ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية اليوم الخميس، أن التهديد العسكرى الروسى وخاصة بعد حرب أوكرانيا، بات يجبر أوروبا على الاختيار بين تعزيز الدفاع أو حماية الإنفاق الإجتماعى .
وأضافت الصحيفة في تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني أنه مع عدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي، تواجه أوروبا عملية إعادة بناء أمني تهدد ميزانيات البرامج الأخرى .
وأوضحت الصحيفة إن الدول الأوروبية بدأت تستيقظ على الخطر الذي تمثله روسيا ، ولكن تكلفة بناء دفاعات قوية قادرة على الصمود في وجه الانسحاب الأمريكي المحتمل باهظة إلى الحد الذي يجعلها تهدد النموذج الاجتماعي في أوروبا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
وتابعت الصحيفة أنه مع تشكيك المرشح الرئاسي الجمهوري المفترض دونالد ترامب في مستقبل أمريكا في منظمة حلف شمال الأطلسي والقوات الروسية التي تهاجم في أوكرانيا، يحذر الزعماء الأوروبيون من تهديد وجودي لأمن القارة .
وأشارت إلى أن الحرب المجاورة والنزاعات مع الولايات المتحدة كشفت عن ثغرات في القدرات العسكرية لأوروبا والتي قد يستغرق سدها سنوات حتى لو جعلت الحكومات الإنفاق العسكري أولوية سياسية، وهو ما لم تفعله منذ عقود.
ونوهت بأن زعماء الاتحاد الأوروبي يخططون لمعالجة نقاط الضعف الدفاعية للكتلة وطموحها لتوسيع صناعتها الدفاعية خاصة أن تعزيز أمن أوروبا يتطلب زيادة النفقات الدفاعية، تماماً كما تعمل العديد من الدول الأوروبية على خفض ميزانياتها للتعامل مع مستويات الديون المرتفعة وضعف النمو الاقتصادي.
ولفتت إلى أن تحقيق الإنفاق العسكري الذي يقول بعض الساسة والخبراء إنه ضروري من شأنه أن يجبر الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي على البدء في عكس الزيادات الكبيرة في الإنفاق الاجتماعي في فترة ما بعد الحرب الباردة.
ونقلت الصحيفة عن وزير خارجية ليتوانيا، جابريليوس لاندسبيرجيس تحذيره من أن روسيا ستهاجم في نهاية المطاف دول الناتو إذا لم تهزم في أوكرانيا، قائلا: "عليك إعادة ترتيب العقد الاجتماعي " .
ووفقا للصحيفة، فأن أوروبا ستحتاج إلى 20 عامًا على الأقل لبناء قوة أوروبية قادرة على ردع الغزو الروسي لليتوانيا والأجزاء القريبة من بولندا بدون الولايات المتحدة، وفقًا لتحليل أجراه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، في عام 2019.
وقال المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن التكلفة ستبلغ 357 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 420 مليار دولار بأسعار اليوم. ومن المتوقع أن ينفق حلفاء أوروبا في حلف شمال الأطلسي 380 مليار دولار على الدفاع هذا العام .
وفي حين تم تدمير كميات هائلة من المعدات الروسية في أوكرانيا، يقول العديد من المسؤولين الأوروبيين إن موسكو يمكن أن تعيد بناء جيشها في غضون سنوات قليلة من نهاية الحرب. وفي الوقت نفسه، استنزف الناتو مخزونه من الأسلحة لإبقاء أوكرانيا مسلحة.
ولأن الجيوش تحتاج إلى سنوات لتخطيط وتجهيز وتدريب القوات، تواجه الحكومات الأوروبية مقايضات فورية وصعبة في الإنفاق.
وبعد أن استولت روسيا على شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014، وافق أعضاء الناتو على رفع إنفاقهم إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي بحلول هذا العام. ويعتقد العديد من الخبراء أن نفقات الدفاع الأوروبية يجب أن تصل إلى 3% من الناتج المحلي إذا بدأت الولايات المتحدة في فك الارتباط.
ونقلت عن اللفتنانت جنرال المتقاعد بالجيش مارك تيس، إن شراء بلجيكا ما يكفي من الذخيرة فقط لمحاربة الغزو لبضعة أسابيع، سيكلف أكثر من 5 مليارات دولار. وتعد المملكة واحدة من أقل الدول إنفاقًا عسكريًا في حلف شمال الأطلسي، حيث بلغ أقل من 1.2% من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي.
وقال تيس إن معظم حكومات أوروبا الغربية ستواجه "الآلام المتزايدة" لتعلم كيفية مزامنة "المعدات القادمة، والأشخاص القادمين، وبناء البنية التحتية وتدريبهم".
ومن الممكن أن تصل أغلب الدول الأوروبية إلى مستوى 2% من الإنفاق العسكري من خلال تقليص النفقات الحكومية الأخرى بما يقل عن نقطة مئوية واحدة، وفقاً لدراسة حديثة أجراها معهد إيفو الألماني للأبحاث الاقتصادية.
لكن إيفو قال إن الوصول إلى 3% يعني تحويل عدة نقاط مئوية من الإنفاق الحكومي إلى الدفاع ولقد أنفقت بريطانيا منذ فترة طويلة 2% من الناتج المحلي على الدفاع، لكنها تستهدف 2.5%، رهناً بالظروف الاقتصادية.
ونقلت عن بن زارانكو، كبير الاقتصاديين الباحثين في معهد الدراسات المالية في المملكة المتحدة قوله إنه للوصول إلى 3% من الناتج المحلي، ستحتاج بريطانيا إلى زيادة الإنفاق العسكري بأكثر من 40 مليار دولار، وهذا ضعف ما تنفقه بريطانيا على نظامها القضائي.
ووفقًا لمعهد إيفو، فإن التخفيضات الدفاعية في أوروبا منذ الحرب الباردة ولدت مكاسب للسلام تبلغ حوالي 2 تريليون دولار.
ووفقا لحسابات إيفو، على الرغم من أن الإنفاق العسكري لدول الناتو الأوروبية عاد إلى مستويات عام 1991 استنادا إلى أسعار 2023، فإن الإنفاق الاجتماعي تضاعف خلال تلك الفترة، ليستهلك نصف الإنفاق الحكومي. ويشمل ذلك خطط الاستحقاق مثل ارتفاع تكاليف معاشات التقاعد في قارة تعاني من الشيخوخة السكانية، والتي يصعب تعديلها سياسيا.
وقد أدى هذا الضغط المالي إلى جعل أوروبا تعتمد على واشنطن للحصول على القدرات العسكرية الحيوية. ويقول الخبراء إن من بينها الدفاع الجوي، والتزود بالوقود في الجو، والهندسة القتالية، والمدفعية والذخيرة. وتكافح أوروبا لتحريك قواتها عبر الحدود دون مساعدة الولايات المتحدة.
كما توفر واشنطن أيضًا أصولًا متطورة للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع اللازمة للرد السريع على التهديدات. وهي تهيمن على رقمنة الجيوش التي تسمح للقوات بالاتصال والتواصل بشكل آمن أثناء الصراعات.
وقد ظهر عجز أوروبا مرارا وتكرارا في صراعات أصغر حجما منذ الحرب الباردة حيث نفدت القنابل الدقيقة لدى بريطانيا وفرنسا أثناء القتال في ليبيا عام 2011.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة