مضت تسعون دقيقة على المهلة التى أعطاها الرئيس الأمريكى جورج بوش «الابن» للرئيس العراقى صدام حسين وابنيه «عدى وقصى» بأن يغادروا العراق، وفى فجر 20 مارس، مثل هذا اليوم 2003، دوت الانفجارات الأولى فى بغداد، وبعدها بـ45 دقيقة أعلن «بوش» أنه أصدر أوامره بتوجيه «ضربة الفرصة»، التى علم فيما بعد أنها استهدفت منزلا كان يعتقد وجود صدام فيه.
كانت هذه الضربة مفتتحا للجولة الأخيرة فى المخطط الأمريكى بإسقاط صدام حسين ونظامه واحتلال العراق، ودخل هذا المخطط حيزه الفعلى باحتلال العراق للكويت فى 2 أغسطس 1991، حيث قادت أمريكا تحالفا دوليا لتحرير الكويت، وبعدها بدأ حصار العراق، ثم الحرب الأخيرة التى انتهت بإسقاط صدام ودخول القوات الأمريكية بغداد يوم 9 إبريل 2003 وبسط احتلالها على العراق.
كان قرار الحرب وخططه منتهيا لدى الإدارة الأمريكية، وترقب الجميع لحظة التنفيذ، وحسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق»: «فى الخطة الأصلية كانت الضربة الأولى صدمة وربما ليوم واحد»، وبعدها تكون العمليات الجوية متوازية مع التحركات لا تزيد عليها، حتى يكون ضررها محصورا على الجيش العراقى والحرس الجمهورى من ناحية، وكذلك بنية العراق الأساسية من ناحية أخرى، وكانت التقديرات المصاحبة للخطة ترى وحدات من الجيش والحرس يمكن تحويل ولائها بمنطق إنقاذ العراق من دمار لا لزوم له، وكانت التقديرات كذلك أن مرافق العراق لا يصح تدميرها، لأن القوات الأمريكية والإدارة فى العراق بعد النصر تحتاج إلى استعمالها، وليس معقولا أن تدمرها اليوم ثم تكتشف أنها تحتاجها غدا، يضيف «هيكل» أن «تشينى» نائب الرئيس الأمريكى، أصبح لا يمانع فى زيادة عيار التدمير مع تصاعد العمليات حتى يحصر خطر المقاومة العراقية فى أضيق نطاق ممكن، ولم يجر حساب ذلك سياسيا بدقة.
يؤكد «هيكل»، أنه خلال النصف الأول من شهر مارس 2003 زاد تخوف «المجموعة الإمبراطورية الأمريكية»، من أن هناك تحولا فى الرأى العالمى تزيد معارضة غزو العراق، فقد أظهر استطلاع للرأى العام، أجرى يوم 29 فبراير 2003، وأذيعت نتائجه كاملة يوم 1 مارس، وقامت عليه جريدة «الواشنطن بوست» بالاشتراك مع قناة «ايه.بى.سى»، وهى أكبر شركات التليفزيون الأمريكية، أن 56 % من الرأى العام الأمريكى يحبذ إعطاء فرصة مفتوحة لمفتشى الأمم المتحدة فى «العراق»، يكملون مهمتهم، فى حين أن 39 % فقط يؤيدون الرئيس بوش فى توجيه ضربة للعراق دون انتظار، وفى الوقت نفسه كانت استطلاعات الرأى العام فى بريطانيا تكشف أن 52 % ممن أعطوا أصواتهم فى استفتاء، جرى على عينة حجمها خمسة آلاف بريطانى من الرجال والنساء أجرتها مؤسسة «هارس»، أن 52% يعارضون غزو العراق مهما كانت الظروف، وحتى فى أستراليا كشفت الاستفتاءات أن 64 % من الرأى العام تشترط لدخول الحرب موافقة الأمم المتحدة بقرار لا اعتراض عليه فى مجلس الأمن، وأصبحت المجموعة الإمبراطورية فى واشنطن أكثر عصبية.
يذكر «هيكل»، أنه وقع مشهد له دلالته فى مكتب الرئيس بوش فى البيت الأبيض، وهو أن الموعد المقرر لبدء خطة غزو العراق كان آخر ضوء من يوم 20 مارس 2003، ومع ذلك فإن الرئيس بوش وقع أمرا رئاسيا بقتل صدام حسين بضربة عاجلة، ولو أدى الأمر إلى استباق ساعة الصفر، وذلك على أساس معلومات قيل له إن مصدرها الآن فى موقعه يتابع عن قرب تحركات «صدام» داخل بغداد، وقال «بوش» وهو يوقع الأمر الرئاسى بالقتل المسبق: «إن صاروخا واحدا بقتل هذا الرجل الآن كفيل بأن يوفر حربا بأكملها»، وعاد يؤكد لنفسه: «أليس صحيحا أن طمأنة جيش كامل تساوى قتل رجل واحد»، يضيف «هيكل»: «كانت الملاحظة موحية، ولم تمض ساعات حتى كان «تينت» رئيس المخابرات الأمريكية يتصل على عجل بالبيت الأبيض، فهم «المخابرات» يعرفون للآن بالضبط أين يوجد صدام، وأعطى بوش موافقته، وكذلك بدأت ضربة الجو الافتتاحية قبل موعدها المقرر بأربع وعشرين ساعة، والأمل أن يتم قتل صدام بحكمة أن «قتل رجل واحد يطمئن جيشا كاملا».
تمت الغارة الأولى على أساس قتل صدام، لكنه ظهر بعدها على شاشات التليفزيون يلقى بيانا يتحدى ويعد بالنصر، ويشير «هيكل» إلى أن الرغبة الجارفة للحسم العسكرى سريعا أدت بقيادة القوات أن تستعمل رخصة كثافة النار بأكثر مما كان مقدرا فى الخطة الأصلية، وهكذا فإن ضربة «الصدمة والرعب» على بغداد تكررت وزادت، وفى بعض الليالى كان الضرب الجوى مروعا فوق بغداد وحولها، وطبقا لتقرير هيئة عمليات القيادة المشتركة، «قامت الطائرات الأمريكية فوق ميادين الضرب بـ41404 طلعات جوية، وأطلقت 19948 قذيفة موجهة إلى جانب 9521 قذيفة غير موجهة تغطى بالنار دوائر واسعة دون هدف بالذات، وكان ذلك فجيعا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة