كان الفنان عبدالحليم حافظ على موعد بعد منتصف الليل بنصف ساعة أى صباح 11 أبريل 1966، ليقف أمام ميكروفون إذاعة صوت العرب على مسرح جامعة القاهرة ليغنى أغنيتين جديدتين، وكانت جريدة الأهرام صباح 10 أبريل، مثل هذا اليوم، 1966، تنشر على صفحتها الأخيرة حوارا معه أجراه الكاتب الصحفى كمال الملاخ.
كان عبدالحليم سيقدم أغنيتين، الأولى قصيدة «حبيبها»، والثانية «التوبة»، ويكشف الحوار أن أهميتهما تكمن فى أن الشاعر كامل الشناوى كتب «حبيبها»، ثم رحل يوم 30 نوفمبر 1965 ولم تتحقق أمنيته بأن يسمعها فى حفل بعد أن غنى له عبدالحليم بدايتها أثناء تلحين محمد الموجى لها «حبيبها.. لست وحدك حبيبها / أنا قبلك / وربما جئت بعدك / وربما جئت مثلك / حبيبها»، أما أغنية «التوبة» التى كتبها عبدالرحمن الأبنودى ولحنها بليغ حمدى، فكانت تجربة جديدة تماما من حيث إن مدتها ثلاث دقائق فقط.
لم يقتصر «الملاخ» فى حواره مع عبدالحليم على حدث الحفلة، وإنما انتقل به من محطة إلى أخرى فى حياته، يسأله عن مشواره وأول أغنية سمعها فى حياته، فيرد: «26 سنة هى عمرى، وأول أغنية «الليل لما خلى» لمحمد عبدالوهاب، كنت أسمع لحنها قادما من بعيد عن طريق أسطوانة على فونوغراف له بوق كبير، كان عمرى حوالى 4 سنوات، مش عارف معنى الكلمات بالضبط، ولكنى كنت أرددها وأنا ماشى فى شارع فى الزقازيق قدامه شجر يطل على الترعة».
يسأله الملاخ عن أول صوت تعلق بطفولته، يجيب: «صوت الكروان، زوم الحمام، المزمار البلدى فى الموالد، فى الحلوات بلدى على بعد 40 كيلومترا من الزقازيق، وكنا عشان نوصلها لازم نركب ركوبة لغاية ههيا وبعدين قطار دلتا 4 كيلو، وننزل بعدها نمشى حوالى 5 كيلو، يادنركب حمار اللى صوته بيزعجنى جدا لغاية دلوقتى، ولما أعرف إنهم بيسقوا أرض بالليل، وبيغنوا ويعزفوا على الربابة، أروح اسمع معاهم، كنت أفرح جدا بالمولد، والناس اللى بترقص وتغنى».
يسأله عن أوحش حاجة بيفتكرها فى طفولته، يجيب عبدالحليم: «كنت باستحمى فى الترعة، وده سبب اللى أنا فيه دلوقتى، البلهارسيا اللى معايا، دى بصمة شقاوة طفولتى ما زلت أحملها معى»، ويسأله: «يعنى انت سمعت الريف قبل ما شفته؟»، يجيب: «حاسة النظر عندى أقل من حاسة السمع، أنا من الناس اللى يحبوا الليل، الليل فيه حاجات كتيرة مش واضحة، مش باينة، مفيهوش صورة، ضلمة»، ويسأله الملاخ عن سر تكرار كلامه عن خالته وخاله، يجيب: «لهم فضل علىّ، هما اللى عرفتهم، والدتى ماتت فى ولادتى، ووالدى مكملش بعدها شهور، مفتكرش شكله، معنديش صور ليهم، ومفيش أى أثر أعمل منه صور دلوقتى وأنا قادر».
وعن أحسن حاجة شافها فى التليفزيون فى الأيام السابقة على حفله، قال: «أعجبت بمسلسله «جريمة الموسم» للكاتب الكبير محمد التابعى، و«قصة و10 مؤلفين» بدأها نجيب محفوظ وأنهاها نجيب محفوظ، ومسلسله «كليوباترا» بالإنجليزى، وعن أحسن أغانى سمعها فى الفترة الأخيرة ليلا، قال: أغنية «أنا باستناك» لنجاة، وبعدين «الأطلال»، من الناحية الزمنية لأن أم كلثوم غنتها بإبداع بعد «أنا باستناك».
وعن أغنية «توبة» قال: «دى من كلمات عبدالرحمن الأبنودى وتلحين بليغ حمدى وتوزيع على إسماعيل، طولها 3 دقائق، كان أمل يراودنى ليه احنا غنوتنا متخرجش من الإطار اللى هى فيه، يبقى فيه الغنوة القصيرة المبنية على قواعد سليمة، لحن مضبوط، توزيع مضبوط، وكلام بسيط، فى أى بلد فى أوروبا فى أمريكا الواحد بيسمع مثلا أغنية يونانية بيتعلق بها حتى وإن كان مش فاهم لغة الأغنية، زى الأغنية الإسبانية ما هى أصبحت عالمية كمان وغيرها، الناس بتسمعها وبتحبها ويمكن مش فاهمة كلامها».
وعما إذا كان متخوفا من أن الجمهور سيطول الـ3 دقائق إلى 12 على الأقل بسبب المقاطعة بالتصفيق، مما يضطره إلى الإعادة، قال عبدالحليم: «لا، أصل الغنوة مفيهاش فرصة تخلى الناس تقاطعها للإعادة، هى إذا أعجبتهم أغنيها لهم تانى، دى 3 دقائق متتابعة بتوزيع الكورس اللى فيها بكلماتها ومقدمتها، متخليش الناس يقاطعوها فى الربع أو النص، ولكن إذا أحبوها نعيدها من الأول، وده بيحصل فى أوروبا».
وتجرى الأغنية على لسان عبدالحليم: «أنا كل ما أقول التوبة.. يا بوى/ ترمينى المقادير.. يا عين/ وحشاى عيونه السودة.. يا بوى / ومدوبنى الحنين.. يا عين / متغرب والليالى / مش سايبانى فى حال / والرمش اللى مجرحنى/ ضيعنى.. وأنا كان مالى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة