** استيراد هواتف محمولة بقيمة 2.3 مليار دولار.. وسيارات ملاكى بـ 2.1 مليار
** 618.5 مليون دولار حجم واردات التبغ والنيكوتين.. واستيراد ولاعات وكبريت بـ 17.5 مليون
** استيراد شوكولاتة وبسكويت بقيمة 173.3 مليون دولار.. و181.3 مليون للمكسرات والمياه الغازية
ربما لم تشغل قضية الرأي العام العربي من آن لآخر عبر التاريخ مثل القضية الفلسطينية، ولأن أحداثها دائمًا ما تشهد مزيدًا من الدماء واللقطات المأساوية، والمشاهد الإنسانية المروعة، فإن بعضًا من محاولات التصدي والمقاومة ينتج عنها مصطلح شهير هو الآخر، وربما بات ملتصقًا بكل مستجدات القضية، ألا وهو "المقاطعة"، ذلك المصطلح شديد التعقيد، كثير التفاصيل، متعدد الآراء، جذاب الجدل، وفضفاضًا في المعنى تارة، وفي آليات التنفيذ مرات أخرى.
شهد تاريخنا العربي والإسلامي المزيد من الدعوات المختلفة، غير أن لا دعوة شهدت شدًا وجذبًا مثل دعوات مقاطعة المنتجات الغربية، كرد فعل شعبي، ومقاومة شعبية لانحياز العالم الغربي للكيان الصهيوني، يأتي ذلك في الوقت الذي يراهن فيه الغرب دائمًا على ضعف الذاكرة العربية بشكل عام، وعدم قدرة العقل الجمعي العربي على استيعاب المقاطعة بشكل مستدام، بل تصل الأمور أحيانًا لامتصاص الغضب اللحظي، وبعد ذلك تهدأ الأمور، وتعود لطبيعتها، وتنتهي الدعوات إلى لا شيء أحيانًا، أو لنتائج ضعيفة في أخرى، غير أن هذه المرة كانت المشاهد مختلفة، والتفاصيل أيضًا.
معركة المقاطعة
ورغم التاريخ الممتلئ بالتجارب الفاشلة لفكرة المقاطعة، إلا أن ما تلى أحداث يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي 2023 كان جديرًا بالبحث والتدقيق والتوثيق أيضًا، حيث أثارت مشاهد قتل الأطفال والشيوخ والنساء حفيظة العالم أجمع، وكالعادة بدأ العرب جدلية ومعركة المقاطعة، وتعددت الآراء، وتشابكت المعاني، واختلط حابل السياسة بنابل الاقتصاد، حتى وصلت هذه المرة إلى تخوين من لم يقاطع واتهامه ببيع القضية، وفي المقابل اتهام المقاطعين بالغباء والأنانية، كون أصحاب هذا الرأي يرون أن المقاطعة تؤثر بالسلب على الاقتصاد المحلي، وتضر العمالة المحلية في الشركات العالمية.
في مصر، بدأ الملايين مقاطعة كل منتجات الشركات التي عُرف عنها دعم الاحتلال، وتلى ذلك البحث عن البدائل الوطنية، ومن هنا ظهرت القدرة على الاستغناء، وإمكانية إيجاد وإنتاج سلعة ومنتج بديل بصناعة مصرية، وفي سياق ذلك تجدد الحديث عن السلع الاستفزازية التى نستوردها من الخارج بملايين الدولارات؟.. وقال البعض أما وأننا قد استطعنا الاستغناء عن سلع أساسية ومقاطعتها والبحث عن بدائل أخرى لها حتى ولو بجودة أقل والاعتياد عليها، فلماذا لا نكرر هذا الأمر مع السلع الترفيهية؟.
المقاطعة.. فكرة مؤثرة أم ضارة بالاقتصاد؟
حاولنا من خلال هذا التقرير الإجابة على عدة أسئلة من خلال خبراء الاقتصاد ومحللى أسواق المال، بينها مدى جدوى المقاطعة، وهل هي فكرة مؤثرة وتعد مقاومة، أم أنها تضر الاقتصاد المحلي، وتضر العمالة المحلية؟، وقبل ذلك بحثنا عن التعريف الدقيق للمقاطعة والسلع الاستفزازية، وهل يمكننا القدرة على الاستغناء عن بعض المنتجات أم لا، لا سيما مع علمنا أن حجم الواردات المصرية من تلك السلع وصل إلى نحو 45 مليار دولار سنويًا - وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء - وهو ما يشكل النصف تقريبًا من الفاتورة الإجمالية للواردات المصرية سنويًا.
بداية يجب أن نعرف أن الاستغناء عن السلع الترفيهية، لا يوفر ملايين الدولارات من فاتورة مصر الاستيرادية فقط، وإنما سيفسح المجال للتشجيع على توفير بدائل مصرية، وهو ما سيشجع الصناعة المصرية ويوفر فرص كبيرة أمام مجال التصنيع، وإحياء منتجات قد تكون موجودة بالفعل، ولكنها تاهت وسط "المستورد"، وبالتالي تشجيع الصناعة المصرية سيوفر العديد من فرص العمل ويوفر الكميات المطلوبة محليًا، بل قد يمتد الأمر للتصدير، فالمكاسب متعددة مباشرة وغير مباشرة ستشمل فاتورة الواردات والصادرات أيضًا.
فاتورة واردات مصر من السلع الاستفزازية
لكن ماذا يمثل الرقم السابق الذى تم ذكره عاليًا؟ .. وفقًا لتقرير رسمي صادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فإن الـ "45 مليار دولار" تمثل الفاتورة الأخيرة للواردات المصرية من السلع الترفيهية أو كما يطلق عليها السلع الاستفزازية والتي تعود لعام 2022 "أحدث الأعوام المتاح حجم وارداتها حتى الآن"، وهو ما يشير إلى الحاجة الملحة للبدء في تطبيق مبدأ المقاطعة والاستغناء عن كل ما هو غير ضرورى.
تقرير "المركزى للإحصاء"، فند الرقم السابق إلى مجموعة من السلع المستوردة، والتي يمكننا البدء في الاستغناء عنها حتى ولو لفترة مؤقتة، فعلى سبيل المثال، فإن حجم استيراد اللؤلؤ والأحجار الكريمة والحلى والمجوهرات من الماس والفضة والبلاتين يقدر بنحو 449.720 مليون دولار، وهو رقم مخيف جدًا بالنظر إلى حاجة المصريين من هذه السلع الكمالية.
ولم تقتصر الأرقام التى استحوذت على نسبة كبيرة من فاتورة واردات مصر على قيمة ما يتم استيراده من لؤلؤ وأحجار كريمة فقط، بل تضمنت حجم استهلاك المصريين من سلع يمكن بسهولة استبدالها بأخرى مصرية، ومن أبرزها مستحضرات التجميل والعناية بالشعر والبشرة ومزيلات الروائح الجلدية ومحضرات الحلاقة ومزيلات الشعر، حيث بلغت قيمة واردات تلك السلع ما تتجاوز قيمته 318.647 مليون دولار، هذا بخلاف حجم واردات مصر من العطور والزيوت العطرية والملابس الجاهزة وملابس الجلد الطبيعى، والذى بلغ 647.322 مليون دولار.
من الأرقام الغريبة التى كشفها التقرير الإحصائى أيضًا حول حجم واردات هذا النوع من السلع، قيمة واردات المصريين من السيارات الملاكى، والتى تجاوزت 2.1 مليار دولار، علاوة على، واردات الهواتف المحمولة بقيمة 2.3 مليار دولار، فالبرغم من أن الدولة بدأت توطين الصناعة في هاتين السلعتين "صناعة السيارات والهواتف المحمولة"، إلا إنه لا يزال حجم الطلب عليها واستهلاك المصريين لها يكلف الدولة مبالغ كبيرة في الاستيراد.
وإذا اعتبرنا أن كل ما سبق ذكره من سلع، استيراده أمر ضرورى في ظل أن طبيعة العصر الذى نعيشه الآن جعل من السيارة والهاتف المحمول والملابس والحلى أشياء أساسية لا يمكن الاستغناء عنها أو البحث عن بدائل لها حتى ولو بجودة أقل، فهل استيراد المشروبات والسوائل الكحولية والتبغ والسجائر والولاعات أمر حتمى أيضًا لدرجة تصل أن تكلف هذه السلع الدولة ملايين الدولارات لاستيرادها؟!، الإجابة هنا تأتى من واقع الأرقام الصادمة لحجم واردتنا من تلك السلع، والتي وصل حجم استيرادها إلى 71.973 مليون دولار للسوائل الكحولية والويسكى، و 618.534 مليون دولار للتبغ والسجائر والسيجار والنيكوتين، هذا بخلاف 17.577 مليون دولار لاستيراد ولاعات وكبريت فقط.
الوقت الحالى فرصة لتطبيق الاستغناء
من جانبه، اتفق الخبير الاقتصادى أحمد معطى، محلل أسواق المال والاقتصاد، مع فكرة احتياجنا لتطبيق مبدأ المقاطعة للسلع الاستفزازية، والتى تستحوذ على نسبة كبيرة من الفاتورة الاستيرادية لمصر، قائلًا: "أرى أن تطبيق مثل هذه الفكرة فى الوقت الحالى هو أمر مهم وفرصة لنا، خاصة أن الشعب المصرى فى هذه الفترة أصبح الأغلبية منه بعيدة تمامًا عن الكثير من المنتجات، سواء لهدف إنسانى أو سياسى فيما يخص قضية غزة، أو بسبب ارتفاع أسعار هذه السلع".
وأضاف معطى فى تصريحات لـ "اليوم السابع"، أن الوقت الحالى أصبح لا ينقصه سوى اتخاذ قرارات حقيقية ورسمية وليس فقط مجرد دعوات بالمقاطعة، لافتًا إلى أن هذه القرارات يمكن اتخاذها من خلال مناقشة الأمر وطرحه بالبرلمان بالتنسيق مع الحكومة، حتى تكون نتائجه حقيقية وقابلة للتطبيق وليست مجرد دعوى مقاطعة لفترة معينة فقط، وليكن بدء تطبيق هذه القرارات على المنتجات الاستفزازية التى يمكن الاستغناء عنها كفوانيس رمضان والمكسرات والتى يكلف استيرادها الدولة ملايين الدولارات فى وقت نحن نحتاج فيه لكل سنت.
وأشار الخبير الاقتصادى، أحمد معطى، إلى أن مقاطعة المنتجات الاستفزازية المستوردة، سيشجع الكثير من المستثمرين للدخول إلى مصر وتصنيع تلك المنتجات محليًا، هذا بخلاف ما سيوفره هذا الأمر من فرص عمل، كما سيؤدى لرفع قيمة الجنيه المصرى أمام العملة الأمريكية، موضحًا، أن تطبيق الفكرة يمكن أن تبدأ بالسلع الاستفزازية، ولكن يجب أن تطبق بشكل عام على كافة السلع المستوردة التى يمكن إيجاد بدائل مصرية لها، خاصة أنه بالفعل هناك الكثير منها الذى يتوافر بديل مصرى له، ولكن، غير معروف، ولا يحظى بالتسويق الجيد له، وهذا ما اتضح فى كثير من السلع المصرية التى ظهرت وبدأت تأخذ حقها بعد مقاطعة السلع الخارجية مساندة لقضية غزة.
وتابع معطى قائلًا: "يجب أن نعلم أن تطبيق هذه الفكرة بالتأكيد سيتم بشكل تدريجى، كما أن تطبيقه لن يكن على كافة المنتجات والسلع المستوردة، لأن هناك بعض منها لا يمكننا إحلاله بمنتجات مصرية بنسبة 100%، ولكن يمكن إحلاله بنسبة 60% مثلًا، كما أن هناك منتجات لن يمكن استبدالها على الإطلاق، خاصة السلع الزراعية التى لا تناسب طبيعة أرضنا زراعتها، حتى إذا فكرنا فى عمل صوب زراعية لها سيكون وقتها تكلفة زراعتها بالصوب أكبر بكثير من تكلفة استيرادها، فهنا سيكون استيرادها أمر ضرورى لا غنى عنه ولا بديل له".
عشرات الملايين من الدولارات لاستيراد سلع الرفاهية
قائمة واردات سلع الرفاهية التى كشفها "الإحصاء"، والتى قد يرى البعض أن كلها استفزازية أو بعضٍ منها فقط، تشتمل على عشرات السلع، منها ما تتجاوز قيمة استيراده عشرات الملايين من الدولارات، ومنها ما يقل عن تلك القيمة، ولكن، في النهاية فهى في مجملها يكلف استيرادها الدولة مئات الملايين، وتأتى في مقدمة هذه السلع، وارداتنا من الصابون والشموع الصناعية والريش والأزهار الصناعية، والتى يصل حجم استيرادها إلى 291.203 مليون دولار، هذا بالإضافة إلى، واردات لعب الأطفال والصلصال بقيمة تتجاوز 427.770 مليون دولار.
واشتملت القائمة أيضًا على سلعٍ أخرى، قد تصل إلى حد الرفاهية القصوى، مثل الشيكولاتات والنسكافية والمياه الغازية والمكسرات بأنواعها من لوز وجوز هند وبندق وفستق وعين جمل، حيث بلغ حجم الواردات من الشوكولاتة بأنواعها المختلفة "بيضاء وغامقة" والبسكويت الحلو والنسكافية بجانب الآيس كريم إلى 173.345 مليون دولار، بينما بلغ حجم واردات المصريين من المكسرات 154.786 مليون دولار، هذا بخلاف 26.624 مليون دولار واردات للمياه الغازية.
وبالرغم من أنه يوجد لدينا بالفعل بدائل مصرية لهذه السلع وبجودة عالية من شركات مصرية معروفة، إلا إنها تستحوذ على نسبة من السلع المستوردة، هذه السلع هى، شاشات وأجهزة العرض، وأدوات المطبخ والأدوات المنزلية، والتى وصل حجم استيرادها إلى 11.434 مليون دولار للشاشات، ونحو 47.438 مليون دولار للأدوات المنزلية.
بدء تنفيذ فكرة المقاطعة وإحلالها ببدائل مصرية
وفى هذا السياق أيضًا، أكد محلل سوق المال والاقتصاد، أحمد معطى، أن ترتيب بدء تنفيذ فكرة المقاطعة للسلع المستوردة وإحلالها ببدائل مصرية، يجب أن يبدأ بالمنتجات التى ينفق عليها ملايين الدولارات ويمكننا إيقاف التعامل معها بسبب ارتفاع نفقاتها من العملة الصعبة، كما أن وقف التعامل عليها لن يضرنا، مثل الألعاب الإلكترونية التى تصل تكلفة ما ينفق عليها من الشباب المصرى الآن، إلى أكثر من مليار دولار سنويًا وفقًا لآخر الإحصائيات، ثم نتجه إلى السلع الرفاهية، وليكن على سبيل المثال لعب الأطفال، وكذلك السلع التى لا يوجد بها موظفين أو عمالة مصرية ستتأثر بمقاطعة تلك السلع، كما حدث فى بعضٍ من المنتجات الخاصة بمساندة غزة، والتى كانت ترتبط بعمالة مصرية تعمل فى محلات بيعها هنا".
وأكد معطى فى تصريحاته، أن الشعب المصرى أصبح جاهزًا الآن ولديه القدرة على المقاطعة والاستغناء، سواء لأهداف إنسانية لمساندة دول شقيقة، أو لأسباب اقتصادية بسبب ارتفاع الأسعار، ولكن، هنا يأتى الدور الآخر المكمل لما يتوافر لدى الشعب من استعدادات، وهو دور الحكومة فى توفير كافة التحفيزات والإعفاءات التى تشجع المستثمر والمستورد على التصنيع بدلًا من الاستيراد، وهو بالفعل ما بدأت الحكومة فى اتخاذه حاليًا، من خلال ما أصبحت توفره من بنية تحتية وتشريعات استثمارية بها المزيد من الإعفاءات والتحفيزات.
وأوضح، أحمد معطى، أن تطبيق فكر وثقافة الاستغناء عن المستورد والبحث عن المنتج المحلى، أصبحت لا تحتاج لتوعية إعلامية تأخذ وقتها وتنتهى فقط، خاصة أن الوعى فى هذه النقطة أصبح موجودًا بالفعل لدى الشعب المصرى من وقت اشتعال قضية غزة، ولكن، نحتاج لقرارات حاسمة بالتنسيق بين الحكومة والبرلمان، ومن الناحية الاقتصادية نحتاج لعمل قائمة بالمنتجات المستوردة التى نحتاجها وليس لها بديل، وهذه هى ما سنستمر فى استيرادها، وقائمة أخرى بالمنتجات التى يمكننا كدولة تصنيعها، وذلك من خلال منح المستثمرين حوافز تجعله يوفر المنتج المحلى البديل بسعر أقل من استيراده".
وتابع قائلًا: "كما نحتاج إلى زيادة ثقة المستهلك فى المنتج المصرى، وذلك من خلال انتهاز الفرصة الحالية فى موضوع مقاطعة غزة، وتوجيه تلك الثقافة والحالة إلى اقتصادنا، وفى ذات الوقت منح المستثمر التحفيزات اللازمة خاصة فى ظل أن الدولة حاليًا تشجع القطاع الخاص وتوفر الكثير من المجمعات الصناعية، فالأمر كله يتلخص فى التحفيزات والإعفاءات التى تشجع المستورد على التصنيع بدلًا من الاستيراد، خاصة لأن المستورد يرى أن الاستيراد أرخصله من التصنيع".
نصف فاتورة واردات مصر من السلع الاستفزازية
سلع أخرى تضمنتها القائمة التى كشفها جهاز الإحصاء في تقريره بشأن حجم الواردات المصرية، والتي تستحوذ السلع الكمالية على نصفها تقريبًا، حيث سجلت فاتورة واردات مصر الإجمالية خلال عام 2022 نحو 96.2 مليار دولار، وقد جاء فى مقدمة هذه السلع واردتنا من أكياس التعبئة والتي سجلت 15.828 مليون دولار، علاوة على، استيرادنا لـ "الكوتشينا" بقيمة 3.734 مليون دولار، وأمشاط ودبابيس الشعر بـ 26.950 مليون دولار.
ضمت القائمة أيضًا، استيراد مناديل صحية ومناديل مكياج بقيمة 12.555 مليون دولار، وصابون ومحضرات غواسل عضوية بقيمة 37.814 مليون دولار، علاوة على، استيراد محضرات تلميع للأحذية والأثاث بـ 16.679 مليون دولار، ومبيدات حشرية بحجم واردات 158.552 مليون دولار، هذا بجانب، استيراد أقلام رصاص وحبر وتلوين وطباشير بقيمة 15.130 مليون دولار، ونظارات شمسية وعدسات لاصقة بـ 19.156 مليون دولار، وبطاقات ذكية "سمارت كارد" بنحو 62.693 مليون دولار.
"الاستسهال" وراء استيراد السلع الاستفزازية
سلع نستوردها لمجرد "الاستسهال" فقط، هذا ما وصف به الخبير الاقتصادى، أحمد معطى، السلع السابقة ومعظم السلع الاستفزازية التى نستوردها، قائلًا: "قائمة واردات مصر تحتوى على سلع نقوم باستيرادها لمجرد الاستسهال فقط مع إن تصنيعها محليًا أمر يمكن تنفيذه، فنحن نستورد الزرايز والأكياس"، مؤكدًا حاجتنا نحو هذه النقطة تحديدًا إلى رفع وعى وثقافة المستورد وليس المستهلك، حيث نحتاج لتشجيع المستورِد على التصنيع بشكل أكبر وتحفيزه نحو أن هذا الأمر جزء من واجبه تجاه بلده، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحالية، كما أكد على أن الحكومة المصرية تتمتع بتواصل جيد مع كافة الغرف التجارية ورجال الأعمال.
وأضاف معطى، أنه على سبيل المثال، تتخذ الدولة حاليًا مسار تشجيع قطاعات الصناعة الثقيلة كتوطين صناعة السيارات، وكذلك الصناعة الإلكترونية كصناعة الهاتف المحمول، واصفًا ذلك بالأمر الصحيح بنسبة 100% سواء من ناحية توفير العملة الصعبة، وكذلك السيطرة على حجم واردات تلك الصناعات التى تكلف فاتورة مصر الاستيرادية ملايين الدولارات، فتوطين الصناعات الثقيلة يوفر الكثير من العملة الصعبة، كما يوفر أيضًا مئات من فرص العمل لتعدد جوانب تصنيعها.
واستكمل حديثه قائلًا: "بالتوازى مع ذلك، يجب تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، فهناك العديد من السلع التى نستوردها يمكن صناعتها فى مصر من خلال مشروعات صغيرة أو متوسطة، خاصة فى ظل توافر المواد الخام الخاصة بتصنيعها لدينا، كصناعة الأقلام الرصاص التى تأخذ مساحة من فاتورة واردات مصر، فلدينا الخشب ومعدن الرصاص والأيدى العاملة، كما إننا يمكن استيراد آلة صنع القلم بدلًا من القلم نفسه، فبهذا نوفر الصناعة محليًا بدلًا من استيراد المنتج ذاته".
الدولة لا تستطيع حظر "المستورد"
اختلف فى الرأى بشأن إمكانية تطبيقنا لمقاطعة السلع الاستفزازية أو حظر استيرادها، الخبير الاقتصادى، الدكتور على الإدريسى، عضو الجمعية المصرية للإحصاء والتشريع، حيث يرى "الإدريسى"، أنه لا يمكن للدولة القيام بعمليات حظر الاستيراد، ولا يمكن تطبيق ذلك إلا فى حالات معينة، فعمليات الحظر أو المقاطعة لاستيراد سلعة ما مرفوضة فى التجارة الدولية، ولا تتم إلا فى حالات محدودة مثل حدوث ضرر على الشعب من هذه السلعة أو فى حالة فرض عقوبات اقتصادية على دولة ما، إنما فكرة الحظر لسلعة من باب المقاطعة، ليس هو الحل لتقليل الفاتورة الاستيرادية.
وأضاف الإدريسى فى تصريحات لـ "اليوم السابع"، أن حظر السلع سيتسبب فى خلق سوق سوداء، فسياسة المنع هنا لن تأتى بجدواها، فعلى سبيل المثال، عند منع الدولة لسلعة ما ويقوم البعض بتهريبها، فهذا يخلق سوق سوداء ومضاربات لن تأتى إلا بالسلب على الاقتصاد، خاصة أن هناك فئة من أصحاب الدخول المرتفعة التى لا تستطيع الاستغناء عن سلع معينة حتى وإن كانت فى نظر البعض إنها سلع رفاهية وغير ضرورية، لافتًا إلى أنه بالرغم من وجود تلك الفئة ، إلا أن نسبتهم ليست كبيرة وغير مؤثرة بشكل كبير فى الاقتصاد.
وتابع قائلًا: "أنه فى حالة ارتفاع كم السلع الرفاهية المستوردة هناك حلول اقتصادية أخرى تلجأ إليها الدول ومنها مصر، وهى زيادة الرسوم الجمركية والضريبية المفروضة على تلك السلع، وكذلك حصرها من وقت لآخر وعمل قائمة بها وتحديد السلع المصرية البديلة عنها، وليكن على سبيل المثال، السلع الكمالية مثل الكافيار وبعض أنواع الشيكولاتات والنسكافية، ثم وضع رسوم جمركية إضافية عليها، وقد تدفع هذه الطريقة المواطن إلى اختيار المنتج المحلى بسبب ارتفاع ثمن السلع المستوردة بشكل كبير، أو إذا استمرت فئة معينة من المستهلكين فى شراء هذه السلع، فالدولة مستفيدة أيضًا من حصيلة الإيرادات الضريبية والجمركية التى تحققها من وراء تلك السلع، وتدعم بها جوانب اقتصادية أخرى".
السعر والجودة .. الرهان الرئيسى للمستهلك
وأكد الخبير الاقتصادى، على الإدريسى، أن فكرة تشجيع شراء المنتج المصرى، هى سياسة متبعة من تسعينيات القرن الماضى، وكثيرًا ما أُطلقت مبادرات خاصة بهذا الشأن تدعو للاعتماد على المنتج المحلى، وبالرغم من أنها كانت تلاقى تأييد ولها جدوى كبيرة، إلا أنها كانت مؤقتة، تأخذ وقتها وتنتهى، خاصة أن الرهان الرئيسى لأى مستهلك هو السعر والجودة، وإذا لم يتوافرا طوال الوقت، فمن الطبيعى أن المستهلك سينصرف عن المنتج المصرى ويذهب لمن هو أقل فى السعر أو أفضل فى الجودة، فالسعر والجودة عاملان مهمان ورئيسيان للتشجيع على شراء أى منتج.
وعلى سبيل المثال، إذا وجد المستهلك منتج أقل فى السعر من المنتج المصرى، من الطبيعى أن يذهب المستهلك للمنتج الأقل، ولن يُقدم على شراء المنتج الأعلى فى السعر لمجرد أنه منتج مصرى، وكذلك الحال فى عامل الجودة، وهنا لن يكن العيب فى المستهلك الذى لم يختار المنتج المصرى، لذا كما قلنا سابقًا أن أكبر سلاح لمحاربة المنتج المستورد هما عنصرى السعر والجودة.
وأشار الإدريسى، إلى أنه بالتوازى مع توفير عنصرى السعر والجودة، يجب الاستمرار دائمًا - من قبل الإعلام - فى الجانب التوعوى، من خلال رفع الوعى لدى المواطن بتشجيع منتج بلده واختياره فى حالة تقارب الجودة والسعر من المنتج المستورد، قائلًا: "فى مقاطعة بعض المنتجات الخاصة بمساندة قضية غزة، فهى جميعها منتجات كمالية، ولكن الرهان الحقيقى أن يستمر ذلك ويمتد لباقى السلع المستوردة، فمعظم اقتصادات هذه السلع فى الدول المنتجة لها قامت أموالها وأرباحها من أموال الدول النامية غير المنتجة".
وتابع قائلًا: "لذا فنحن نحتاج تدريجيًا لمنح الثقة للمنتج المحلى، من جانب التصنيع والإنتاج من ناحية، ومن جانب رفع وعى المواطن من ناحية أخرى، ووقتها بالتأكيد تدريجيًا سنتمكن من منافسة المنتج المستورد بقوة".
سلع الرفاهية تختلف من شخص لآخر حسب الدخل
وحول وجود تعريف موحد للسلع الرفاهية، قال الخبير الاقتصادى، على الإدريسى، إنه لا يوجد تعريف متفق عليه للسلع الكمالية أو الرفاهية، فهى تختلف حسب دخل كل شخص، فالكماليات تحدد حسب مستوى الدخل، فهناك سلع يرى البعض منا أنها أساسية فى حياته، وغيره يراها غير ضرورية، فكلما زاد الدخل، كلما اختلف المنظور للسلع الكمالية، مؤكدًا أن حلول تقليل الفاتورة الاستيرادية لمصر، تتلخص فى، تشجيع المنتج المحلى رقم واحد، من خلال الاستمرار فى رفع وعى المواطن من ناحية، ومن ناحية أخرى تشجيع التصنيع بجودة عالية وتكلفة مناسبة.
وتابع قائلًا: "المواطن بوعيه يمكنه مقاطعة أى شئ، لكن الدولة لا تستطيع إلا فى ظروف معينة كما قلنا من قبل، حيث سيظل وعى المواطن هو السلاح الأكبر فى هذا الأمر، ولكن، بشرط استمراره وتحويله لثقافة مستهلك يُفضِل فكرة استبدال كل ما هو مستورد بالمنتج المحلى، وليس مجرد حل وقتى لقضية ما "تريند" وبعد ذلك يُنسى الأمر، كما يجب أن يطبق المبدأ ليس على السلع الكمالية فقط، وإنما على كل ما هو مستورد ويمكن استبداله، بينما يكمن دور الدولة فى هذا الأمر فى تقديم حوافز أكثر للمستثمر وتشجيعه على تقديم منتج محلى بسعر تنافسي وجودة مناسبة".
وختامًا لتصريحاته، حول هذا الشأن، قال الإدريسى: "لازم نتفق على فكرة إن تشجيع المنتج الوطنى ده مهمة قومية، ومن واجبك كمستهلك تشجيع اقتصاد بلدك، خاصة أن العائد من هذا الأمر، سيعود بالنفع عليك أنت أيضًا كمستهلك، وذلك من خلال توفير فرص عمل وتشغيل الكثير من المجالات والصناعات المرتبطة، فهى دائرة الجميع سيستفيد منها، وتلك الدائرة تبدأ بشرائى كمواطن ومستهلك للمنتج المحلى، فالهدف هنا ليس تقليل فاتورة واردات فقط، وإنما قيام اقتصاد كامل".