توجهت الأنظار إلى «ملتقى القاهرة الدولى للإبداع الروائى» فى دروته الثالثة، التى انتهت أعمالها يوم 2 مارس، مثل هذا اليوم، 2005، لمعرفة من سيكون الفائز بجائزة الملتقى، كان الترقب شديدا بعدما حدث فى الدورة السابقة 2004 بمفاجأة الروائى صنع الله إبراهيم برفضه الجائزة، وأعلن ذلك وهو يلقى كلمته على المنصة بعد إعلان فوزه، وبحضور وزير الثقافة فاروق حسنى، والدكتور جابر عصفور، رئيس المجلس الأعلى للثقافة والمشرف على الملتقى.
حملت دورة الملتقى الثالث اسم الروائى العربى الكبير عبدالرحمن منيف، الحاصل على جائزة الملتقى الأول، ووفقا للدكتور جابر عصفور فى مقاله بالأهرام 24 مايو 2019: «تشكلت لجنة تحكيم برئاسة إدوار الخراط، وعضوية جمال شحيد السورى، رشيد الضعيف اللبنانى، عبدالله الغذامى السعودى، فؤاد التكرلى العراقى، محمد برادة المغربى، محمود طرشونة التونسى، إلى آخر أعضاء اللجنة التى انتهت إلى أن يكـــون الفائــز هو الأديب السودانى الطيب صالح عن مجمل أعماله، وألقى الطيب صالح كلمة بليغة، رد الاعتبار فيها إلى الملتقى وإلى مسيرته الصاعدة، واستمر الملتقى بعد ذلك دون عواصف ومفاجآت، ولا أزال أذكر بعض جمل الطيب صالح، الذى حصل على الجائزة التى كانت بردا وسلاما على الحاضرين جميعا، بقدر ما كانت كلمة توازى فى صراحتها وصدق نواياها القيمة الأدبية للطيب صالح نفسه».
«كانت كواليس فوز الطيب صالح مثيرة، ويكشف أسرارها الروائى المغربى بهاء الدين الطود، أحد شهودها فى حواره مع جريدة المساء، 6 فبراير 2014، قائلا: الطيب صالح شخص غريب فى تواضعه، وهو أكثر المثقفين العرب الذين عرفتهم نكرانا للذات واعترافا بالآخرين، أما جائزة ملتقى الرواية العربية التى فاز بها فكان مرشحا لها منذ دورتها الأولى، لكنه ظل يعتذر عن إدراج اسمه ضمن المترشحين، كما حدث منه اعتذاره عن ترشيحه لجائزة العويس، وعند ترشيحه فى 2005 لجائزة ملتقى القاهرة، قيل إنه قبل بذلك كنوع من إعادة الاعتبار إليها، وهو الذى كان رئيسا للجنة تحكيمها فى الدورة السابقة حين رفضها بشكل مفاجئ الروائى صنع الله إبراهيم».
يضيف الطود: «الذى حصل هو أن الطيب صالح وجد نفسه فى دورة 2005 أمام علم من أعلام الرواية العربية هو إبراهيم الكونى، فانحصرت المنافسة بينهما، بعدما كان مرشحا كل من إلياس خورى وإدوارد الخراط وخيرى شلبى وبهاء طاهر وآخرون، وأثناء المداولات اعترض بعض أعضاء لجنة التحكيم على أن يؤول الفوز بالجائرة إلى الطيب صالح بمبرر أنه انقطع عن كتابة الرواية منذ وقت طويل، لكن أغلبية الأعضاء أيدوا ظفره بها، أما رئيس اللجنة، الصديق جابر عصفور، فقرر الانحياز إلى «الكونى»، ليس لاعتبارات أدبية، وإنما لإحاطة عمل اللجنة بقليل من الجدل».
يكشف «الطود»: «ذهب جابر عصفور إلى إبراهيم الكونى، وقال له إن لجنة التحكيم حصرت الجائزة بينكما، أنت والطيب صالح، وأخبرت «الطيب» بالموضوع فقال لى: أنا لا أستحق هذه الجائزة، إذا ما قورنت بإبراهيم الكونى، الذى راكم تجربة روائية كبيرة، لذلك فأنا أضم صوتى إلى من اختار إبراهيم الكونى، وبعد أن استمع «الكونى» إلى «جابر» بتمعن قال له: أنا أصغر سنا من الطيب صالح، وقد تتاح لى فرص أخرى للفوز بهذه الجائزة، لذلك فإننى أتنازل للطيب، فهو روائى مقتدر ومثقف ثاقب الفكر».
يؤكد «الطود»: «دخلنا إلى القاعة الكبرى لدار الأوبرا، فى انتظار الإعلان عن الفائز، ولم يكن أحد منا يعرف لفائدة من ستحسم النتيجة، وكنت أجلس جنب «الطيب»، فالتفت إليه قائلا: السى الطيب- وكان يروقه حين أناديه أن يسمع منى هذه «السى» المغربية، فيرد «على» توا: «السى بهاء»- من نصيب من ستكون الجائزة؟ فأجاب: من نصيب إبراهيم الكونى، هو يستحقها عن جدارة، قبل أن يضيف: «الكونى» من أكبر الروائيين فى العالم، وقد اختارته مجله «Lire» الفرنسية ضمن خمسين روائيا عالميا، قالت إنهم يمثلون اليوم «أدب القرن الحادى والعشرين».
يضيف «الطود»: «صعد وزير الثقافة فاروق حسنى إلى المنصة، ومعه لجنة التحكيم، التى كان ضمنها الروائى والناقد المغربى محمد برادة، وأعلن: الفائز هو الطيب صالح، التفت إليه فوجدته واجما يلتفت ذات اليمين وذات اليسار كمن يبحث عن نفسه، دفعته نحو المنصة، وعندما صعد إليها قال كلاما أبكى الناس منه: «لا يرتقى سلوكى إلى مستوى اسمى، فلا أنا طيب ولا أنا صالح».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة