تحل اليوم ذكرى ميلاد فنان الشعب سيد درويش الذى ولد فى 17 مارس عام 1892 فى الإسكندية، واعتبر المجدد الأهم للموسيقى المصرية والعربية على حد سواء. وذكره العقاد فى كتابه البديع مراجعات فى الآداب والفنون فانظر ماذا قال:
"كان ذلك النابغة الفقيد رحمه الله قد نبُهَ ذكره قبل موته بعامين أو قراب ذلك، واشتهر اسمه وذاعت أغانيه وألحانه فطافت القطر أجمعه، وطبقت المدن والقرى وانبسطت منها مائدة سرور واسعة الأكناف، تناول منها كل غادٍ ورائحٍ وتضيَّفها كل طارقٍ وواغلٍ، وكان لكل قلبٍ في عالم السماع نصيبٌ من قلب صاحبها ولكل لسانٍ حظٌّ من وحي لسانه، ولكل مسمعٍ خبرٌ من أخبار روحه الهائم في أسعد ساعاته وأجمل أوقاته".
وأضاف العقاد عن تأثير سيد درويش" كان يرسل اللحن في الرواية أو القصيدة أو الأغنية الصغيرة فما هي إلا أيامٍ حتى تتجاوب بها الأصداء في أنحاء البلاد؛ فيهتف بها المنشدون على الملاعب، وتترنم بها العازفات في أندية الأسر ومجالس البيوت، وينطلق بها الصبية في السبل والأسواق، وتغدو مصر السامعة كلها كأنها فرقة واحدة وقف منها السيد في منصة الأستاذ فهو يملي عليها وتسمع وهو يبدأ لها وتتبع؛ كلٌّ على قدر طاقته من الفن وعلى حسب حظه من جمال الصوت وحسن الأداء والإصغاء، وما بالقليل على الرجل الفرد في هذه الدنيا أن يُموِّن أمة كاملة بهذه المؤنة المُحيية، وأن يجلب لها سرورًا لا تجلبه لنفسها بما تصبح فيه وتمسي من جهاد الحياة، وأن يُهدي إليها ساعاتِ صفوٍ وأريحية ترتفع بها إلى ملأ الغبطة والنعيم، وترجح بأعوامٍ تنقضي في شقاء العيش، وأعمار تمضي في أَسْر كأَسْرِ الأنعام، وقيود كقيود السجناء، إي والله إن ساعة سرور واحدة لهي ساعة حياة بل هي ساعة خلود، وإن ساعة خلود لهي أنفس من عمرٍ مُسخَّر وأغزر من وجودٍ كوجود الجماد يستوي فيه الدهر الطويل واللحظة القصيرة، وأجدى على النفس الشاعرة من كنوز الأرض وذخائر البحار. وما بالقليل على السيد درويش أن يموِّن أمةً كاملة بهذه المؤنة العلوية يومًا واحدًا لا أعوامًا عدة أو بعض عامٍ"