التفاصيل كلمة السر فى الأعمال الفنية، فالاهتمام بأدق التفاصيل هو الذى يخلق عملا فنيا متقنا، فضلا عن العناصر الأخرى الأساسية كأداء الممثلين وفلسفة المؤلف ورؤية المخرج فى العمل الفنى، والتصوير والإضاءة والملابس والديكور والموسيقى وغيرها، لكن داخل كل عنصر من هذه العناصر المختلفة تكمن الكثير من التفاصيل، التى تحتاج إلى عناية خاصة كى تكتمل اللوحة الفنية.
فى مسلسل الحشاشين بطولة كريم عبدالعزيز، هناك كم هائل من التفاصيل الصغيرة، فالجميع اتفق على روعة العناصر الفنية، واستثنائها فى هذا العمل، من إخراج وتصوير وموسيقى وديكور، ومواقع غير اعتيادية تم تصوير المسلسل بها، وأسلوب إخراج المعارك الحربية واستخدام المجاميع بشكل مبهر أضفى واقعية على تلك المشاهد المهمة.
ومن الملامح المميزة لـ«الحشاشين» نجاح صناعه فى توظيف الإضاءة لصالح فكرته وبعض الإشارات الخاصة بالكشف عن الفارق الواضح والكبير بين الحضارة الإسلامية والعربية وبين الحضارة الأوروبية فى تلك الفترة الزمنية «العصور الوسطى».
الكادرات التى يستخدمها بيتر ميمى فى مشاهد قصر السلطان السلجوقى، دائما تكون واسعة، تظهر الاتساع الكبير فى قصر السلطان، وفى قاعة حكمه الكبيرة، فجعل بيتر ميمى العديد من المنافذ تدخل الضوء، بخلاف الفخامة فى ديكورات القاعة التى تبرز تفوق الحضارة الإسلامية فى فن العمارة فى ذلك الوقت، فالقاعة واسعة ومريحة للعين، وإضاءتها كافية بفضل هذه النوافذ الكبيرة والكثيرة.
إضاءة قصور الحكام السلاجقة المسلمين
بينما على الجهة الأخرى، وفى المشاهد القليلة التى ظهرت فيها قاعة قصر ملك فرنسا، نجد العكس تماما، فهناك كادرات ضيقة، لا يظهر فيها أى اتساع، وطوال الوقت هناك ظلام، ومصادر الإضاءة نافذة واحدة والباقى من بعض الشموع المتناثرة، وبشكل عام المشاهد فى تلك القاعة توحى بالانقباض والضيق.
الإضاءة فى قصر ملك فرنسا فى العصور الوسطى
هذا التناقض الواضح بين أسلوب التصوير فى قصر سلطان شاه وقصر ملك فرنسا، يبرز الاختلافات الجوهرية بين بلاط القصرين أو بشكل أعم وأشمل، يبرز الفارق بين حضارتين مختلفتين، إحداهما كانت مصدرا للنور والعلم لكل أنحاء العالم، بينما كانت الحضارة الأوروبية فى أدنى أحوالها العلمية والثقافية والسياسية وحتى العسكرية.
كاهن أوروبي
الفارق بين الحضارتين لم يكن حاضرا فقط فى هذه المفارقة بين طريقة تصوير القصرين، ولكنها كانت حاضرة وبقوة ولكن تلك المرة بشكل مباشر نوعا ما، حيث دار حوار بين أحد رجال الدين، وبين قائد عسكرى فرنسى، عن رغبة الصليبين فى شن حملة جديدة على المشرق، حيث قال رجل الدين: «إن مسيرتنا المقدسة لاحتلال كنيسة الأم المقدسة فى بيت لحم ليست من أجل الأراضى المقدسة ولا الثروات بل من أجل علوم الشرق، الثروة الحقيقية ومن يمتلك العلم يملك العالم»، وهو ما يمثل اعتراف الغرب فى تلك اللحظة التاريخية بأهمية العلم، الذى كان وقتها فى أيدى المسلمين والعرب.