كان عشاق الغناء العربى على موعد مع سيدة الغناء العربى أم كلثوم، والموسيقار محمد عبدالوهاب فى أغنية «أنت عمرى» يوم 5 فبراير 1964، وأحدث اللقاء ضجة هائلة أطلق عليه الشاعر كامل الشناوى «لقاء السحاب»، وكان من نتيجته أن أصدرت مجلة «الكواكب» فى 14 أبريل، مثل هذا اليوم، 1964 عددا خاصا عن محمد عبدالوهاب، اسمته «عدد عبدالوهاب»، وذكرت أنه «فرصة ذهبية لمقابلة أعظم فنان عربى».
دخل الكاتب الصحفى سيد فرغلى صومعة عبدالوهاب التى يعزل نفسه فيها بمنزله كلما استقبل إلهام النغم، وتحاور معه، قال عن خطواته فى تلحين الأغنية: «إما أن تحضرنى جملة موسيقية بلا كلام، فاتصل بمن أختاره من مؤلفى الأغانى، أو أن يكون عندى كلام الأغنية فأقرأه، وأحاول أن أحس بروحه إحساسا قويا، وأدون خواطرى عنه إذا جاء لى أكثر من خاطر، واختار أصلحها، وهذه الخواطر تحضرنى ربما فى المنزل، ربما فى السيارة، ربما وأنا مع أصدقائى، وربما وأنا أتشاجر، وفى هذه الحالة أضطر أن أدونه فى نوتة خوفا من الضياع، وبعد ذلك تبدأ مرحلة تجميل وتهذيب هذه الخواطر التى ارتحت لها أكثر من غيرها».
أبدى عبدالوهاب ولأول مرة آراءه فى زملائه الملحنين، ورغم أن عطاء أصحابها استمر لسنوات تالية طويلة، إلا أنها آراء مثيرة ولافتة، قال عن رياض السنباطى: «شخصية محبوبة كملحن، فهو يعكس روحا شرقية فى ألحانه، وأنا أجد فيه دائما الروح الدينية والرومانتيكية الحالمة، وهما صفتان شرقيتان أصيلتان فى بيئتنا»، وعن فريد الأطرش، قال: «ملحن ممتاز له فى كل موسم لحن يضىء ويبرق، وله جمل موسيقية فذة، وبجانب هذا لا أنسى الألحان الراقصة خاصة التى تشبه التانجو»
وقال عن كمال الطويل: «ألحانه مشعة وسريعة وجميلة، وهو يعكس حياتنا العصرية أكثر مما يعكس تراثنا، وسر عذوبة كمال هو صدور ألحانه عن نفسه مباشرة، ما يضفى عليها السخونة والجدة والانفعال، وهذه طبيعة كل الألحان الصادرة عن النفس»، وقال عن محمد الموجى: «جماله كملحن هو الصنعة، فهو صانع مثل صناع تطعيم الصدف، تجد عندهم كل أنواع الصنعة، وهذا سر تعدد الأشكال اللحنية التى يلحنها، ولهذا يبدو محيرا، ففيه الجديد والقديم، وخلف هذه الصناعة المتعددة شخصية الموجى الشجاعة، فهو لا يتردد فى إلقاء خواطره اللحنية كما هى، وهو كصانع ماهر، إذا أحس بلحن كان قمة».
وعن محمود الشريف، قال: «يحب الزعامة، ولذلك فأنجح ألحانه هى الألحان القيادية والأناشيد الحماسية، وهو لا يعرف الحياد فى ألحانه، فإما نجدها فى منتهى القوة، وإما فى منتهى الرقة، وهذه صفة القوى عندما يحنو»، أما عن بليغ حمدى، فقال: «سر نجاحه أنه فى أغلب ألحانه نجد جملة تتصدر الأغنية ولها شخصية واضحة جميلة، وبليغ دائما يحس بهذا الجمال، فنجده يعرف كيف يستغل هذه الجمل»، وقال عن منير مراد: « رشيق وجميل، ألحانه تمتاز بالبساطة، وأعتقد أنه للآن (1964) لم يلحن ما يريده من أعماقه، فمجاله الطبيعى هى الألحان الاستعراضية».
وعن سيد درويش، قال: «هو الرائد الأول للموسيقى الحديثة بلا منازع، وفضله على الموسيقى كثير، وهو واضح كل الوضوح فى جملة نواحٍ، أولها، أنه عبر عن الكلمات بما يتفق معها من الألحان فى وقت كان الملحنون لا هم لهم إلا التطريب والصراخ، وغالى الشيخ سيد فى التعبير، لدرجة أنه كان يأخذ جملا من أصحابها ويضعها فى ما يلحنه للطوائف مثل السقايين والجرسونات والعربجية وهذا لا يعيبه، فغالبا الثورة على أى وضع تذهب بصاحبها إلى آخر ما يمكن، وثانيها، أنه لحن لأصوات الجماهير فى وقت كان الملحنون يلحنون لأصوات المطربين، ويدل هذا على أن ألحانه كان لها بناء فنى سليم وبسيط، فعندما تردد الجماهير لحنا يكون هذا اللحن سليم البناء بلا شك، ثم إن الشيخ سيد ثار على تجاور المقامات، فكانت عنده الشجاعة لأن يقفز من مقام إلى أبعاد لم تخطر على بال غيره من الملحنين، وبذلك حطم قواعد التجاور التى كان الملحنون يلجأون إليها بسبب العجز والاستكانة».
وعن الاقتباس فى الموسيقى، قال: «اقتباس الألوان والعلوم الموسيقية الأوروبية يفيدنا، أما أن نأخذ الروح الموجودة فى الموسيقى الأوربية فهذا خطأ، لكن لا يمنع ونحن فى عالم سهل الاتصال ببعض من التأثر بحكم السماع المتبادل، فالأوروبيون أنفسهم يتأثرون بنا، الفن إذا لم يأخذ فلن تكون عنده القدرة على أن يعطينا شيئا، والدليل أن هذه الصلة الجديدة بحكم العلم الحديث، جعلتنا الآن نصدر موسيقى إلى أوربا، ولو على نطاق ضيق، وهم أيضا يصدرون إلينا أغانى تكاد تكون مأخوذة منا، معنى هذا أن الفن يتأثر ويأخذ ويعطى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة