استمر الشاعر أحمد رامى فى رسم صورة لسيدة الغناء العربى أم كلثوم، فى حوار أجراه معه الكاتب أنور عبدالله، ونشرته مجلة الكواكب فى عددها رقم 91، والصادر يوم 28 أبريل 1953، وكان قبل سفر أم كلثوم إلى أمريكا يوم 11 مايو 1953 لتلقى علاجها من مرض الغدة الدرقية بمستشفى البحرية الأمريكية.. «راجع، ذات يوم، 28 أبريل 2024».
فى الصورة التى يرسمها «رامى» عن أم كلثوم، يذكر أنها تعشق صوتها وتحب فنها حبا لا مزيد عليه، وأوضح: «عندما تغنى لحنا تبدع فيه تطرب من صوتها وتند عن صدرها قولة «آه»، ولكن بصوت خافت حتى لا يسمعه الجمهور، وكان الشيخ أبوالعلا يقول لى: «البنت دى بتغنى بدمها.. يا واد دى بتقول لنفسها آه».
يضيف «رامى»: «حبها لفنها وصوتها يجعلها حريصة على أن تشرف بنفسها على كل شىء عند تسجيل أغانيها، فهى تراقب كل آلة موسيقية، وتتدخل حتى فى مهمة المهندسين، وقد طلبت إليها ذات مرة أن تترفق بنفسها من هذا الإسراف فى الدقة، فقالت لى: «ألست أسمع قبل أن أغنى»، ولعل من فرط حبها لفنها، وتقديسها لمهنتها، دقتها الشديدة فى المواعيد، تراها دائما أول القادمين فى الحفلة، ثم تراها آخر المنصرفين، ذات ليلة كانت تحس بإعياء، ورأيت الطبيب بعد أن فحصها يحاول أن يثنيها عن مواصلة الغناء لخطره على صحتها، ولكنها أبت ذلك، قائلة: وهل أرد هؤلاء الناس الذين تكلفوا المال والجهد لكى يسمعونى، ولم يجد الطبيب إزاء إصرارها بدا من حقنها بين كل وصلة وأخرى بحقنة تساعدها على الوقوف».
يذكر «رامى»: «أم كلثوم عندما تغنى تستحيل إلى قطعة من الوجد لا تحس من حولها شيئا، وقد رأيتها مرارا عن قرب وهى تغنى، ولاحظت فى كثير من الأحيان دموعها تسيل من مآقيها من فرط طربها ووجدها، فلا تحاول أن تمد يدا لتمسحها، بل تتركها حتى تصل إلى فمها فتشربها قطرة قطرة، حتى تخفى عن الجمهور ذلك الانفعال العجيب، ورأيتها فى الاستديو أثناء تمثيلها فى الأفلام، فكانت تسلم نفسها إلى الإرهاق تحت الأضواء دون تذمر أو شكوى، حتى إذا ما انتهى تصوير أحد المناظر، انتحت جانبا وحدها لتجلس ساكتة صامتة».
يؤكد «رامى»: «أم كلثوم خبيرة بطبقات جمهورها، تعرف ما يريده منها وما لا يريده، وتعرف جيدا ما يناسب كل طبقة من طبقاته ذات المشارب المختلفة والأذواق العديدة»، ويكشف: «سألتها مرة قبيل أن تغنى فى إحدى حفلاتها عن الأغنية التى ستفتتح بها الحفلة، فقالت: استنى لما أبص على الجمهور من وراء الستارة واشوف راح أغنى إيه؟».
سأل أنور عبدالله: «ألم تعرف فى أم كلثوم وجها من وجوه الغرابة؟.. أجاب «رامى»: «وبهذه المناسبة أحب أن أصحح خطأ فى أذهان البعض ممن يتهمون أم كلثوم بالبخل، فهى ليست بخيلة على الإطلاق، بل إن إنسانيتها الدافقة تجعلها دائمة الحدب على أهلها وأقاربها وغير هؤلاء ممن يحتاجون إلى معونتها، وقد أنفقت من مالها الكثير على عدد من العائلات، وعلى تعمير مسجد قريتها وإقامة مئذنة جديدة له».
ويكشف «رامى»: «هناك جانب واحد من جوانب الطرافة فى شخصية أم كلثوم، فهى قد تعودت على أن تطلب فنجانا من القهوة قبل أن تغنى، ثم تتركه ليبرد، وتشرب القهوة قبل الغناء مباشرة وهى باردة كالماء، وربما يكون هذا هو السر فى حلاوة صوت أم كلثوم، والله أعلم».
فاجأ أنور عبدالله «رامى» بسؤال: «الناس يعتقدون أنك بصراحة أحببت أم كلثوم حبا روحيا هو ملهمك فى أغانيك، رد «رامى»: اسمع أنا راجل أصبحت فى الستين من العمر، ومتزوج وأب لأولاد، فلا داعى لمثل هذه الأسئلة اللى تودى فى داهية، ومن أدراك وأدرى الناس بأن حبى لأم كلثوم هو ملهمى فى معظم الأغانى لها، إننى قد أنظم شعرا وأنا فى الترام، أو فى المقهى، ثم أليس من الجائز أن يشكو لى صديق آلامه العاطفية فأصوغها أنا دون أن أكون طرفا فى القصة، ولماذا إذن يقولون عنا معشر الشعراء إننا غاوون، نقول فى العادة ما لا نفعل».
وعلق «رامى»: «عندما عدت إلى بيتى فى الليلة التى غنت فيها أم كلثوم «جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح» استقبلتنى زوجتى بسين وجيم، وكانت ليلة يعلم بها ربنا، وهذا ما حدث فعلا، فهل نقصف أقلامنا ونغادر دنيا الشعر لمجرد الأوهام، ثم لماذا لا يتهمون غيرى من الشعراء بحب من يكتبون لهن الأغانى، لماذا أكون أنا مفضوحا دون غيرى من الزملاء؟».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة