ربما لم تحظَ سفينة في العصر الحديث بشهرة وأساطير وألغاز لم نصل إلى حقيقة واحدة منها سوى تيتانيك، تلك السفينة الأشهر التي ربما تعد سفينة نوح القرن العشرين، والتي خرجت للنور قبل أكثر من قرن من زمان لكنها غرقت في أول رحلتها البحرية لتنفض أولى الأساطير التي قيلت عنها.
شهد العالم في القرن العشرين غرق عشرات وإن لم يكن مئات وآلاف السفن في البحار والمحيطات المختلفة، بل أن كل دولة من دول العالم المطلة على البحار والمحيطات لديها كارثتها الخاصة في غرق سفينة أو باخرة كبيرة تسببت في وفات الكثير من البشر، لكن لا تشهد أيا من تلك السفن الاهتمام والخيال التي تمت صياغته روائيا وفنيا عن تيتانيك، بيد أن كثرة الأعمال السينمائية والكتب والصور والمعارض التي قدمت وألفت ونظمت عن السفنية العملاقة لم نرى مثله ربما إلا عن سفينة النبي نوح.
أسطورة تايتانيك مثلها مثل أسطورة الملك الفرعوني توت عنخ آمون الذي لم يأخذ شهرته الحالية وتقديره الكبير ليس لفتوحاته العظيمة أو فترة حكمه الرائعة، ولكن للجدل الذي أثير بعد اكتشاف مقبرته، التي كانت أول مقبرة فرعونية لملك من ملوك مصر القديمة لم تصل إليها يد اللصوص وتصل إلينا كاملة، كذلك تيتانيك لم يكن بسبب عظمة السفينة وحجمها الضخم الذي انهار مع أول رحلة، ولم يكن فقط بمأساتها وفاجعتها الإنسانية الكبيرة، بل بتخليد هذا الحادث من خلال كتب وأفلام وأعمال أدبية وفنية، وهو ما لم تنجح سفينة قبل ذلك في عمله.
ربما بدأت أسطرة تيتانيك قبل حادث غرق السفينة العملاقة نفسها، وبالتحديد قبل الحادث المأساوي بنحو 14 عاما، عندما كتب الروائي الأمريكي مورجان روبرتسون رواية تحت عنوان "العبث"، وتدور الرواية حول اصطدام أضخم سفينة بنيت على الإطلاق بجبل جليدي وغرقها في المحيط الأطلسي في ليلة باردة من ليالي أبريل ، وأطلق على تلك السفينة في الرواية تايتان واعتبرها في بداية الرواية غير قابلة للغرق، وهو ما وصفه المؤرخين والنقاد بأنه تنبؤ بأحداث الرواية.
كذلك فأن غرق السفينة كان مأساة حقيقية أودت بحياة الكثيرين، من بينهم العديد من المشاهير ونجوم المجتمع، وهو ما فتح الباب أمام الخيال الفني لاستحداث رؤي وقصصا عن الساعات الأخيرة في حياة هؤلاء وصياغة أحداث ربما لم تحدث مثل قصة حب جاك وروز التي صاغتها السينما العالمية من خلال الفيلم الهوليودي الشهير "تيتانيك" للنجم الأمريكي ليوناردو دى كابريو، و كيت وينسلت، رغم أنها لم تحدث ويكن ضمن ركاب السفينة أحدا بهذين الاسمين.
الوقت الطويل الذي استغرق لاكتشاف الحطام ربما كان سببا في خلق حالة من الأسطورة حول قصة السفينة العملاقة، إذ كان كان اكتشاف حطام تيتانيك حلما يراود الجميع، حتى وصل روبرت بالارد إلى الحطام في قعر المحيط الأطلسي في 1 سبتمبر من عام 1985 م وذلك بعد 73 سنة من غرق السفينة، وقد لاحظ فريق المستكشفين آنذاك أن السفينة قد انقسمت لنصفين بعد فترة وجيزة من غرقها قريبة من السطح وقبل أن تصل لقاع المحيط.
وزادت الأسطورة اكتمالا بعد 12 عاما حين أخرج المخرج الأمريكي جيمس كاميرون فيلمه الأبزر "تيتانيك" ويقدم تحفة فنية تلهب الخيال العالمي بها من جديد. ويقدم تفسيرات متباينة لموجات الاهتمام التي أفصحت عنه الأجيال المتعاقبة، لقد أصبحت تيتانيك ظاهرة أدبية عامة، ويتجدد الاهتمام بها مع ظهور أي مطبوع جديد يتعلق بها.