أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، برئاسة محمد أبو سعدة، اسم "البيروني" فى مشروع حكاية شارع، حيث تم وضع لافتة أمام الشارع الذى كتب على اسمه لتعريف المارة به، وليتعرف عليه الأجيال المقبلة.
اشتهر بـ"أبو الريحان البيروني"، يُنسب إلى مدينة "خوارزم" وأما لفظة "البيروني" فهي بلغة أهل مدينة خوارزم تعني الغريب، حيث كان أبو ريحان يوصف بذلك من أهل خوارزم لقلة مكوثه في المدينة وكثرة ترحاله، وكانت كنيته أبو الريحان.
ولد أبو الريحان البيروني في عام 973م في مدينة "كاث" وهي إحدى مدن خوارزم التي تتبع حاليًا لجمهورية "أوزبكستان"، وكان والده تاجرًا وأمه تعمل في جمع الحطب، توفي والده وهو لا يزال صغيرًا، فاضطر للعمل وإعانة والدته.
التقى يومًا بعالم يوناني فعرض عليه العمل عنده على أن يُعلمه ويعطيه أجرًا يكفي لمعيشته ووالدته، فوافق العالم اليوناني ودُهش من معرفة البيروني للغة العربية والفارسية، وبدأ يُعلّمه اليونانية والسريانية.
عمل البيروني كمساعد لعالم نباتات يجمع له البذور والأعشاب، وغرس ذلك في نفسه حب البحث فانتقل لدراسة الأجرام السماوية وعلوم الفلك، وتدرب على يد أبي نصر منصور بن علي ابن عراق، واتصل مع العالم ابن سينا، وغادر خوارزم بينما كان في الثالثة والعشرين من عمره، بعد اغتيال شاه أبي العباس الذي كان البيروني من أنصاره، وداعمًا للسياسة في خوارزم، فهاجر بعدها إلى جرجان، وأصبح من حاشية بلاط السلطان أبي الحسن قاموس بن وشكمير، وبدأ بكتابة مؤلفاته التاريخية والفلكية، وبعد هدوء الوضع السياسي في خوارزم عاد لها بعد غياب استمر 15 عامًا، والتحق بحاشية الأمير أبي العباس مأمون بن مأمون خوارزم شاه، شقيق الأمير أبي الحسن علي بن مأمون.
وقد أتاح له السفر والترحال الالتقاء بكبار علماء عصره من أمثال ابن سينا وأبي الوفاء صاحب مرصد بغداد الذي علمه الهندسة، ودرس الرياضيات على يد منصور بن عراق، ومُعلمَه علمَ الفلك أبو نصر منصور بن علي الذي أطلعه على هندسة إقليدس وفلك بطليموس وتراكمت تلك الخبرات والمعارف والتجارب ليصوغها العالم البيروني في كتبه التي بلغت نحو مئة وخمسين كتاباً أو يزيد.
يعترف للبيروني بإسهام في مختلف العلوم، فقد حدَّد بدقة خطوط الطول وخطوط العرض، وناقش مسألة ما إذا كانت الأرض تدور حول محورها أم لا، وبحث في الوزن النوعي، وقدر بدقة كثافة 18 نوعاً من الأحجار الكريمة والمعادن، وتوصل إلى أن سرعة الضوء أكبر من سرعة الصوت، كما شرح كيفية عمل الينابيع الطبيعية والآبار الارتوازية بناء على مبدأ هيدروستاتيكي.
وكان البيروني ألمع علماء زمانه في الرياضيات كما يعترف بذلك “سمث” في الجزء الأول من كتابه “تاريخ الرياضيات”، وبجانب ذلك اشتغل بالفلك، وبحث في هيئة العالم وأحكام النجوم، ووضع طريقة لاستخراج مقدار محيط الأرض تعرف عند العلماء الغربيين باسم “قاعدة البيروني”؛ ووصف ظواهر الشفق وكسوف الشمس وغير ذلك من الظواهر الطبيعية بجانب إشارته لدوران الأرض حول محورها. كما كان ملمًا بعلم المثلثات، وهو من الذين بحثوا في التقسيم الثلاثي للزاوية.
امتاز البيروني بعقليته العلمية المدعومة بسمات العلم وقيمه النبيلة، والمكرسة لأهدافه بصورة عميقة تفوق مُعظم علماء التاريخ العرب قبله، فاعتبر المنطق أساس فكره والركيزة الرئيسية الداعمة له، وهو سبب تسميته بالأستاذ، فضلًا عن تكريس نفسه لأسلوب البحث المُنضبط والتطبيق السليم للنتائج والمعطيات في المباحث والعلوم العقلية، والسير في طريق التقدم والتطور المعرفي في مختلف مجالات العلوم التي اشتهرت وبرزت في الحضارة العربية حينها؛ كالرياضيات، ورغم أنه لم يكن مُهندسًا، ولكنه برع في علم الهيئة، أي الفلك الذي كان يتفرع من الرياضيات حينها، إضافةً لارتباطه بالتاريخ والحضارات، ويتقاطع بشكل سطحي مع المباحث الأخرى التجريبية التي عُني فيها البيروني؛ كالجغرافيا، والطب والصيدلة، ومن هنا امتاز بكونه موسوعي الطابع، مُتعدد المعرفة في تلك المجالات، ولا نغفل عن اهتمام أبي الريحان بالمباحث الإنسانية بطريقة علمية خالصة، إذ عمل على إثرائها وإنتاجها بغزارة بعقليته العلمية بهيكلها وصلبها وأهدافها ومبناها، وتجدر الإشارة إلى أن الأبعاد الدينية والفلسفية والأدبية رغم حضورها لديه إلا أنها كانت هوامشًا تدعم التشكيل العلمي، وروافدًا تصقله وتغذيه، نظرًا لارتباطها بالعصر الثقافي الذي يتطلب وجودها لدى العالم، خاصةً وأن الفلسفة لها عمق في العقلية العلمية ومرتبطة بجميع العصور.
وللبيروني الكثير من المؤلفات في العديد من المجالات مثل التاريخ، والفلك، والفيزياء، والصيدلة، والمعادن، وفقه اللغة، والرياضيات، والهندسة، وقد ترجمت معظم كتبه إلى اللغات الفرنسية، والألمانية، والإنجليزية، ونشرت في القرنين التاسع عشر والعشرين، ومن هذه الإسهامات والمؤلفات ما يأتي من أشهر مؤلفات البيروني ما يأتي:
وكتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية: يُصنف كأحد الكتب القيمة التي تضم جملة من التخصصات العلمية المُختلفة، خاصة العلوم الاجتماعية والثقافية والتاريخية منها، ويسرد فيه أبو الريحان تاريخ نظم الجماعات والطوائف المختلفة، وعاداتهم وتقاليدهم السائدة، وأبرز المواضيع التي تخصهم ضمن فصول متعددة.
وبالنسبة إلى أن كتاب تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، دوّن فيه البيروني الثقافة الهندية القديمة، فكان مرجعاً جامعاً للفلسفة، والأدب، والتاريخ، والجغرافيا، وقد وصف المستشرق الإيطالي آلدو ميلي الكتاب بقوله أنه المرجع الأساسي بكل ما يتصل بحياة الشعب الهندي. وقد تُرجم الكتاب لعدة لغات. الآثار الباقية من القرون الخالية: حوى هذا الكتاب عرضاً مفصلاً لتقاويم الأمم السابقة وما اعتراها من تعديل وتغيير وإضافة، ففيه جداول مفصلة لحساب الأشهر التركية، والهندية، والعبرية، والفارسية، والرومية، فهو يُعد من أغزر الكتب التي ألّفها البيروني، وقد تُرجم الكتاب وطُبع في لندن عام 1789م.
ويشار إلى أن كتاب القانون المسعودي في الهيئة والنجوم: ألفه البيروني (421هـ/1030م) بطلب من “مسعود بن محمد الغزنوي”. وهو كتاب ضخم يشتمل على 143 باباً تناول فيه مختلف موضوعات الفلك والرياضيات.
أما كتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم: يبحث هذا الكتاب الحساب، والهندسة، والجبر، والعدد، والفلك. وقد كتبه البيروني على شكل سؤال وجواب، ووضحه بالأشكال والرسوم. إضافةً إلى هذه الكتب الكبيرة، ترك البيروني عدة رسائل في الهندسة، والحساب، والفلك، والآلات العلمية، والطب، والصيدلة. كما كانت له مراسلات مع ابن سينا. وإضافةً إلى ذلك، فقد ترجم عددًا من الكتب من اللغة السنسكريتية إلى العربية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة