مسلسل جودر .. حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان (الجزء الثالث)

الخميس، 28 مارس 2024 08:50 م
مسلسل جودر .. حكاية الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان (الجزء الثالث) مسلسل جودر
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عادت إلينا ألف ليلة وليلة هذا العام متمثلة في مسلسل جودر المستوحى من سحر وخيال الليالي، وذلك يجعلنا نواصل  قصة الملك قمر الزمان ابن الملك شهرمان من ألف ليلة وليلة، وكان قمر الزمان يرفض أن يتزوج رغم إلحاح أبيه عليه، حتى أنه حبسه فى برج القلعة، وقد انتبهت إليه ميمونة ابنة ملك الجان، فما الذى سيحدث؟

فى الليلة الحادية عشر بعد المئتين قالت:

بلغنى أيها الملك السعيد أن العفريت دهنش ابن شمهورش قال للعفريتة ميمونة: وأما وراء ذلك فإنى تركته لأنه تقصر عنه العبارة ولا تفى به الإشارة وأبو تلك الصبية ملك جبار فارس كرار يخوض بحار الأقطار فى الليل والنهار لا يهاب الموت ولا يخاف القوت لأنه جائر ظلوم وقاهر غشوم وهو صاحب جيوش وعساكر وأقاليم وجزائر ومدن ودور واسمه الملك الغيور صاحب الجزائر والبحور والسبعة قصور، وكان يحب ابنته هذه التى وصفتها لك حباً شديداً ومن محبته لها جلب أموال سائر الملوك وبنى لها بذلك سبعة قصور كل قصر من جنس مخصوص، القصر الأول من البلور والقصر الثانى من الرخام والقصر الثالث من الحديد الصيني، والقصر الرابع من الجزع والفصوص والقصر الخامس من الفضة والقصر السادس من الذهب، والقصر السابع من الجواهر وملأ السبعة قصور من أنواع الفرش الفاخرة وأوانى الذهب والفضة وجمع الآلات من كل ما تحتاج إليه الملوك وأمر ابنته أن تسكن فى كل قصر مدة السنة ثم تنقل منه إلى قصر غيره واسمها الملكة بدور.

فلما اشتهر حسنها وشاع فى البلاد ذكرها أرسل سائر الملوك إلى أبيها يخطبونها منه فزادوها فى أمر الزواج فكرهت ذلك وقالت لأبيها: يا والدى ليس لى غرض فى الزواج أبداً فإنى سيدة وملكة أحكم على الناس ولا أريد رجلاً يحكم على. وكلما امتنعت من الزواج زادت رغبة الخطاب فيها، ثم إن جميع ملوك جزائر الصين الجوانية أرسلوا إلى أبيها الهدايا والتحف وكاتبوه فى أمر زواجها فكرر عليها أبوها المشاورة فى أمر الزواج مراراً عديدة، فخالفته وغضبت منه وقالت له: يا أبى إن ذكرت لى الزواج مرة أخرى أخذت السيف ووضعت قائمه فى الأرض ودبابه فى بطنى واتكأت عله حتى يطلع من ظهرى وقتلت نفسي.

فلما سمع أبوها منها هذا الكلام صار الضياء فى وجهه ظلام واحترق قلبه عليها غاية الاحتراق وخشى أن تقتل نفسها وتحير فى أمرها وفى أمر الملوك الذين خطبوها منه، فقال لها: إن كان ولا بد من عدم زواجك فامتنعى من الدخول والخروج، ثم إن أباها أدخلها البيت وحجبها فيه، واستحفظ عليها عشر عجائز قهرمانات ومنعها من أن تذهب إلى السبع قصور وأظهر لها أنه غضبان عليها وأرسل يكاتب الملوك جميعهم وأعلمهم أنها أصيبت بجنون فى عقلها ولها الآن سنة وهى محجوبة، ثم قال العفريت دهنش للعفريتة: وأنا يا سيدتى فى كل ليلة أنظرها وأتملى بوجهها وأقبلها بين عينيها ومن محبتى لها لا أضرها ولا أركبها لأن جمالها بارع وكل من رآها يغار عليها من نفسه.

وأقسمت عليك يا سيدتى أن ترجعى معى وتنظرى حسنها وجمالها وقدها واعتدالها وبعد هذا إن شئت أن تعاقبينى أو تأسرينى فافعلى فإن الأمر أمرك والنهى نهيك، ثم إن العفريت دهنش أطرق رأسه إلى الأرض وخفض أجنحته إلى الأرض.

فقالت له العفريتة ميمونة بعد أن ضحكت من كلامه وبصقت فى وجهه: أى شيء هذه البنت التى تقول عنها فما هى إلا قوارة بول فكيف لو رأيت معشوقى والله إن حسبت أن معك أمراً عجيباً أو خبراً غريباً، يا ملعون إنى رأيت إنساناً فى هذه الليلة لو رأيته ولو فى المنام لنفلجت عليه وسالت ريالتك، فقال لها دهنش: وما حكاية هذا الغلام؟ فقالت له: اعلم يا دهنش أن هذا الغلام قد جرى له مثل ما جرى لمعشوفتك التى ذكرتها وأمره أبوه بالزواج مراراً عديدة فأبى، فلما خالف أباه غضب عليه وسجنه فى البرج الذى أنا ساكنة فيه فطلعت فى هذه الليلة فرأيته فقال لها دهنش: يا سيدتى أرينى هذا الغلام لأنظر هل هو أحسن من معشوقتى الملكة بدور أم لا، لأنى ما أظن أن يوجد فى هذا الزمان مثل معشوقتي، فقالت له العفريتة: تكذب يا ملعون يا أنحس المردة وأحقر الشياطين فأنا أتحقق أنه لا يوجد لمعشوقى مثيل فى هذه الديار.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


وفى الليلة الثانية عشرة بعد المئتين قالت: بلغنى أيها الملك السعيد أن العفريتة ميمونة قالت للعفريت دهنش: أنا أتحقق أنه لا يوجد لمعشوقى مثيل فى هذه الديار فهل أنت مجنون حتى تقيس معشوقتك بمعشوقي؟ قال لها: بالله عليك يا سيدتى أن تذهبى معى وتنظرى معشوقتى وأرجع معك وانظر معشوقك، فقالت له ميمونة: لا بد من ذلك يا ملعون لأنك شيطان مكار ولكن لا أجيء معك ولا تجيء معى إلا برهن فإن طلعت معشوقك التى أنت تحبها وتتغالى فيها أحسن من معشوقى الذى أحبه وأتغالى فيه فإن ذلك الرهان يكون لك وإن طلع معشوقى أحسن فإن ذلك الرهان يكون لى عليك.

فقال لها العفريت دهنش: يا سيدتى قبلت منك هذا الشرط ورضيت به، تعالى معى إلى الجزائر فقالت له ميمونة إن موضع معشوقى أقرب من موضع معشوقتك وها هو تحتنا فانزل معى لتنظر معشوقى ونروح بعد ذلك إلى معشوقتك فقال لها دهنش: سمعاً وطاعة، ثم انحدرا إلى أسفل ونزلا فى دور القاعة التى فى البرج وأوقفت ميمونة دهنش بجانب السرير ومدت يدها ورفعت الملاءة عن وجه قمر الزمان ابن الملك شهرمان فسطع وجهه وأشرق ولمع وزرها فنظرته ميمونة والتفتت من وقتها إلى دهنش وقالت له أنظر يا ملعون ولا تكن أقبح مجنون فنحن بنات وبه مفتونات.

فعند ذلك التفت إليها دهنش واستمر يتأمل فيه ساعة، ثم حرك رأسه وقال لميمونة: والله يا سيدتى إنك لمعذورة ولكن بقى شيء آخر وهو أن حال الأنثى غير حال الذكر وحق الله إن معشوقك هذا أشبه الناس بمعشوقتى فى الحسن والجمال والبهجة والكمال وهما الاثنان كأنهما أفرغا فى قالب الحسن سواء.

فلما سمعت ميمونة من دهنش هذا الكلام صار الضياء فى وجهها ظلاماً ولطمته بجناحها على رأسه لطمة قوية كادت أن تقضى عليه من شدتها وقالت له: قسماً بنور وجهه وجلاله أن تروح يا ملعون فى هذه الساعة وتحمل معشوقتك التى تحبها وتجيء بها إلى هذا المكان حتى نجمع بين الاثنين وننظرهما وهما نائمان بالقرب من بعضهما فيظهر لنا أيهما أحسن، وإن لم تفعل ما أمرتك به فى هذه الساعة يا ملعون لأحرقتك بنارى ورميتك بشرار أسرارى ومزقتك قطعاً فى البرارى وجعلتك عبرة للمقيم والساري.

فقال لها دهنش: يا سيدتى لك على ذلك وأنا أعرف أن محبوبتى أحسن وأحلى ثم إن العفريت دهنش طار من وقته وساعته وطارت ميمونة معه من أجل المحافظة عليه فغابا ساعة زمانية ثم أقبل الاثنان وهما حاملان تلك الصبية وعليها قميص بندقى رفيع بطرازين من الذهب وهو مزركش ببدائع التطريزات ومكتوب على رأس كميه هذه الأبيات:

ثلاثة منعـتـهـا مـن زيارتـنـا

خوف الرقيب وخوف الحاسد الحنق
ضوء الجبين ووسواس الحلى ومـا
حوت معاطفها من عنبـر عـبـق
هب الجبين بفضل الكم تـسـتـره
والحلى تنزعه ما حـيلة الـعـرق
ثم إنهما نزلا بتلك الصبية ومدداه بجانب الغلام،
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.



وفى الليلة الثالثة عشرة بعد المئتين قالت: بلغنى أيها الملك السعيد أن العفريت والعفريتة كشفا عن وجوه الاثنين فكانا أشبه الناس ببعضهما فكأنهما توأمان أخوان منفردان وهما فتنة للمتقين كما قال لهما التاجر المبين:

أتحب لا تعشق مليحاً واحداً
تحتار فيه تدللاً وتـذلـلا
تحب الملاح جميعهم تلقاهم
إن صد هذا كان هذا مقبلا

وكان دهنش وميمونة ينظران إليهما فقال دهنش: إن معشوقتى أحسن، قالت له ميمونة: بل إنه أحسن، ويلك يا دهنش هل أنت أعمى أما تنظر إلى حسنه وجماله وقده واعتداله؟ فاسمع ما أقول، وإن كنت محباً صادقاً لمن تعشقها فقل فيها مثل ما أقول فى محبوبى ثم إن ميمونة قبلت قمر الزمان قبلات عديدة وأنشدت هذه القصيدة:

مالى وللاحين عـلـيك يعـنـف
كيف السلو وأنت غصـن أهـيف
لك مقلة كحلاء تنـفـث سـحـره
ما للهوى العذرى عنها مـصـرف
تركية الألحاظ تفعـل بـالـحـشـا
ما ليس يفعله الصقيل المـرهـف
حملتنى ثـقـل الـغـرام وإنـنـي
بالعجز عن حمل القميص لا ضعف
وجدى عليك كما علمت ولوعـتـي
طبع وعشقى فى هواك تـكـلـف
لو أن قلبى مثل قلـبـك لـم أبـت
والجسم منى مثل خصرك منحـف
ويلاه من قـمـر بـكـل مـلاحة
بين الأنام وكل حـسـن يوصـف
قال العواذل فى الهوى من ذا الـذي
أنت الكثيب به فقلت لهم صـفـوا
يا قلبه القاسى تعـلـم عـطـفـه

 
من قده فعسى ترق وتـعـطـف
لك يا أمير فى الـمـلاحة نـاظـر
يسطو على وحاجـب لا ينـصـف
كذب الذى ظن المـلاحة كـلـهـا
فى يوسف كم فى جمالك يوسـف
الجن تخشـانـى إذا قـابـلـتـهـا
وأنا إذا ألقـاك قـلـبـى يرجـف
أتكلف الإعراض عـنـك مـهـابة
وإليك أصبو جهد مـا أتـكـلـف
والشعر أسود والجبين مشـعـشـع
والطرف أحور والقوام مهفـهـف
فلما سمع دهنش شعر ميمونة فى معشوقها طرب غاية الطرب وتعجب كل العجب.
وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


وفى الليلة الرابعة عشرة بعد المئتين قالت: بلغنى أيها الملك السعيد أن دهنش قال: أنشدتينى فيمن تعشقينه هذا الشعر الرقيق مع أن بالك مشغول به ولكن أنا أبذل الجهد فى إنشاد الشعر على قدر فكرتى ثم إن دهنشاً قام إلى معشوقته بدور وقبلها بين عينيها ونظر إلى العفرية ميمونة وإلى معشوقته بدور وجعل ينشد هذه القصيدة وهو بلا شعور: فلما فرغ من شعره قالت العفريتة: أحسنت يا دهنش ولكن أى هذين الاثنين أحسن؟ فقال لها: محبوبتى بدور أحسن من محبوبك، فقالت له: كذبت يا ملعون بل معشوقى أحسن من معشوقتك ثم إنهما لم يزالا يعارضان بعضهما فى الكلام حتى صرخت ميمونة على دهنش وأرادت أن تبطش به فذل لها ورفق فى كلامه وقال لها: لا يصعب عليك الحق فابطلى قولك وقولى فإن كلانا يشهد لمعشوقه أنه أحسن، فنعرض عن كلام كل واحد منا ونطلب من يفصل الحكم بيننا بالإنصاف ونعتمد على قوله.

فقالت له ميمونة: وهو كذلك، ثم ضربت الأرض برجلها فطلع لها من الأرض عفريت أعور أجرب وعيناه مشقوقتان فى وجهه بالطول وفى رأسه سبعة قرون وله أربع ذوائب من الشعر مسترسلة إلى الأرض ويداه مثل يدى القطرب له أظفار كأظفار الأسد ورجلان كرجلى الفيل وجوافر كحوافر الحمار فلما طلع ذلك العفريت ورأى ميمونة قبل الأرض بين يديها وتكتف وقال لها: ما حاجتك يا سيدتى يا بنت الملك؟ فقالت له: يا قشقش إنى أريد أن تحكم بينى وبين هذا الملعون دهنش ثم إنها أخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها فعندها نظر العفريت قشقش إلى وجه ذلك الصبى ووجه تلك الصبية فرآهما متعانقين وهما نائمان ومعصم كل منهما تحت عنق الأخر وهما فى الحسن والجمال متشابهان وفى الملاحة متساويان فنظر وتعجب المارد قشقش من حسنهما وجمالهما والتفت إلى ميمونة ودهنش بعد أن أطال إلى الصبى والصبية الالتفات وأنشد هذه الأبيات:

زر من تحب ودع مقالة حـاسـد
ليس الحسود على الهوى بمساعد
لم يخلق الرحمن أحسن منـظـراً
من عاشقين على فـراش واحـد
متعانقين عليهما حلـل الـرضـا
متوسدين بمعصـم وبـسـاعـد
وإذا صفا لك من زمانـك واحـد
فهو المراد وعش بذاك الواحـد
وإذا تألفت القلوب على الـهـوى
فالناس تضرب فى حـديد بـارد
يا من يلوم على الهوى أهل الهوى
هل يستطاع صلاح قلب فاسـد
يا رب يا رحمن تحسن ختمـنـا
قبل الممات ولـو بـيوم واحـد

ثم إن العفريت قشقش التفت إلى ميمونة وإلى دهنش وقال لهما: والله ما فيهما أحد أحسن من الآخر ولا دون الآخر بل هما أشبه الناس ببعضهما فى الحسن والجمال والبهجة والكمال، ولا يفرق بينهما إلا بالتذكير والتأنيث وعندى حكم أخر وهو أن ننبه كل واحد منهما من غير علم الأخر، وكل من التهب على رفيقه فهو دونه فى الحسن والجمال، فقالت ميمونة: نعم هذا الرأى الذى قلته فأنا رضيته وقال دهنش وأنا رضيته، فعند ذلك انقلب دهنش فى صورة برغوث ولدغ قمر الزمان.

وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.


وفى الليلة الخامسة عشرة بعد المئتين قالت: بلغنى أيها الملك السعيد أن دهنشاً لدغ قمر الزمان فى رقبته فى موضع ناعم فمد قمر الزمان يده على رقبته وهرش موضع اللدغة من شدة ما أحرقته فتحرك بجنبه فوجد شيئاً قائماً بجنبه ونفسه أذكى من المسك وجسمه ألين من من الزبد فتعجب قمر الزمان من ذلك غاية العجب ثم قام من وقته قاعداً ونظر إلى ذلك الشخص الراقد بجانبه فوجده صبية كالدرة السنية أو القبة المبنية بقامة ألفية خماسية القدر بارزة النهد موردة الخد كما قال فيها بعض واصفيها:

بدت قمراً وعادت غصن بان
وفاحت عنبراً ورنت غزالا
كأن الحزن مشغوف بقلبـي
فساعة هجرها يجد الوصالا

فلما رأى قمر الزمان السيدة بدور بنت الملك الغيور، وشاهد حسنها وجمالها وهى نائمة طوله ووجد فوق بدنها قميصاً بندقياً وعليها كوفية من ذهب مرصعة بالجواهر وفى عنقها قلادة من الفصوص المثمنة لا يقدر عليها أحد من الملوك فصار مدهوش العقل من ذلك، ثم إنه حين شاهد حسنها تحركت فيه الحرارة الغريزية وألقى الله عليه شهوة الجماع وقال فى نفسه: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فصار ينبهها وهى لا تنتبه، لأن دهنشاً ثقل نومها فصار قمر الزمان يهزها ويحركها ويقول: يا حبيبتى استيقظى وانظرى من أنا فأنا قمر الزمان، فلم تستيقظ ولم تحرك رأسها، فعند ذلك تفكر فى أمرها ساعة زمانية، وال فى نفسه: إن صدق حذرى فهذه الصبية هى التى يريد والدى زواجى بها، ومضى لى ثلاث سنين وأنا أمتنع من ذلك فإن شاء الله إذا جاء الصبح أقول لأبي: زوجنى بها.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة