المطرب خفيف الظل صديق الباشوات والوزراء الذى قتله قلبه وحبه.. ووقع فى غرام ليلى فوزى وهى طفلة وكانت تناديه "أونكل".
تزوجته بعدما رفض أبوها أنور وجدى وفريد الأطرش فأهداها سيارة وشركة إنتاج.. وابنة شقيقه تكشف تفاصيل أيامه الأخيرة: لم يتزوج غيرها وأصيب باكتئاب بعد الطلاق وقاطع أصدقاءه وبكى قائلا: "قلبى سيقتلنى"
طلقها مرغما وظل يزور والدها أملا فى إعادتها لعصمته ومات كمدا بعدما رأى صورها مع أنور وجدى فى شهر العسل بمجرد انتهاء شهور العدة
كأنه يسخر من نفسه وحبه بأغنيته التى عاشت عبر الأجيال طرفة فى كل الأفراح والزيجات.. «بطلوا ده واسمعوا ده الغراب يا وقعة سودا جوزوه أحلى يمامة».. يصف حبيبته التى عاش ومات بحبها، فى أغنياته التى حازت شهرة واسعة لخفة ظله وكلماتها الطريفة، كأنها تتحدث عن محبوبته وتصف جمالها وعيونها وشعرها وخدودها: «عيون حبيبى خضر وخضرضر، وخدود حبيبى حمر وحمرمر، وشعور حبيبى صفر وصفرفر، فرفر يا أخويا يا أخويا فرفر »، هذا الفنان الذى صاحبته البسمة والفكاهة كلما ظهر على الشاشة، أو فى تجمع من الأصدقاء، أدواره القليلة لا تنسى وحضوره الخفيف جعله يعيش أجيالا تتردد كلماته وأغنياته بينها، هو بلاليكا العزول الذى يغيظ العريس فى فيلم لعبة الست، ويغازل العروس بأغنية «بطلوا ده واسمعوا ده »، وهو الموظف الذى يقدم نفسه بفخر للعروس فى فيلم عنبر مغنيا: «سيبك منهم ده مفيش غيرى قيمة ومركز ووظيفة ميرى، مربوط عالدرجة التامنة والناس درجات ومرشح أخد التاسعة غير العلاوات »، وهو المطرب شديد الظرف فى فيلم أسير العيون الذى يتمايل وهو يغنى: «عيون حبيبى خضر وخضرضر ».
عزيز عثمان
إنه الفنان الظريف عزيز عثمان، الذى يتعلق به قلبك ويخطف نظرك وتأسرك خفة ظله، وإن ظهر فى مشاهد قليلة من الأفلام القديمة، شىء غامض يجذبك إليه، لعله هذا الحب الذى عاش ومات به، هذا الحزن الذى يتخفى وراء خفة الظل، قصة حبه شديدة الرومانسية التى تعذب بها، لأنها كانت من طرف واحد، فجعلته مجنون ليلى التى عاش من أجلها وقتله حبها.
عزيز يخرج عن جلباب أبيه
عزيز عثمان ابن الفنان المطرب والملحن القديم محمد عثمان، أحد أساطين ورواد الطرب والموسيقى، الذى نافس عبده الحامولى، وكان من المقربين للخديو إسماعيل، ورث عزيز عن والده حب الموسيقى والطرب، ولكنه خالفه فى نوعية الغناء الذى يهواه والطريق الموسيقى الذى أراد أن يسير فيه، فبينما أراد الأب الذى أصيب فى نهاية حياته بمرض فى الحنجرة منعه من الغناء، أن يخلفه ابنه فى غناء الموشحات والإنشاد الدينى، قرر الابن أن يسير فى طريق موسيقى مغاير، وأن يتجه للمنولوجات والغناء الشعبى الساخر، ورغم اعتراض الأب استمر الابن فى طريقه الذى رسمه لنفسه، وبدأ يغنى فى الحفلات العائلية وجمعته صداقات بالأعيان والباشوات والوزراء، وعمل مع على الكسار وفى فرقة بديعة مصابنى، وبدأ مشواره فى السينما الذى استمر لمدة 8 سنوات فقط بعد أن جاوز الخمسين من عمره بفيلم لعبة الست، ودور بلاليكا عام 1946 مع نجيب الريحانى وتحية كاريوكا ومارى منيب وعبدالفتاح القصرى، وكان حضوره مميزا وأداؤه قويا، ثم شارك بالتمثيل والغناء فى عدد من الأفلام وصل عددها إلى 30 فيلما، وحققت أغانيه نجاحا كبيرا، فشارك فى أفلام «عنبر، آخر كدبة، ساعة لقلبك، سماعة التليفون، ما تقولش لحد، الستات عفاريت، بنت المعلم، جوز الاثنين، الهوى والشباب، لسانك حصانك، نص الليل، ساعة لقلبك »، وغيرها، وكان آخر أفلامه «يا ظالمنى» عام 1954، وشارك ليلى فوزى بطولة 13 فيلما، كما جمعه بالفنان أنور وجدى عدد من الأفلام.
جوزوه أحلى يمامة
كان عزيز عثمان يعرف ليلى فوزى منذ طفولتها، حيث جمعته علاقة صداقة بوالدها، وكان يتردد على بيتهم كثيرا، وتعلق قلبه بهذه الصبية التى رآها تكبر أمام عينيه، بينما لم يخطر ببال الفتاة الجميلة أن يكون صديق والدها زوجا لها، فكانت تناديه «أونكل عزيز »، وكتبت فى مذكراتها التى نشرتها فى مجلة الكواكب، نهاية الخمسينيات، أن عزيز كان يضحك حين تناديه، ويشير إلى أنه يصغر والدها بسنوات كثيرة، ولا يجب أن تقول له لقب «أونكل »، مؤكدة أن والدها كان معجبا به بسبب خفة روحه وصفاء قلبه وشخصيته الطيبة.
بدأت ليلى فوزى المولودة عام 1918 مشوارها الفنى فى فيلم «مصنع الزوجات » عام 1941، وبعده انطلقت فى مشوار نجوميتها، وأكدت فى مذكراتها أن كلا من النجم أنور وجدى والموسيقار الكبير فريد الأطرش تقدما لخطبتها، ولكن والدها رفضهما.
وقالت: إنها عندما بدأت خطواتها فى عالم الفن وقفت أمام الفنان أنور وجدى فى فيلم «من الجانى »، ولاحظت خلال عملهما بالفيلم أنه يلاحقها بعينيه، وذات يوم ذهب إلى بيتها وطلب يدها من والدها فرفض، مبررا ذلك بأنه لا يقبل أن يزوج ابنته لرجل يزيد عدد معجباته من النساء عن شعر رأسه، ومعروف بمغامراته العاطفية الكثيرة، مؤكدة أن أنور وجدى بكى بسبب إصرار والدها على الرفض.
حققت ليلى فوزى نجاحات كبيرة وأصبحت من نجمات الصف الأول، وعملت مع الموسيقار فريد الأطرش فى فيلم «جمال ودلال »، وأشارت فى مذكراتها أنه تعلق بها وجاء لطلب يدها من والدها، ولكن أباها رفض طلبه أيضا بحجة صغر سنها.
وأوضحت أن عزيز عثمان طلب يدها من والدها الذى رفض فى بداية الأمر، ولكن عزيز أخذ يلح فى طلبه ويؤكد له تمسكه بابنته، وأنه الزوج المناسب لها حتى اقتنع الأب، وفاجأ ابنته بأنه حدد موعد عقد قرانها على صديقه وأنه أنسب زوج لها.
وأكدت ليلى فوزى أنها شعرت بارتباك وقتها، فلم تشعر بالفرح أو الحزن ولكنها لم تستطع الرفض، وكانت تستمع لنساء العائلة اللاتى أكدن لها أن الشباب لا يستطيعون تحمل المسؤولية، وأن الزواج الناجح يكون من رجل ناضج مثل عزيز.
حقق عزيز عثمان حلمه بالزواج من ليلى التى تصغره بحوالى 25 عاما، والتى أحبها حبا جنونيا ولم يتخيل لنفسه زوجة سواها، تزوج أحلى يمامة كما قال فى أغنيته الشهيرة، ولم يكن هو «الصدامة اللمامة »، كما قالت كلمات الأغنية، فهو ميسور الحال وصديق الوزراء والباشوات، أحاطها بحبه وغيرته معا، وأهداها سيارة حديثة، وأسس شركة إنتاج أسماها «ليلى للإنتاج السينمائى »، أنتجت لها عددا من الأفلام، ولكن سرعان ما شعرت ليلى بالضيق من غيرته الشديدة، ودبت الخلافات بينهما وطلبت الطلاق، وأصرعزيز على الرفض وطلبها فى بيت الطاعة، ومع إصرار ليلى وتدخل الأصدقاء انتهت هذه الخلافات بالطلاق بعد عامين من الزواج.
اكتئاب المطرب الظريف
كان للطلاق وقع مرير على عزيز عثمان، الذى أصيب باكتئاب وتبدل حاله، وحاول إعادة ليلى إلى عصمته دون جدوى، حتى صدمه خبر زواجها من أنور وجدى بمجرد انتهاء شهور العدة، ونشرت المجلات صورهما أثناء شهر العسل فى باريس، فلم يتحمل قلبه ورحل بعد أيام قليلة بأزمة قلبية فى 9 يوليو 1954.
وفى حوار أجراه الكاتب الصحفى محمد بديع سرابية بمجلة الموعد عام 1990 مع الفنانة المعتزلة عايدة عثمان، ابنة شقيق عزيز عثمان وشبيهة فاتن حمامة، التى تزوجت المنتج والمحامى عدلى المولد، ومثلت فى الخمسينيات 3 أفلام فقط ثم اعتزلت، تحدثت عايدة عن عمها عزيز، مشيرة إلى أن جدها المطرب والملحن محمد عثمان الذى رحل عام 1900 أنجب 5 أولاد، منهم والدها إبراهيم عثمان وعمها عزيز عثمان وبنتان، وترك ميراثا حدثت عليه بعض الخلافات ومنه بيت بباب اللوق، الذى كان به بعض مقتنيات الجد وهدايا من الخديو إسماعيل.
وأشارت عايدة عثمان إلى أن أبناء وبنات جدها المطرب محمد عثمان لم يتزوج منهم أحد سوى والدها إبراهيم عثمان، وعمها عزيز عثمان الذى تزوج من الفنانة ليلى فوزى، ولكن والدها الوحيد الذى أنجب من بين إخوته.
كان الفنان عزيز عثمان ميسور الحال، كما أوضحت ابنة شقيقه، حيث كان يقيم فى شقة فخمة مليئة بالتحف والمقتنيات الثمينة، التى كان يشتريها بمساعدة صديقه المليونير عبداللطيف المردنلى، وكان لديه 100 فدان، ولكن الضرائب باعت كثيرا من هذه الأملاك وفاء لضرائب كانت تطالبه بها فى حياته، وبعد طلاقه من ليلى كان يسلى نفسه بالخيل التى كان يمتلك اسطبل لها بالقاهرة.
كشفت ابنة شقيق عزيز عثمان أنه أصيب بحالة حزن شديدة، بعدما طلق ليلى فوزى، وبقى الحزن يلازمه حتى آخر لحظة فى حياته، وظل على صلة دائمة بوالدها وكان يزوره دائما فى بيته، على أمل أن يعيد ليلى إلى عصمته.
أكدت عايدة عثمان أن عمها المطرب الظريف أحضر إلى مصر الممثلة اللبنانية الجميلة قمر، وأراد أن يجعل منها فى مصر نجمة سينمائية تنافس بجمالها مطلقته ليلى فوزى، ولكن قمر لم تملأ الفراغ العاطفى الذى شعر به بعد خروج ليلى من حياته، فتركها تعمل فى أفلام الفنان حسين صدقى، وعاد يتردد على بيت والد ليلى فوزى على أمل أن يتمكن من استعادتها، إلا أنها فاجأته بزواجها من أنور وجدى وكان زواجها أكبر صدمة له، ورأته ابنة أخيه يومها حزينا مهموما والدموع تملأ عينيه، ولم يلبث أن أصيب بأزمة قلبية وفارق الحياة، مؤكدة أنه ظل خفيف الدم حتى صدمه زواج ليلى من أنور وجدى، فلم يعد حتى يحب الذهاب إلى أصدقائه الباشوات الذين جمعته بهم علاقة قوية، ومنهم حفنى محمود باشا وعبدالحميد باشا عبدالحى.
وبعد رحيل عزيز عثمان الحزين، كتب الكاتب الصحفى حبيب جاماتى مقالا عنه وعن حبه وقلبه الذى قتله، نشر بمجلة الكواكب فى 27 يوليو عام 1954 تحت عنوان «مات قلبه يوم مات هو »، وكانت كلمات المقال تقطر حزنا على الفنان الساخر خفيف الظل، حيث أشار جاماتى إلى أنه انتظر ولم يكتب عن عزيز عثمان بعد وفاته حتى يرى ما سيكتبه عنه الذين عرفوه وصادقوه، قائلا: «طوى الرجل فى قبره وطوى ذكره معه، فلم يكتب عنه غير القليلين من الكثيرين الذين كان يجب أن يرثوه »، مؤكدا أنه مات صريع الهوى.
وصف حبيب جاماتى شخصية عزيز عثمان قائلا: «كان من أولئك الأشخاص الذين لا تدل ظواهرهم على ما تنطوى عليه صدورهم، أو بعبارة أخرى كان باطنه غير ظاهره، ولهذا فإن الذين حكموا عليه اعتمادا على الظواهر فقط أخطأوا فى حكمهم »، وتابع: «عرفته عام 1937، وحدث أننى كنت بحكم وظيفتى فى هذا الوقت بصحبة المرحوم محمد محمود باشا رئيس الوزراء فى رحلة إلى المنصورة، وكان بصحبة الباشا أخوه حفنى رحمه الله، وعزيز عثمان صديق الاثنين، ونديم محمد باشا فى بعض الأحيان، ولا أزال أذكر تلك السهرة فى الباخرة النيلية التى غنى فيها عزيز عثمان فى مجلس ضم عشرين أو أكثر من الوزراء وأصدقائهم، وقال حفنى محمود: هل عرفتم أن عزيز عثمان سوف يؤلف فرقة غنائية لتمثيل روايات الأوبرا والأوبريت، ولا أدرى إذا كان حفنى جادا أم هازلا حين قال ذلك، ولكن أخاه محمد محمود أخذ الخبر على علاته، وصاح قائلا: «لا لا إياك أن تفعل ذلك يا عزيز، انت لازم تغنى فى حفلات عائلية فقط، أما إذا جازفت وظهرت أمام جمهور المسرح فسوف يضربونك بالطماطم »، وضحك الجميع واستمر عزيز فى غنائه، وقال محمد محمود لرفاقه فيما بعد: «هذا الشاب عنده قلب رقيق، وهو حساس بخلاف ما يبدو للناظر إليه ».
وأشار الكاتب االصحفى إلى أنه ذكر عزيز عثمان بعبارات محمد محمود فى مجلس جمعه مع بعض الأصدقاء فى فندق كونتينينتال، وكانوا يتحدثون عن علاقات الحب ومآسى الغرام، فرد عثمان بحزن قائلا: «سيقتلنى قلبى ».
وأوضح جاماتى قائلا: «لم أر عزيز بعد طلاقه، ولكننى رأيته أثناء العاصفة التى هبت على حياته الزوجية وانتهت بالطلاق، وكان مع فتاة بارعة الجمال- قاصدا الممثلة اللبنانية قمر- فقلت له: «أهذا غرام جديد؟!، وكان جوابه: أحاول أن أجعله غراما جديدا، ولكن محاولتى هذه كسابقاتها محكوم عليها بالفشل »، وحرص الكاتب الصحفى على أن يتضمن مقاله صورة مثيرة للفنانة قمر اللبنانية، وكتب عليها تعليقا: «قمر خطبها عزيز عثمان لنفسه وهدم الموت بنيان هنائه الجديد ».
واختتم مقاله قائلا: «كان عزيز يحب المرأة التى تزوجها، واختلف معها وطلقها مرغما، وأظن أن حبه هذا لم تخمد جذوته إلا بوقف فؤاده عن الخفقان، فمات حبه يوم مات هو »، ولم تمر سوى شهور قليلة حتى رحل أنور وجدى متأثرا بمرضه بعد فشل علاجه فى السويد، وعاد بصحبة زوجته ليلى فوزى إلى مصر فى نعش خشبى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة