أثار قرار الرئاسة الجزائرية بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لتصبح فى الـ 7 سبتمبر المقبل بدلا من الـ7 من ديسمبر، الكثير من التساؤلات حول الأسباب وراء القرار الذى فاجأ الكثيرون، وجاء عقب اجتماع ترأسه الرئيس عبد المجيد تبون؛ لدراسة التحضيرات للانتخابات الرئاسية المقبلة، وسيتم استدعاء الهيئة الناخبة يوم 8 يونيو، فيما تطالب الأحزاب المعارضة بضمان الشفافية فى العملية الانتخابية.
وبهذا القرار يكون الرئيس تبون قد مارس إحدى صلاحياته التى يخولها له الدستور الجزائرى فى مادته الـ91، والتى تنص على أنه يمكن أن يقرر إجراء انتخابات رئاسية مسبقة.
وقد انتخب تبون رئيسا للجزائر فى 12 ديسمبر 2019، بعد حصوله على 58.15% من الأصوات لولاية رئاسية مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة بحسب نص الدستور فى الجزائر، لكنه لم يعلن بعد ترشحه رسميا.
أسباب الانتخابات المبكرة
وفى الوقت الذى لم تذكر الرئاسة الجزائرية دوافع تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، يبدو أن إعلان الرئيس تبون عن هذا القرار قد أثار ارتباك خصومه وبعض من حلفائه.
وأضاف التقرير، الذى أوردته وكالة الأنباء الرسمية بالجزائر، أن الرئيس تبون كان دائما سديدا عندما يتعلق بضبط المواعيد وغالبا ما كان متحكما فى الأوضاع بتعقيداتها، وأن المغزى الأول من هذا الإعلان عن الانتخابات المسبقة هو العودة إلى الوضع الطبيعى، فالانتخابات التى عُقدت فى 2019، جاءت نتيجة الحراك الذى جرى فى الشارع، وكانت الضرورة تفرض إجراء الانتخابات لتجنيب البلاد الدخول فى مرحلة غير دستورية".
لذا فإن أحداث عام 2019 والانتخابات الرئاسية المؤجلة من يوليو 2019 إلى ديسمبر 2019، قد غيرت الرزنامة الانتخابية الجزائرية، وأحدثت اضطرابا فى الآليات المعمول بها بسبب الأحداث السياسية الاستثنائية من حيث خطورتها، وبالتالى فإن إعلان الرئيس تبون هو الإشارة الرسمية للخروج من أزمة، فالدولة الجزائرية ليست فى أزمة أو فى حالة طوارئ بل استعادت استقرارها وتوازن مؤسساتها مع استرجاع مسار صنع القرار لديها.
كما أن الأجندة الانتخابية قد أعيد ضبطها بما يتماشى مع هذا المعيار، أى المعيار الديمقراطى وهو ما يشكل تقوية للاستقرار الدستورى والمؤسساتى، ويبدو أن الفكرة الرئاسية أملاها الحرص على إعادة بسط هذا الاستقرار فى صرح الدولة، ولو تطلب ذلك تقليص فترة العهدة الرئاسية.
والمغزى الثانى هو العودة الدائمة إلى الشعب، صاحب القرار الوحيد والمحاسب الوحيد لما أنجزه رئيس الجمهورية. ويدل هذا الإعلان على أن رئيس الجمهورية يثق فى شعبه وناخبيه وفى حكمهم ووعيهم.
وبطبيعة الحال، بدأت بعض الأصوات المعتادة فى تصور السيناريوهات غير الصحيحة لهذا القرار، إلا أنه إذا كان الأعداء فى حالة ارتباك، فذلك بسبب العلاقة المتلاحمة بين الرئيس وشعبه.
الحسابات الجيوسياسية
أما بالنسبة للمغزى الثالث فيتمثل فى الحسابات الجيوسياسية، فقمة الغاز الأخيرة وتسيير النزاعات والتحولات الجيوستراتيجية والأمنية فى المنطقة، قد دفعت نحو تبكير موعد الانتخابات. فالتهديدات الخارجية حقيقية وملموسة، بما يجعل من تقليص فترة الرئاسة الأولى ضرورة تكتيكية، حيث أنه استباق لاضطرابات مبرمجة، فالرهان الدولى يسبق الرهان الوطنى، وعليه، يتعين على الجزائر أن تعزز وحدتها وانسجامها الداخليين، برئيس وجيش ومؤسسات بجاهزية لمواجهة الأزمات الخارجية، والتى تستهدف أمن وسيادة الدولة، وفق وكالة الانباء الرسمية.
شروط الترشح
القانون الجزائرى يشترط أن يقدم كل مترشح إما قائمة تتضمن 60 ألف توقيع فردى على الأقل لناخبين مسجلين فى قائمة انتخابية، يجب أن تجمع عبر 25 ولاية على الأقل، مع اشتراط ألا يقل العدد الأدنى من التوقيعات المطلوبة فى كل ولاية من الولايات المقصودة عن 1500 توقيع.
أو قائمة تتضمن 600 توقيع فردى لأعضاء منتخبين فى مجالس بلدية أو ولائية أو برلمانية على الأقل، تكون موزعة عبر 25 ولاية على الأقل.
الكفة الأرجح للفوز
وبالنسبة لاحتمالات فوز الرئيس تبون بفترة رئاسية ثانية، يجمع عدد من المراقبين السياسيين أن الرئيس عبد المجيد تبون، يملك حظوظًا أوفر لللفوز فى الانتخابات الرئاسية المقبلة رغم أنه لم يعلن عن ترشحه بشكل رسمى لكنه أشار إلى ذلك ضمنًا، على هامش خطاب ألقاه عندما جمع غرفتى البرلمان نهاية 2023.
وما يقوى حظوط تبون فى الفوز، هو دعم الجيش له ولنهجه الإصلاحى، ووجود أحزاب كبيرة تؤيده وسوف تدعمه فى حملته الانتخابية، وأكبر هذه الأحزاب "جبهة التحرير الوطني"، القوة الأولى فى البرلمان والمجالس البلدية، و"جبهة المستقبل"، فضلًا عن التأييد الذى يلقاه من طرف عدد كبير من تنظيمات المجتمع المدني.
بالمقابل لا توجد حتى الآن أسماء مهمة من المستقلين ترغب فى دخول السباق الانتخابى، ويتوقع مراقبون غياب كثير منهم، على عكس مرشحين تعود الجزائريون على رؤيتهم فى الانتخابات، من بينهم الأمينة العامة لـ"حزب العمال" لويزة حنون، وهى أول امرأة عربية تخوض معترك انتخابات الرئاسة، وكان ذلك عام 1999، والتى يرتقب أنها ستشارك هذه المرة أيضًا.
ومن المتوقع وفق مراقبين، أن ترشح "حركة مجتمع السلم" المعارضة، رئيسها عبد العالى حسانى، الذى لا يملك حضورًا لافتًا فى الساحة السياسية.