وصلت فرقة كبيرة لجنود أستراليين إلى قرية زفتى بمحافظة الغربية، للقضاء على استقلالها وإعلان الجمهورية فيها، حيث فوجئ الأهالى فجر 29 مارس، مثل هذا اليوم 1919، بعشرات المراكب التى تحمل جنودا أستراليين تقوم بإنزال الجنود على شاطئ النيل بالبلدة، وفقا لحسن بدوى فى مقاله «جمهورية زفتى- مجلة صباح الخير-27 فبراير 2019».
جاء إعلان «جمهورية زفتى» بعد أيام من بدء شعلة الثورة يوم 9 مارس 1919، وقررت سلطة الاحتلال الإنجليزى القضاء عليها بعد أن عبرت الأنباء البحار إلى لندن، ونشرت «التيمس» البريطانية فى صدرها «أن قرية زفتى أعلنت استقلالها، ورفعت على مبنى المركز علما جديدا»، وفقا للكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ»، مؤكدا أن قصتها «إحدى القصص المنثورة بالمئات فى قرى الريف».
كان أبطال الحدث شقيقين هما «يوسف الجندى» و«عوض الجندى» وفقا لـ«بهاء»، مضيفا أنه كان لـ«يوسف» مكتب محاماة فى «ميت غمر» بمحافظة الدقهلية، بينما لـ«عوض» مكتب فى زفتى، ويفصل النيل بينهما، وكان الشقيقان معروفين بين صفوف الحركة الوطنية بالقاهرة، ففى سنة 1913 اشتبك عوض الجندى مع عضو من مؤيدى الحكومة فى قاعة الجمعية التشريعية، لأنه كان يقاطع سعد زغلول بكثرة فقبضوا عليه، ووجهوا إليه تهمة تعليق منشورات على أسوار البرلمان، أما «يوسف» ففصلوه فى 1914 من كلية الحقوق لتحريضه الطلاب على الإضراب، احتجاجا على إعلان الحماية الإنجليزية على مصر عقب الحرب العالمية الأولى.
يذكر بهاء، أن الثورة انفجرت و«يوسف» فى زفتى، واتجهت أنظار القرويين إليه ينتظرون منه أن يفعل شيئا، فقرر أن تعلن زفتى وميت غمر استقلالهما.
أعلن «يوسف»عن تشكيل لجنة للثورة من بعض الأعيان والأفندية والتجار الصغار، من بينهم «عوض الكفراوى، الشيخ مصطفى عمايم، إبراهيم خيرالدين، أدمون بردا، محمد السيد، محمود حسن»، واتخذت لجنة الثورة مقرا لها فى الدور الثانى من مقهى يملكه يونانى عجوز اسمه «قهو مستوكلى».
يضيف «بهاء»: «قررت لجنة الثورة أن تبدأ بوضع يدها على السلطة الفعلية بالاستيلاء على مركز البوليس، وزحف يوسف الجندى على رأس مظاهرة ضخمة ضمت كل الرجال، وجيوش الصبية الصغار، القليلون منها حملوا بنادقهم القديمة وتسلح الآخرون بالعصى وفروع الأشجار والفؤوس، وشاءت الظروف أن تجنب الدولة الجديدة إراقة الدماء، إذ كان مأمور المركز رجلا وطنيا اسمه «إسماعيل حمد»، ومعه معاون اسمه «أحمد جمعة»، وخرج المأمور إلى المظاهرة، وسلم «يوسف» المركز والسلاح، وقيادة الجنود والخفراء، ثم عرض خدماته عليه كمستشار للدولة الجديدة، واتجهت المظاهرة إلى محطة السكة الحديد، واستولت على عربات السكة الحديد المشحونة بالقمح تنتظر إرسالها إلى السلطات الإنجليزية، وسيطرت على التلغراف».
يذكر «بهاء»، أن الدولة الجديدة كان عليها أن تواجه مشاكلها الداخلية، فجمع «يوسف» الأعيان، ودعاهم للتبرع ليصبح للدولة خزانة، وتوجهت هذه الأموال إلى ردم البرك والمستنقعات والشوارع، وإصلاح الجسور، وتم تشييد كشك على ضفة النيل لعزف الموسيقى، ويضيف: «جندت لجنة الثورة كل التلاميذ والمتعلمين الموجودين فى القرية وقسمتهم فرق، فرقة تقوم بدوريات مستمرة لحفظ الأمن، وفرقة تراقب الحدود لتمنع تسرب مواد التموين أو دخول الجواسيس، وفرقة تشرف على عمليات الرى وتزويد الأرض بالماء وظهر أن فى قلب زفتى مطبعة خاصة يملكها «محمد أفندى عجينة»، فطبعت قرارات لجنة الثورة وتعليماتها وأخبارها وتوزيعها على الناس».
حين تقرر فى القاهرة إرسال قوة عسكرية للقضاء على الجمهورية الوليدة، أدرك رجال الوفد الخطر على رئيسها «يوسف»، فأرسلوا إليه أخوه «عوض» وكان فى القاهرة، ويذكر «بهاء»: «لما كانت المواصلات مقطوعة والتنقل داخل القطر ممنوعا، ما لم تمنحه السلطات الإنجليزية جواز سفر، ركب عربة كارو إلى قليوب، ثم مركبا نيليا إلى بنها، ثم عربة حنطور إلى زفتى».
يضيف «بهاء»: «أشرق الصبح على مدافع الأستراليين منصوبة، وفوهاتها مسددة إلى بيوت القرية، وأعدت لجنة الثورة منشورات بالإنجليزية للفرقة الأسترالية تقول لهم: «إنكم مثلنا ونحن نثورعلى الإنجليز لا عليكم، والإنجليز الذين يستخدمونكم فى استعبادنا يجب أن يكونوا خصومكم أيضا»، وأرسلت المنشورات إلى الأستراليين، وقررت الفرقة ألا تدخل القرية وتبقى معسكرة بجوارها، وعلم الإنجليز أن الفرقة الأسترالية عند الحدود ولم تدخل زفتى، فأرسلوا تعليمات جديدة، منها تسليم 20 رجلا من الأهالى لجلدهم عقابا».
وتفاديا لهلاك القرية تحت المدافع الإنجليزية، اقترح إسماعيل حمد تسليم العشرين من الخونة الذين كانوا يرسلون خطابات إلى الإنجليز فيها أخبار الجمهورية ورجالها، وكان يعرفهم بحيلة يفعلها، حيث كان يسهر الليل ليفض الخطابات، ويتخلص من تلك التى تحمل وشايات بعد أن يعرف أصحابها.
تلقت الفرقة طلبا جديدا وهو ضرورة تسليم يوسف الجندى، فهربته لجنة الثورة متسللا إلى قرية «دماص» المجاورة، وتم القبض على شقيقه «عوض»، ثم أطلقوا سراحه بعد أن تأكدوا أنه لا يعرف مكانه، وحسب «بهاء»: «بعد 15 يوما من فرار يوسف، ظهر فى القاهرة يخطب فى «جروبى» الذى كان من منتديات الثورة».