها فى عصر الملك لويس الرابع عشر فى فرنسا، وهو ما بدأ إسماعيل فى القيام به ببناء عدد من القصور وانتقاله من القلعة حيث كان يحكم الباشوات إلى سراى عابدين كمقر للحكم.
أما التسمية الثالثة لحكام مصر من أبناء محمد على فكانت «السلطان»، وبدأت فى أواخر عام 1914، نتيجة إعلان الحماية البريطانية على مصر، وجاءت بعد قرار حكومة لندن بخلع الخديوى عباس حلمى الثانى وتولية الأمير حسين كامل ابن إسماعيل وعم الخديوى المخلوع، ويؤكد «رزق» أن التسمية جاءت بعد مشاورات عديدة بين وزارة الخارجية البريطانية والأمير حسين كامل والمستر شيتام ممثل الحكومة البريطانية فى القاهرة، وبعد الحصول على اللقب جرت مشاورات حول «التفخيم» الذى يلحق به، واستبعد البريطانيون لفظ «صاحب الجلالة» لعدم اللياقة لأنه نفس تفخيم ملك بريطانيا وهى الدولة الحامية لمصر، كما رفض حسين كامل لفظ «صاحب السمو»، لأن العديد من أمراء الأسرة الحاكمة يحملونه، وأخيرا تم الاستقرار على «صاحب العظمة» باقتراح من حسين كامل نفسه.
يؤكد «رزق» أن لقب «عظمة السلطان» هو أقصر الألقاب عمرا فى تاريخ أسرة محمد على، واستمر لأقل من ثمانى سنوات، ثلاث منها للسلطان حسين كامل، والخمس الأخرى هى السنوات الأولى من عهد فؤاد الذى تمتع باللقبين: السلطان ثم الملك، وجاء التغيير الأخير بمبادرة من «السلطان فؤاد»، ودونما اعتراض من جانب المسؤولين البريطانيين فى القاهرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة