قدم الفنان محمد عبدالوهاب، خمسة أفلام حتى عام 1942، ولعبت معظم المطربات المعروفات فى مصر - حتى وقتئذ - البطولة أمامه، وأتيح له أن يعرفهن ويدرسهن عن قرب، ولهذا السبب حاولت مجلة «آخر ساعة» برئاسة الكاتب الصحفى محمد التابعى، فى عددها رقم 395، الصادر فى 26 أبريل، مثل هذا اليوم، 1942، أن تحصل منه على رأيه فيهن من ناحية معرفته بأصواتهن فى طبيعته وجوهره وما يمكن أن تؤديه كل واحدة وما تعجز عن تقديمه، غير أنه - حسب المجلة - رفض وقال إنه حريص لأسباب فنية وشخصية ومادية على رضائهن، وعلى ألا يقول إلا ما تطرب له نفوسهن، وبعد محاولات عرضت المجلة عليه أن يقول رأيه كناقد وسميع على الأقل، فوافق.
أبدى «عبدالوهاب» رأيه فى أربع فنانات هن: «نجاة على، ليلى مراد، أسمهان، رجاء عبده:، وكانت نجاة على مطربة شهيرة، ومن أشهر أغانيها «فاكراك ومش هانساك»، تلحين أحمد صدقى، وقبلها شاركت عبدالوهاب بطولة ثانى أفلامه، وهو «دموع الحب» سنة 1935، إخراج محمد كريم، وغنت معه فى الفيلم «ما حلا الحبيب، وصعبت عليك، وإزاى انساك»، أما ليلى مراد فقدم معها فيلم «يحيا الحب» عام 1938، إخراج محمد كريم، وكان أول فيلم تظهر فيه، وغنت معه «يادى النعيم، وطال انتظارى لوحدى»، كما غنت هى أغنيتها الجميلة « يا ما أرق النسيم».
أما المطربة رجاء عبده، فلعبت أمامه بطولة فيلم «ممنوع الحب»، وكان معهما، عبدالوارث عسر، وليلى فوزى، وأمين وهبة، وإخراج محمد كريم، وعرض الفيلم يوم 1 فبراير 1942، وغنت معه «بلاش مغالطة تعالى بص، ويا للى فات المال والجاه»، وفيما بعد أنتج لها فيلم «الحب الأول» الذى غنت فيه أغنيتها الشهيرة «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلى»، وبالنسبة لأسمهان قدم معها أوبريت «مجنون ليلى» فى فيلم «يوم سعيد» نهاية 1939 وبدايات 1940.
وفرت هذه الأعمال خبرة كافية لعبدالوهاب فى أن يعرف الأربع عن قرب فى الغناء بما يشمله من إمكانيات صوتية وحضور شخصى، ومن هنا جاء تقييمه لهن، على صفحات «آخر ساعة»، قال عن نجاة على: «صوت جميل» تميل بطبيعتها إلى الغناء القديم أكثر مما تميل إلى النوع الحديث، ويستطيع صوتها أن يؤدى هذا النوع من الألحان، وأن يبرزها، وأن يعبر عنها تعبيرا فنيا محكما أكثر مما يستطيع أن يعبر عن «دقائق» الألحان الحديثة، وهى تحب هذا النوع من الغناء، لا لأنه سهل التأدية ولكن لأنه يتمشى مع روحها ومزاجها وطبيعتها»، ويكشف «عبدالوهاب» أنه سألها فى إحدى المرات: «ما هى أمنيتك فى الحياة كمطربة؟»، فكان ردها: «أقصى ما أتمناه أن أتزوج وأن أحيا حياة عائلية سعيدة».
وعن رأيه فى ليلى مراد وكان عمرها وقت أن أبدى هذه الآراء 24 عاما (مواليد 1918)، قال: «صوتها نادر الوجود بصرف النظر عما إذا كان هذا النوع محبوبا أم مكروها، فهذا شىء يختلف باختلاف الأذواق والآذان، هى من المغنيات القلائل اللاتى يفرضن على اللحن الذى يقدم إليهن شخصيتهن، لا تقلد الملحن ولا تغنى ما يلقى إليها كما هو، بل تصبغ عليه من روحها وهى لا تفعل هذا عن تفكير، أو تنفيذا لبرنامج مرسوم أو خطة تسير عليها وإنما تفعله نتيجة لشعور داخلى، وهى فنانة ولكنها تفضل الحياة العائلية على حياة الفن والأنوار»، ويعطى رأى عبدالوهاب بأن ليلى مراد تفضل الحياة العائلية على حياة الفن والأنوار، إضاءة قوية ومبكرة على سبب اعتزالها فى عز مجدها بعد فيلمها الأخير «الحبيب المجهول» عام 1955، حيث فضلت أن تتفرغ لطفليها وقتئذ.
ويقول عبدالوهاب عن الفنانة «رجاء عبده»: «تمسك العصا من الوسط، فهى قادرة على تأدية الألحان القديمة قدرتها على تأدية الألحان الحديثة، ومن المغنيات القليلات اللاتى يحرصن على حفظ اللحن كما هو، وعلى تقليد الملحن فى كل صغيرة وكبيرة، أمينة على تقديمه كما قدم إليها ، فنانة تعشق فنها وتفضله ألف مرة على الحياة الزوجية السعيدة».
وعن الفنانة أسمهان، قال «عبدالوهاب»: «صوت جميل، صاف، نقى، تعشق النوع الحديث من الغناء والموسيقى، وإذا طلب إليها أن تؤديه أدته بروحها، تؤدى هذا النوع من الألحان برشاقة، وإذا كان المثل القديم «الغربال الجديد له شدة» فقد كانت أسمهان، وهى فى مقدمة من مارس هذا النوع الحديث من الغناء وصادفهن فيه التوفيق، فى مقدمة المطربات الحبيبات إلى قلوب الجمهور، لا تميل أسمهان إلى الألحان القديمة أو الألحان المصرية الصميمة، وكل مناها أن تحيا حياة الفنان بالمعنى الذى يفهمه الجمهور عن حياة الفنان».