قيل قديما فى الأمثال "لا كرامة لنبى فى وطنه"، وهو قول مأثور، نستخدمه عند إغفال شخصية مهمة أو تهميشها، كذلك شأن العالم أو الفنان أو العظيم الذى لا يجد فى مجتمعه التقدير له حق قدره، فما بالك بعظماء لم يأخذوا حقهم ولا شهرتهم المستحقة إلا بعد موتهم؟
العديد من العظماء والعباقرة واجهوا مصيرا مأزوما فى حياتهم لكنهم على خلاف ذلك بعد وفاتهم حققت أعمالهم نجاحا كبيرًا ضمن لأصحابها الخلود الأبدى، بل إن أعمال بعض هؤلاء المشاهير بعد الموت أصبحت تباع بمليارات الدولارات، وتحقق مبيعات أعمال بعضهم الملايين سنويا، ومن هؤلاء العظماء..
أدجر آلان بو
الأديب الأمريكي الشهير أدجر آلان بو (19 يناير 1809 - 7 أكتوبر 1849) كان أحد هؤلاء الذين لم يعترف بهم العالم إلا بعد موتهم، ورغم اعتباره واحداً من أقدم الممارسين الأمريكيين لفن القصة القصيرة، ويصنف على أنه مخترع نوع خيال التحرى، إلا أنه لم يحصل على التقدير الكافى والشهرة فى حياته، لدرجة أنه فى يوم 7 أكتوبر عام 1849، في بلتيمور، اكتشف بعض المارة على مقعد فى شارع "لايت" شخصاً مستلقياً على أحد المقاعد وهو في حالة غيبوبة، ولما حمل إلى الكلية الطبية وفحصه الأطباء، اتضح أنه الكاتب والشاعر الأمريكي الذي ظل علماً على مر الزمن.
وعندما استعاد "بو" أنفاسه قليلاً تمتم: "وداعاً إلى الأبد"، وبعدها بيومين فقط رحل وهو لم يتعدى وقتها الأربعين ربيعا، وربما كانت أكثر الجمل المعبرة عنه، هي التي رفعت فى لوحة تذكرية وضعها متحف الفن الحديث في نيويورك سنة 1885، وكُتب عليها: "كان عظيماً في عبقريته، تعساً في حياته، بائساً في موته، ولكنَّ شهرته ستبقى إلى الأبد".
فان جوخ
الفنان الهولندي فينسنت فان جوخ، رغم بيع لوحاته حاليا بملايين الدولارات والشغف الدائم بلوحاته لكن الغريب أنه خلال فترة حياته والتي رسم فيها أكثر من 1500 لوحة فنية، لم يبع منها سوى لوحة واحدة، وعرف الأخير فشلا ذريعا فى الترويج لأعماله وعاش الفقر وعانى من اضطرابات نفسية، لكن بعد وفاته كسبت لوحات فان غوخ شهرة عالمية من خلال المعارض لتباع فى المزادات العالمية بأسعار مرتفعة، حيث بيعت لوحة بورتريه الطبيب غاشيه التى رسمت سنة 1890 عام 1990 بنحو 82,5 مليون دولار لتصنف كواحدة من أغلى اللوحات الفنية فى العالم، بينما بلغت قيمة لوحته irises التى تعود لسنة 1889 نحو 53.9 مليون دولار.
وعن سبب شهرته بعد رحيله هو إقامة معرض خاص بأعماله فى 17 مارس 1901، وتم عرض لوحات الرسام الهولندى فينسينت فان جوخ فى قاعة عرض بيرنهيم جيون فى باريس، حيث ضم العرض 71 لوحة لهذا الفنان التى عبرت عن مواضيعها بالخطوط الواضحة لفرشاة الرسم والألوان المعبرة، ونالت تلك اللوحات إعجاباً فى جميع أنحاء عالم الفن، ولم يكن فان جوخ الذى مات قبل ذلك المعرض بإحدى عشر عاما كاملة أن أعماله سوف تحوز على كل هذا الإعجاب، ففى أثناء فترة حياته استطاع فقط أن يبيع لوحة واحدة.
فرانز كافكا
الأديب العبثي الشهير، فخلال حياته لم يكن كافكا معروفاً، لكن بالنسبة له لم تكن الشهرة مهمة، إلا أنه بعد وفاته أصبح مشهوراً بفضل صديقه ماكس الذى نشر أعماله مخالفًا وصيته.
تقريباً جميع أعمال كافكا المنشورة كُتبت بالألمانية، عدا بعض الرسائل التي كتبها بالتشيكية إلى صديقته ميلينا. وقليل من مؤلفاته هي التي نشرت في فترة حياته، ولم تستقطب انتباه القراء، ومن المتعارف عليه أنه لم ينه أي من رواياته الثلاث وأحرق ما يقارب 90 بالمئة من أعماله. وأكثر ما أحرقه كان في فترة إقامته في برلين مع ديامنت، ومن أشهر قصصه ورواياته: تأمل، وصف معركة، الحكم، التحول أو الانمساخ وهي قصة بديعة عن بائع يتحول إلى حشرة قبيحة، وفنان الجوع، والعقاب، وشعب الفئران.
جيمس دين
بالتأكيد جيمس دين حقق شهرة كبيرة في حياته، لكن من المفارقات أن الشهرة التي حققها الممثل جيمس دين والتي حولته إلى أيقونة سينمائية وظاهرة فنية بعد وفاته مبنية على ثلاثة أفلام فقط قام ببطولتها خلال فترة تزيد قليلا على العام، وعرض اثنان منها بعد وفاته، وكان قبل ذلك ممثلا مغمورا اقتصر رصيده الفني على بعض الأدوار المسرحية والتليفزيونية والسينمائية الثانوية، كان جيمس دين أول من حصل على ترشيح لـ«جائزة أوسكار غيبية» أو «جائزة أوسكار بعد الوفاة» لأفضل ممثل في دور رئيسي. وما يزال حتى الآن الممثل الوحيد في تاريخ هوليوود الذي رشح مرتين لجائزة أوسكار بعد وفاته.
تحول جيمس دين بعد وفاته إلى شخصية ساحرة بين ملايين المعجبين الذين رفض كثيرون منهم تصديق نبأ وفاته، وتم تأليف العديد من الكتب والأغاني عن حياته، كما تم إنتاج فيلمين يتعلقان به وظهرت صورته على طابع بريد أميركي، وتنتشر في الولايات المتحدة المئات من نوادى المعجبين التى تحمل اسمه، ويقام مهرجان سنوى لإحياء ذكراه فى بلدة فيرمونت بولاية إنديانا التى نشأ وورى الثرى فيها، وحيث يوجد متحف يحمل اسمه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة