ذكري غالية لبطولات مستمرة تمر علي الشعب المصرى، ألا وهي عيد تحرير سيناء، والذي يصادف الاحتفال به هذا العام، تصدى الدولة المصرية ببسالة لمؤامرة جديدة تحاك ضد هذه البقعة الغالية، وضد القضية الفلسطينية، فعلى مر العصور استمرت خطط إسرائيل ومؤامراتها لمحاولات تفكيك القضية الفلسطينية وتهجير أهل فلسطين من أرضهم على حساب مصر وتحديدا سيناء، وكشف الصراع الأخير نوايا الكيان الصهيوني التي بدأت منذ أكثر من نصف قرن واستمرت إلى يومنا هذا لكنها دائما ما تنتهي بالفشل بفضل جهود الدولة المصرية لدعم القضية الفلسطينية والفلسطينيين لاستعادة أراضيهم، وللحفاظ على سيادة البلاد.
فبعد أيام قليلة من شن الفصائل الفلسطينية عملية طوفان الأقصي في 7 أكتوبر الماضي، كشفت وكالة أسوشيتد برس في تقرير لها بتاريخ 13 أكتوبر أن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية طرحت ثلاث بدائل من أجل تغيير الواقع المدنى فى قطاع غزة، ووصف واضعوا التقرير هذا البديل، تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، بأنه الأكثر تفضيلا لأمن إسرائيل.
واقترحت الوثيقة نقل المدنيين فى غزة إلى خيام فى شمال سيناء، ثم بناء مدن دائمة لهم، وممر إنسانى غير محدد، كما سيتم بموجب المقترح الشيطانى، إنشاء منطقة أمنية داخل إسرائيل لمنع الفلسطينيين النازحين من الدخول، ولم يحدد التقرير ماذا سيحدث لغزة بعد إخلائها من سكانها.
كما خرج العديد من المسئولين الإسرائيليين، السابقين والحاليين، يدعون صراحة إلى توطين الفلسطينيين في سيناء وإخلاء غزة، لاسيما الشمال، حيث الحدود المشتركة للقطاع مع الدولة العبرية، وحيث تتزايد الضغوط على نتنياهو من المتطرفين للتوسع فى بناء المستوطنات، بل استغل زعيم مستوطنات بارز فى حزب رئيس الإسرائيلى بنيامين نتنياهو حالة الأزمة ليدعو لإعادة بناء مستوطنات كتلك الموجودة فى الضفة الغربية فى قطاع غزة كـ "حزام دفاعى".
المؤامرة مستمرة منذ أكثر من نصف قرن وهو ما كشفته وثائق بريطانية نشرتها BBC في أكتوبر الماضى، وخاصة أن محاولات إسرائيل لتمرير سيناريو تهجير الفلسطينيين إلى الأراضى المصرية ليس وليد اليوم، وإنما يعود إلى عام 1971، أى قبل حرب السادس من أكتوبر المجيدة.
وبحسب الوثائق التى نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية فإن الخطة السرية التى وضعتها إسرائيل قبل 52 عامًا كانت تهدف إلى ترحيل آلاف الفلسطينيين من سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء، حيث كان القطاع مصدر إزعاج أمنى لإسرائيل وباتت مخيمات اللاجئين بؤر مقاومة للاحتلال فى تلك الفترة.
وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه عندما احتلت إسرائيل غزة، كان فى القطاع 200 ألف لاجىء، من مناطق فلسطين الأخرى، ترعاهم وكالة الأمم المتحدة "الأونروا" و150 ألفا آخرين هم سكان القطاع الأصليين الفلسطينيين، وقالت تقاريرهم أن غزة لم تكن قابلة للحياة اقتصاديا بسبب مشكلات أمنية واجتماعية خلقتها حياة المخيمات .
وحسب تقديرات البريطانيين، فإنه خلال الفترة بين عامى 1968 و1971، استشهد 240 فدائى فلسطينى وأصيب 878 آخرون، بينما قتل 43 وأصيب 336 جنديا من قوات الاحتلال الإسرائيلية فى غزة وأعلنت الجامعة العربية حينها إصرارها على وقف الأنشطة الإسرائيلية ضد اللاجئين الفلسطينيين فى غزة، وقررت تبنى إجراءات عربية مشتركة لدعم المقاومة فى القطاع.
وكانت بريطانيا مهتمة بالوضع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وخاصة غزة. وردا على استجوابات برلمانية، أبلغت الحكومة البريطانية مجلس العموم بأنها تتابع بدقة التطورات فى القطاع. وقالت: "نرقب التحركات الإسرائيلية الأخيرة باهتمام خاص، ومن الطبيعى أن ننظر بقلق إلى أى عمل من جانب السلطات الإسرائيلية من شأنه الإضرار برفاهية ومعنويات السكان اللاجئين العرب الفلسطينيين فى المنطقة".
فى تلك الأثناء، رصدت السفارة البريطانية فى تل أبيب تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش التى تقع شمالى شبه جزيرة سيناء المصرية، وتبعد قرابة 54 كليومترا عن حدود غزة مع مصر.
وحسب تقارير السفارة، فإن الخطة شملت "النقل القسري" للفلسطينيين إلى مصر أو أراض إسرائيلية أخرى، وفى أوائل سبتمبر عام 1971، اعترفت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين بوجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى على رأسها العريش المصرية.
وفقا للوثائق، فإن الإسرائيليون خططوا لإسكان الفلسطينيين المهجرين قسرا من غزة في مساكن كانت مملوكة لضباط مصريين في مدينة العريش المصرية قبل حرب 67 وحسب تقرير لملحق السلاح الجوي البريطاني عن سبب اختيار شمال سيناء فزعم أن السكن في العريش قد اختير لأنها المكان الوحيد الذي تتوفر فيه منازل خالية وفي حالة جيدة بعد إصلاحها. وأضاف لن يكون هناك بناء جديد في العريش.
وفي تقييمه للخطة السرية الإسرائيلية، حذرت إدارة الشرق الأدنى من أنه مهما تكن المبررات الإسرائيلية لهذه السياسة بعيدة المدى، لا نستطيع إلا أن نشعر بأن الإسرائيليين يقللون من قيمة حجم الغضب الذي تثيره هذه العقيدة الإسرائيلية القائمة على خلق حقائق على الأرض، في العالم العربي والأمم المتحدة وعليها إيجاد حلول أخرى"
وقالت السفارة البريطانية في تقرير إلى الخارجية في أواخر أغسطس عام 1971 إن عمليات التطهير في المخيمات مستمرة، رغم أنها تسير بوتيرة أبطأ لأن السكن البديل في العريش وأماكن أخرى في الأراضي المحتلة ليس متاحا
وفي برقية بعنوان طردْ الإسرائيليين للاجئين من غزة"، قالت الإدارة إنه تم بالفعل طرد 1638أسرة (11512 شخصا) من منازلهم في قطاع غزة إما إلى مناطق أخرى في القطاع أو إلى مواقع أخرى خارجه".
وفي الوقت نفسه، جرى نقاش في وزارة الخارجية آنذاك بشأن مدى اتفاق السياسة الإسرائيلية مع معاهدة جنيف الرابعة التي تحدد مسؤوليات دول الاحتلال. فوفق المادة 39 من المعاهدة، فإنه يحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك عملية ترحيل الأشخاص من أرض محتلة إلى أرض سلطة الاحتلال أو أرض أي دولة أخرى، سواء تخضع للاحتلال أم لا، وبغض النظر عن الدافع وراء ذلك.
كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز أن إسرائيل حاولت سرا بناء دعم دولى فى اعقاب عملية طوفان الاقصى لنقل عدة مئات من الآلاف من المدنيين من غزة إلى مصر خلال فترة حربها على القطاع، وفقا لما أفاد به ستة دبلوماسيين أجانب رفيعى المستوى.
وأوضحت الصحيفة أن القادة والدبلوماسيين الإسرائيليين اقترحوا سرا الفكرة لعدد من الحكومات الأجنبية، ووضعوها فى إطار مبادرة إنسانية للسماح للمدنيين بالهروب بشكل مؤقت من المخاطر فى غزة إلى مخيمات لاجئين فى صحراء سيناء عبر الحدود فى مصر.
وتم رفض الاقتراح من قبل أغلب من استمعوا إلى الإسرائيليين، ومنهم الولايات المتحدة وبريطانيا، بحسب الصحيفة، بسبب مخاطر أن يصبح هذا النزوح الهائل دائما، وذكر التقرير أن هذه الدول تخشى أن يؤدى هذا التطور إلى تقويض استقرار مصر وغياب أعداد كبيرة من الفلسطينيين عن أراضيهم، بحسب الدبلوماسيين الذين رفضوا الكشف عن هويتهم، كما تم رفض الفكرة بشدة من قبل الفلسطينيين، الذين يخشون أن تستغل إسرائيل الحرب، لنقل أكثر من مليونى شخص يعيشون فى قطاع غزة بشكل دائم.
وقالت نيويورك تايمز، إن أكثر من 700 ألف فلسطينى تم تهجيرهم أو طردهم من منازلهم فى حرب عام 1948. ويحذر العديد من أحفادهم من أن الحرب الدائرة حاليا ستنتهى بنكبة أخرى، وأشارت الصحيفة إلى أن مصر رفضت فكرة النزوح المؤقت، ناهيك عن الدائم.