ارتباط ملفت بين القضية الفلسطينية ومستجداتها، وسيناء، ربما بحكم التاريخ، ففلسطين المحتلة مازالت تستلهم الطريق نحو التحرير، على غرار ما تحقق في أرض الفيروز، ونحتفل بذكراه في هذه الأيام، بينما يبقى الحاضر شاهدا على هذا الارتباط، في ظل الدعوات المشبوهة التي يتبناها الاحتلال بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وهي الدعوة التي تستهدف سيناء تحديدا، لتكشف عن بقاء أطماع الدولة العبرية في تلك الرقعة الجغرافية، بينما في الوقت نفسه تساهم في تصفية القضية الفلسطينية، وتؤدي إلى وأدها، وبالتالي تحقق مزيد من التوسع على حساب جيرانها العرب، وهو الأمر الذي أدركته الدولة المصرية منذ اليوم الأول للعدوان، وسعت إلى إجهاضه، عبر العديد من المسارات، أهمها تحقيق التوافق الدولي حول ثوابت فلسطين، مع وضع خطوطها الحمراء لحماية أراضيها، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تحقيق قدر كبير من الزخم الدولي حول موقفها.
وبالنظر إلى مواقف دول العالم، وفي القلب منها الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية، نجد أن تبنت موقفا داعما لإسرائيل في اللحظة الأولى للعدوان، تحت ذريعة الدفاع عن النفس، إلا أن الأمور شهدت تغييرات كبيرة، مع مختلف مراحل الصراع، وهو ما يمثل صفعة كبيرة للاحتلال فى مناطق نفوذه، وهو ما يبدو في العديد من المشاهد، أولها ما نادى به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، والذي أكد مسؤولية الاحتلال عما آلت إليه الأمور، في طوفان الأقصى، جراء تعنته ورفضه إبداء أي مرونة نحو تحقيق حل الدولتين، و إصراره على بناء المستوطنات، وإصراره المستمر على انتهاك المقدسات الدينية، وإطلاق حملات القتل المسعور والاعتقال بحق الفلسطينيين، وهي التصريحات التي أثارت غضب الدولة العبرية ومسؤوليها إلى حد المطالبة باستقالته.
ولعل الموقف الذي تبناه المسؤول الأول عن المنظمة الدولية الأكبر في العالم، امتد إلى مسألة التهجير، حيث أكد في تصريحات صحفية بمطار العريش الدولي أن تهجير الفلسطينيين من أراضيهم أمر مرفوض، وهو ما يعكس شهادة مهمة، سواء فيما يتعلق باللحظة الراهنة، وما تشهده من انتهاكات وحشية في قطاع غزة، أو المسؤولية المتراكمة للاحتلال جراء ممارسات متواصلة منذ عقود، ساهمت في الوصول إلى لحظة الانفجار، والتي قد تتكرر مجددا، مما يعرض المنطقة بأسرها للخطر، وفي القلب منها إسرائيل نفسها، بينما تعكس إدراكا لأطماع إسرائيل في سيناء، والتي تمثل الهدف الرئيسي من تلك الدعوة المشبوهة.
إلا أن التغيير في المواقف الدولية ربما لا يقتصر على جوتيريش، وإنما امتد إلى مسؤولي دول الغرب الأوروبي، والذين أجمعوا على رفض التهجير القسري للفلسطينيين باعتباره جريمة دولية مكتملة الأركان، وهو ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون معتبرا أن مثل هذه الممارسة تشكل جريمة حرب.
والحديث عن ماكرون ومواقفه، يعكس ذروة التوافق، فيما يتعلق بالثوابت المرتبطة بالقضية الفلسطينية، رغم وجود اختلافات في المواقف على اعتبار حقيقة مفادها أن دعم إسرائيل أحد أركان الدبلوماسية الغربية، حيث تجلى هذا التوافق في المقال المشترك الذي كتبه الرئيس السيسي مع نظيره الفرنسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ليقدموا رؤية مشتركة للأوضاع في غزة، تدور حول ضرورة وقف الحرب وإنهاء المعاناة الإنسانية في القطاع فورا.
الموقف المناهضة للتهجير امتدت إلى الولايات المتحدة، والتي تعد الداعم الأكبر في العالم لإسرائيل، حيث أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن في أكثر من مناسبة عن رفضه لهذا الطرح المشبوه، وأكد على ذلك وزير خارجية أنتوني بلينكن، وهو ما يمثل صفعة قوية للاحتلال والتي تعتمد على واشنطن في تمرير مواقفها، وهو ما بدا في الكثير من المواقف خلال الأشهر الماضية، وعلى رأسها استخدام الفيتو في مجلس الأمن سواء ضد مقترحات لوقف إطلاق النار، أو مؤخرا فيما يتعلق برفض قبول العضوية الكاملة لفلسطين بالأمم المتحدة.
المواقف الأمريكية الداعمة لإسرائيل تبدو متوقعة، سواء بالنظر إلى ثوابت الدبلوماسية الأمريكية، والتي تبقى الدولة العبرية أحد أهم أركانها، أو الظروف الراهنة في الداخل الأمريكي خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، إلا أن رفض مخطط التهجير في ذاته يمثل أهمية كبيرة، حيث أنه يقوض أهداف أكبر للاحتلال تتجسد في تحقيق مزيد من التوسع على حساب دول الجوار، خاصة عبر التوغل إلى سيناء.
الأمر نفسه امتد إلى رئيسا وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز وبلجيكا ألكسندر دي كرو، واللذان أكدا رفضهما لفكرة التهجير القسري للفلسطينيين، خلال مؤتمر صحفي أجرياه معا في أرض الفيروز، وهو ما يعكس إدراكا بأبعاد المخطط الإسرائيلي وأهدافه، بينما تحدثا عن مناقشة الاعتراف بالدولة الفلسطينية داخل أروقة حكومتيهما، وهو ما يمثل صفعة أخرى في وجه الاحتلال.