كان الوقت مساء 24 أبريل، مثل هذا اليوم، 1913، حين أقامت الجامعة المصرية حفل تكريم للشاعر خليل مطران بمناسبة الإنعام عليه بالوسام المجيدى من الخديو عباس حلمى الثانى، شارك فى التكريم عدد كبير من رجال الفكر والشعراء، حسبما يذكر الكاتب وديع فلسطين، فى الجزء الثانى من كتابه «وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره».
يذكر «فلسطين» أن الأديب المهجرى جبران خليل جبران بعث من مستقره فى الولايات المتحدة كلمة لتلقى باسمه فى المهرجان، فعهد إلى الآنسة مى زيادة فى إلقائها، وكانت تلك تجربة تخوضها للمرة الأولى، مما جعلها تتدرب على الإلقاء فى بيتها حتى لا تتهيب الموقف الخطابى، ولما ألقت كلمة جبران، بهرت الحاضرين، وكادت بسحرها تغطى على جميع المتحدثين، وكانت هذه هى المواجهة الأولى بين «مى» وجمهور المثقفين.
تذكر جريدة المقتطف فى عددها 1 مايو 1913: «تليت قصائد كبار الشعراء، بدأت بقصيدة لأحمد بك شوقى، وكانت واسطة القصائد المنظومة قصيدة متنورة تلتها مارى «مى» زيادة، كريمة إلياس أفندى زيادة، صاحب جريدة المحروسة، بعضها من إنشاء جبران أفندى خليل جبران نزيل نيويورك وبعضها من إنشائها، وألفاظ ما قلته وتراكيبه ومعانيه، كل ذلك شعر بليغ لا ينقصه إلا الوزن والقافية، ولقد أبدعت فى الإلقاء والإشارات حتى خيل للحاضرين أنهم يرون الشعر بالعين كما يسمعونه بالأذن، ويدركونه بالفعل».
كان طه حسين ممن حضروا، ويصف تأثير صوت مى عليه، قائلا فى سيرته «الأيام»: «كان عذبا رائقا، وكان لا يبلغ السمع حتى ينفذ منه فى خفة إلى القلب فيفعل به الأفاعيل، ولم يفهم من حديث ذلك الصوت العذب شيئا، ولم يحاول أن يفهم من حديثه شيئا، شغله الصوت عما كان يحمل من الحديث، وكان صوت الآنسة مى التى كانت تتحدث إلى جمهور من الناس للمرة الأولى».
يرى وديع فلسطين أن صالون مى الشهير ولد بتأثير هذه المناسبة، ويقول: إن مواجهتها للجمهور أغرى عددا من قادة الفكر على إبداء رغبتهم فى زيارتها ببيتها، فاستقبلت أعلاما من أمثال الشاعر إسماعيل صبرى باشا، والدكتور يعقوب صروف محرر المقتطف، وسليم سركيس محرر مجلة سركيس، والشاعر خليل مطران، والشاعر ولى الدين يكن وغيرهم، وعرضت على هؤلاء فكرة عقد صالون أسبوعى عوضا عن هذه الزيارات الفردية، فرحبوا، وعندئذ وجهت الدعوة إلى رواد الفكر للانتظام فى هذه الندوة الأسبوعية اعتبارا من أغسطس 1914، وظلت تنصب صالونها نحو ربع القرن بانتظام دقيق، لا تخالفه إلا فى رحلاتها الصيفية إلى أوروبا».
وبينما يذكر «فلسطين» أن ندوة مى بدأت فى أغسطس 1914، تذكر الكاتبة الأديبة السورية سلمى الحفار الكزبرى فى الجزء الأول من مؤلفها «مى زيادة أو مأساة النبوغ»، أن مى أسست «ندوة الثلاثاء سنة 1913»، وأن ثلاثة بيوت بالقاهرة شهدت نشاطها، أولها فى شارع مظلوم رقم 14، ومنه انتقلت إلى شقة أوسع بشارع المغربى رقم 28 سنة 1914، وكانت فى الطابق الخامس من عمارة ليس فيها مصعد، مما أرهق بعض رواد الندوة، أمثال الدكتور شبلى الشميل ويعقوب صروف فى الصعود إليها، ومع ذلك كانا يحرصان على المشاركة، وظلت «مى» مع والديها فى تلك الشقة حتى سنة 1927، ثم انتقلوا إلى بيت أجمل بشارع علوى رقم 1 خلف مبنى جريدة الأهرام فى عمارة تملكها الجريدة، وظلت فيه مع أبويها، وبقيت فيه وحدها بعد موتهما، وخرجت منه إلى لبنان سنة 1936 بصحبة نسيبها الدكتور جوزيف زيادة إبان مرضها النفسى.
تقول «الكزبرى» أن واجبات الضيافة فى الندوة الأسبوعية اقتصرت على شراب الورد، والقهوة المعطرة بماء الزهر، أو الشاى فى الأيام الباردة، ولم تكن تخلو من بعض الحلويات الشرقية والغربية.
وعن رواد الندوة، تذكر «الكزبرى»: «جلهم من رجال الفكر والعلم وإعلام البيان، فقد أعجبوا بـ«مى» الكاتبة والمتحدثة والشابة المهذبة الفاضلة، وأنزلوها أرفع منزلة فى نفوسهم، وهم الشاعر إسماعيل صبرى، سليم سركيس، الدكتور شبلى شمبل، نجيب هواوينى، المطران دريان، أنطوان الجميل، خليل مطران، ثم انضم إليهم، أحمد لطفى السيد، ولى الدين يكن، عباس محمود العقاد، إدريس راغب، طه حسين، زكى مبارك، سليم البستانى، سلامة موسى، توفيق حبيب، أمين واصف، يعقوب الصروف، أميل زيدان، حسن نائل المرصفى، حمدى يكن، عبدالقادر حمزة، مصطفى عبدالرازق، مصطفى صادق الرافعى، داود بركات، أحمد زكى باشا، عبدالعزيز فهمى، إحسان القوصى، أسعد خليل داغر، منصور فهمى، الشيخ رشيد رضا وأخوه محى الدين رضا، وإدجار جلاد، إبراهيم المصرى، فتحى رضون، فؤاد صروف، محمد عبدالله عنان».
كان من بين الحضور أحيانا، هدى شعراوى، وإيمى خيرى، وحرم شكور باشا، ومن الشعراء أحمد شوقى وحافظ إبراهيم وخير الدين الزركلى، وآخرون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة