سمعت «الجمعية الثقافية النسائية» بالكويت عن قيام سيدة الغناء العربى أم كلثوم بإحياء حفلات فى عدد من الدول، وتقدم ريعها للمجهود الحربى، ففكرت فى آلية لدعم مصر، وتوصلت إلى أن أم كلثوم هى الوحيدة التى يمكن أن تحقق ذلك الريع، حسبما تذكر السيدة لولوة القطامى إحدى مؤسسات الجمعية وأول رئيس مجلس إدارة لها لصحيفة «القبس الكويتية»، وينقلها الباحث كريم جمال فى كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى».
جاء هذا الموقف أثناء نشاط أم كلثوم بإحياء حفلات فى محافظات مصرية ودول عربية وفرنسا لصالح المجهود الحربى بعد هزيمة يونيو 1967، وكانت الكويت إحدى الدول السباقة فى هذا المجال عبر «الجمعية الثقافية النسائية» التى أبلغت أم كلثوم بما تعتزم فعله، ويذكر «جمال» نقلا عن تصريحات «لولوة القطامى» أن «الجمعية» وجدت الشيخ دعيج السمان الصباح وزوجته السيدة منيرة هلال، هما الأنسب لإبلاغ أم كلثوم، لأنهما يوجدان فى أكثر شهور العام بمصر، ويحضران جميع حفلاتها، وبالفعل عرضا الفكرة على أم كلثوم، فوافقت.
تكشف السيدة لولوة، أنها بمجرد أن تلقت خبر الموافقة، سافرت إلى القاهرة ومعها وكيلة الجمعية السيدة نورا ملا حسين، فى مارس 1968، وينقل «جمال» ما ذكرته لولوة القطامى عن قصة لقائها بأم كلثوم، قائلة: «بعد أن قدمت لنا أم كلثوم الضيافة فى منزلها واستعرضت مجموعة من الملابس التى ترتديها خلال الحفلات، سألتها إن كان يجب التوقيع على عقد كى تحيى الحفل فى الكويت، فصرخت بوجهى وقالت لى: «عيب يا ست لولوة، نحن والكويت أهل ولا توجد بيننا عقود».
يذكر «جمال» أنه فى هذه الآونة قرر الرئيس جمال عبدالناصر منح أم كلثوم جواز سفر دبلوماسى، فى سابقة فى تاريخ الفن المصرى، فلم يسبق أن مُنح فنان مصرى ذلك الجواز، بل لم يمنح لأحد بعدها، وفى 14 أبريل 1968 انتهت كل الإجراءات فى دقائق وتسلمت أم كلثوم جواز السفر رقم 1534 تقديرا لدورها.
فى 18 أبريل، مثل هذا اليوم، 1968، غادرت أم كلثوم مطار القاهرة الدولى إلى الكويت بجوازها الدبلوماسى لأول مرة، ويذكر جمال، أن بعثة الإذاعة والتليفزيون والصحافة المكلفة من مصر كانت برفقتها، وتكونت من إذاعيين وصحفيين ومصورين مصريين، أهمهم الإعلامية ملك إسماعيل موفدة عن التليفزيون العربى، والإذاعية عواطف البدرى عن الإذاعة المصرية، والصحفى أحمد بهجت عن مؤسسة الأهرام، والكاتب الناقد جليل البندارى عن صحيفة الأخبار، ومحمد وجدى قنديل عن مجلة «آخر ساعة»، والصحفية صفية ناصف عن «دار الهلال»، والمخرج رضا الشافعى مخرجا للتغطية المصورة للرحلة.
وسافر معها على نفس الطائرة فرقة «الفنانين المتحدين» التى كانت تضم فؤاد المهندس وشويكار وأمين الهنيدى والممثل الشاب آنذاك عادل إمام، وذلك لتقديم عرض مسرحى فى الكويت لصالح المجهود الحربى أيضا، ويصف «جمال» حفاوة الاستقبال لأم كلثوم فى مطار الكويت، قائلا: «خرجت السيدة أم كلثوم من باب الطائرة ورائحة الورود تملأ سماء المطار، وتحت سلم الطائرة وقف نخبة من رجال الكويت يقدمون التحية لسيدة الغناء العربى على رأسهم الشيخ دعيج السلمان الصباح وزوجته الشيخة منيرة هلال المطيرى، ثم تقدم السفير المصرى سميح أنور والسيدة عقيلته وصافحا أم كلثوم وهنآها على سلامة الوصول، كذلك كان فى استقبالها سعدون محمد الجاسم وكيل وزارة الإرشاد والأنباء الكويتية الذى كلفته الحكومة الكويتية باستقبال أم كلثوم، ولولوة القطامى التى وجهت الدعوة إليها باسم «الجمعية الثقافية النسائية».
يذكر «جمال»، أنه رغم السرية التى فرضت على خبر وصول أم كلثوم إلى الكويت، فإن المطار امتلأ بالآلاف الذين جاءوا من كل أرجاء الخليج للاحتفاء بها، وامتدت الأيادى تصافحها، وتقدم لها باقات الزهور التى كانت تنسج منظرا مبهرا وسط أضواء المطار، لدرجة أنها بكت عندما شاهدت سيدات الكويت وهن يتسابقن للسلام عليها وتقبيلها، وقالت لهن: «دى دموع الفرحة يا جماعة»، وبصعوبة شديدة شقت ووفدها المرافق طريقهم إلى قاعة التشريفات ثم الخروج من المطار، بعدما قضوا فيه أكثر من ساعة ونصف الساعة يصافحون تلك الوفود القادمة لتشهد وصول أم كلثوم إلى ساحل الخليج.
أدى الزحام الجماهير إلى تأجيل المؤتمر الصحفى الذى كان مقررا أن يقام لأم كلثوم فور وصولها، ومضت بها السيارة إلى قصر الشيخ دعيج الصباح وزوجته منيرة المطيرى، المطل على ساحل الخليج والمعروف باسم قصر «الفنطاس»، حيث نزلت ضيفة عليهما طوال مدة إقامتها بدولة الكويت.
فى 19 أبريل 1968 استقبلها سمو الشيخ صباح سالم الصباح أمير الكويت، فى مقره بقصر «السيف»، ثم الشيخ جابر الأحمد الصباح رئيس الوزراء، الذى أهداها مجموعة مجوهرات ثمينة تقديرا لفنها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة