أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف اليوم السبت 27 أبريل 2024م خلال كلمته فى الجلسة الافتتاحية لمؤتمر كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: "المبادئ الأخلاقية والتشريعية فى أوقات الصراع الدولية"، بقاعة الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر، برعاية من فضيلة الإمام الأكبر الدكتوو أحمد الطيب شيخ الأزهر أكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية فى امتلاك القوة الرشيدة التى تحمى ولا تبغى رؤية عظيمة، فما يتحقق بقوة الردع أولى ألف مرة مما يتحقق بالحرب، وأن قوة الردع كثيرًا ما تغنيك عن كلفة الحرب.
وهذا نص كلمته:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فأؤكد أننا ندرك أن الحرب ليست غاية ولا هدفًا لأى دولة رشيدة أو أمة عاقلة، وقديمًا قال شاعرنا العربى زهير بن أبى سُلمى:
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ
وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً
وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم
كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
على أنها لو فرضت على قوم وجب عليهم الدفاع عن أنفسهم وأوطانهم، وفق ما أجمع عليه الفقهاء من أنه إذا دخل العدو بلدة من بلادنا وجب على أهل هذه البلدة التى يدخلها العدو الدفاع عن أنفسهم ووطنهم، ولم يقل أحد ممن يُعتدُّ بقوله من أهل العلم: أن لهم أن يفروا بدينهم أو بأنفسهم خشية القتل، حيث يقول الحق سبحانه: "وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ".
فالحرب فى الإسلام حرب دفاعية شرعية لرد الظلم والعدوان، حيث يقول الحق سبحانه: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ".
ففى قوله تعالى: "أُذِنَ" عبَّر فى الإذن بالبناء للمجهول ولم يقل سبحانه: أذن الله، ليكون العمل بالإذن على قدر الحاجة والضـرورة، وألا يستخدم الإذن على إطـلاقـه، فيؤدى ذلك إلى الإسراف فى القتال والدماء، حيث يقول الحق سبحانه: "وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِى الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا".
وفى قـوله تعالى: "لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ" لم يقل سبحانه: أذن للمـؤمنين، أو للمسلمين، أو من أخرجوا من ديارهم وأموالهم، فلم يكن كل ذلك وحده مسوغًا لاستخدام هذا الإذن، وإنما هى علة واحدة أن يُقاتَلوا.
ولم يكتف النص القرآنى فى قضية الإذن بأن يكون العدو هو البادئ بالقتال، بل جعل العلة الثانية والاشتراط الثانى للإذن ظلم عدوهم لهم، حيث يقول الحق سبحانه: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا"، وهنا يأتى التأييد الإلهى حتى لو كانوا قلة مستضعفين "وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ", طالما أن العلة هى ردّ الظلم وحماية الدولة والوطن لا البغى ولا الطمع.
مع تأكيدنا أن أخلاقيات الإسلام فى الحرب لا تقل عظمة عن أخلاقياته فى السلم، فلا يُجهز على أسير، ولا جريح، ولا يقتل طفل ولا امرأة ولا أحد من غير المقاتلين، ولا يهدم بنيان ولا يخرب عامر، فقد حافظ الإسلام حتى فى الحرب على البشر والحجر معًا.
ومن ثمة أشيد بكلمة جامعة الدول العربية العظيمة التى أكدت أن كل الحقوق الإنسانية قد انتهكها العدو الصهيونى فى فلسطين، حق الإنسان فى الحياة، حق الإنسان فى الصحة، حق الإنسان فى التعليم، حق الإنسان فى السكن، فأين دعاة حقوق الإنسان ومؤسساته المتشدقة فى العالم بحقوق الإنسان؟ أين حقوق الإنسان الفلسطيني؟ أليسوا بشرًا لهم نفس الحقوق الإنسانية؟.
ومن ثمة نؤكد على الآتي:
1- أن أمتنا أمة سلام ؛ لكنه سلام لا استسلام، سلام الشجعان الذى له حميَّة ودرع وسيف ورجال يفتدون أرضهم وعرضهم وأوطانهم بدمائهم وأنفسهم.
2- أن القوة الرشيدة هى القوة التى تحمى ولا تبغي، وقديمًا قال الحجاج الثقفي: إياكم وأهل مصر فى ثلاث: أرضهم، وعرضهم، ودينهم، فإنكم أن اقتربتم من أرضهم حاربتكم صخور جبالهم، وإن اقتربتم من عرضهم افترسوكم كما تفترس الأسد فرائسها، وإن اقتربتم من دينهم أفسدوا عليكم دنياكم.
ومن ثمة فإننا نتوجه بكل التحية والتقدير لسيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية (حفظه الله) الذى حرص على بناء قوة رشيدة وجيش رشيد يحمى ولا يبغى لكن هذا الجيش العظيم نار تحرق المعتدي، فرؤية سيادته فى امتلاك القوة الرشيدة التى تحمى ولا تبغى رؤية عظيمة، فالقوة الحقيقية هى فى امتلاك القوة للردع وضبط النفس معًا، يقول الحق سبحانه: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ"، فما يتحقق بالردع أولى ألف مرة مما يتحقق بالحرب، وقوة الردع كثيرًا ما تغنيك عن كلفة الحرب، والقوة الرشيدة هى التى تحرس المبادئ السامية، وقد قال النابغة الجعدى فى حضرة سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم):
ولا خير فى حِلْمٍ إذا لم تكن له
بوادر تحمى صفوه أن يُكَدَّرا
فأثنى عليه النبى (صلى الله عليه وسلم) خيرًا.
ومن ثمة فإننا نتوجه بكل الشكر والتحية والتقدير لسيادة الرئيس لجهود سيادته فى الحفاظ على أمننا القومي.
3- أننا نرفض أى محاولة لتهجير الشعب الفلسطينى أو تفريغ أرضه وإنهاء قضيته، ونؤكد أنه لا حل لمشكلات الشرق الأوسط إلا بحل عادل للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وإقامة دولته وعاصمتها القدس الشريف.
4- أننا نرفض كل عمليات التصعيد والتصعيد المضاد فى المنطقة، وندعو إلى وقف فورى للعدوان على غزة، كما ندعو كل عقلاء العالم ومؤسساته الدولية للعمل الجاد على وقف هذا العدوان الذى قد لا يقف خطره عند حدوده القائمة ولا عند حدود منطقة الشرق الأوسط، بل ربما ينال أثره وخطره الجميع ويتسع أفقه ومداه فى عالم قابل للتصدع والانفجار أكثر من أى وقت مضى نتيجة الاستقطاب والاستقطاب المضاد.
5- التأكيد على أن مصالح الأوطان والحفاظ عليها والعمل على قوتها فى مختلف المجالات من صميم مقاصد الأديان.
من جانبه أهدى الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر والدكتور عطا السنباطى عميد كلية الشريعة والقانون درع كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف تقديرًا لجهوده فى نشر الفكر الوسطى المستنير وخدمة الدعوة الإسلامية.
وذلك بحضور الدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر، و الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، والدكتور منير الفاسى ممثل جامعة الدول العربية، والدكتور على جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتى الديار المصرية السابق ورئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، والدكتور مصطفى الفقى المفكر السياسي، والدكتور نظير محمد عياد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة