فى تاريخ الشعوب والأمم شخصيات سجلت أسمائها بحروف من نور، نظرا للتأثير الكبير الذى أحدثته هذه الشخصيات فى مجتمعاتهم ولعل أبرزها شخصيات مصرية أثرت بشكل واضح على الأمتين العربية والإسلامية، وكان لها دور فاعلا ومؤثرا فى حقب زمنية متفاوتة خلال العقود الماضية.
نتناول فى سلسلة حلقات "كنوز مصرية بعيون عربية وإسلامية" أبرز الشخصيات المصرية التى كانت ملهمة ولعبت دورا بارزا فى التاريخ الحديث والمعاصر، وطبيعة التأثير الذى أحدثته هذه الشخصيات ومدى تأثر المجتمعات بها بشكل كبير، سواء فى مجالات السياسة والاقتصاد والدين والرياضة.
من بين هذه الشخصيات الشيخ محمد متولى الشعراوى "إمام الدعاة" الذى قدم تفسيرا بشكل سلس وبسيط للقرآن الكريم، واستطاع بأسلوبه المتفرد شرح الآيات بطرق مبسطة سواء من خلال الإشارة والحركة ما تسبب فى نيل ثقة الملايين، حيث امتلك إمام الدعاة قدرة خاصة فى إفهام العامة بطرق لم يوفق فيها إلا القلائل الذين منحهم الله عز وجل مواهب لم تمنح لغيرهم.
ولد الشيخ محمد متولى الشعراوى فى 15 أبريل عام 1911م، بقرية دقادوس، مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، أتم حفظ القرآن الكريم فى عمر الحادية عشر، حصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية عام 1923م، أظهر اهتماما منذ الصغر بحفظ الشعر والنثر بتشجيع من والده، فاختاره زملاؤه فى الدراسة رئيسا لجمعية الأدباء بالزقازيق، كما أهله تصدره للأنشطة السياسية الطلابية المناهضة للاستعمار الإنجليزى لرئاسة اتحاد الطلبة بالأزهر 1934 مما جعله عرضة للاعتقال.
التحق إمام الدعاة بكلية اللغة العربية 1937 التى أكمل دراسته فيها عام 1940، ونال "شهادة العالمية" (تعادل الدكتوراه) مع إجازة التدريس 1943، بدأ الشعراوى حياته الوظيفية مدرسا بالمعاهد الأزهرية فى كل من طنطا والإسكندرية والزقازيق، قبل أن يسافر إلى السعودية سنة 1950 للتدريس فى كلية الشريعة -جامعة أم القرى فيما بعد- بمكة المكرمة.
وكانت إجادة الشيخ الشعراوى للغة العربية وملكاتها سببا ومدخلا له إلى تفسير القرآن الكريم وإيصال معانيه إلى جمهور العامة بشكل سلس وشيق.
للشيخ محمد متولى الشعراوى مواقف تاريخية حظت بإشادات عربية وإسلامية ولعل أبرزها إرساله برقية إلى الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود أثناء إقامته بالمملكة العربية السعودية يعترض فيها على نقل مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام؛ لتوسعة المطاف حول الكعبة الشريفة؛ مؤيِّدًا رأيه بالأدلة الشرعية على عدم جواز ذلك، واستجاب الملك سعود رحمه الله لخطاب الشيخ، وأقر رأيه، ومنع نقل المقام من مكانه، واستشاره فى بعض شئون توسعة الحرم المكى الشريف، وأخذ بمشورته.
عاد الشيخ الشعراوى إلى مصر وعمل وكيلا بمعهد طنطا الثانوى 1960، وتولى منصب مدير الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية 1961، حتى تقلد منصب مفتش العلوم العربية فى 1962، وقد اختاره شيخ الأزهر حسن مأمون مديرا لمكتبه 1964.
ترأس إمام الدعاة بعثة التعريب الأزهرية إلى الجزائر عام 1966 لمساعدة حكومتها فى التخلص من آثار الاستعمار الفرنسى، وهناك أشرف على وضع مناهج دراسية جديدة باللغة العربية، كما تعرف على شيخ طريقة صوفية بالجزائر اصطبغ بسببه بصبغة تصوف ظلت تلازمه بقية حياته.
عُين محمد متولى الشعراوى فى 1970 أستاذا زائرا فى كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز فى السعودية، ثم رئيسا للدراسات العليا فيها.
اختير الشعراوى وزيرا للأوقاف فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات سنة 1976 والتى تقدمت باستقالته منها فى 15 أكتوبر 1978، وفى 1980 عين عضوا فى مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر وفى مجلس الشورى، ثم اختير 1987 عضوا فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
ترك الشعراوى إرثا ضخما من الكتب التى تفسر القرآن الكريم، تتناول قضايا العقيدة والفكر الإسلامى وأحكام الفقه، ولعل من أبرز مؤلفاته كتب: "المنتخب فى تفسير القرآن الكريم"، و"الفتاوى"، و"نظرات فى القرآن الكريم"، و"الطريق إلى الله"، و"على مائدة الفكر الإسلامي"، و"الإسلام والفكر المعاصر"، و"الشورى والتشريع فى الإسلام"، و"مائة سؤال وجواب فى الفقه الإسلامي".
توفى الشيخ محمد متولى الشعراوى عن عمر يناهز السابعة والثمانين، فى 17 يونيو 1998م، وذلك بعد مسيرة طويلة من العطاء والعمل من أجل رفعة الأمتين العربية والإسلامية وتقديم تفسير مبسط للدين الإسلامى ونشر تعاليمه السمحة.