اختتمت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، مؤخرا زيارة لبيروت، لبنان، استغرقت يومين، في ظل تصاعُد وتيرة الأعمال العدائية على الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، وهي الزيارة القُطرية الثالثة ضمن جولة رسمية بدأتها الدكتورة حنان بلخي في إقليم المنظمة لشرق المتوسط منذ تولَّت منصبها في فبراير 2024.
وقالت الدكتورة حنان بلخي إن النظام الصحي في لبنان يواجه تحدياتٍ عديدةً، تتراوح بين استضافة 1.5 مليون لاجئ سوري، وشنّ أعمال عدائية في الجنوب اللبناني تستهدف المرافق وسيارات الإسعاف، وتحتاج وزارة الصحة العامة وشركاؤها إلى دعم كبير وتمويل مستدام. وسيكون من الأهمية بمكان مساعدتهم في الحفاظ على تحقيق حصائل صحية إيجابية، أثناء سعيهم إلى إجراء إصلاحات في القطاع الصحي.
ومن التحديات الأخرى التي تواجه النظام الصحي النقصُ الحاد في أعداد القوى العاملة الصحية، ومنهم الأطباء وطواقم التمريض، وفي الأدوية والمعدات الطبية، وغيرها من الإمدادات الصحية الأساسية. لذا، ينبغي علينا أن نضمن حصول كل فرد يعيش في البلد على الخدمات الصحية الأساسية، متى وأينما احتاج إليها.
ومع تصاعد حِدة التوتر على الحدود الجنوبية، سارعت المنظمة إلى الشروع في وضع خطة للاستعداد والتأهب، بالتعاون مع وزارة الصحة العامة والشركاء والجهات المانحة. ويتمثل أحد المكونات الرئيسية لخطة الاستعداد في تهيئة مستشفيات الإحالة عن طريق تدريب العاملين الصحيين على الرعاية السريرية للرضوح، والتدبير العلاجي للإصابات الجماعية، وتوفير الدعم الأساسي للأمراض النفسية والتدابير العلاجية لحالات الطوارئ النفسية بشكل عام.
وتلقى أكثر من 3906 من العاملين الصحيين من 125 مستشفى تدريبًا متقدمًا على التدبير العلاجي للإصابات الجماعية ورعاية الرضوح والصحة النفسية على مدى الأشهر الستة الماضية. وجُهِّزت بالفعل اللوازم الحاسمة لإسعاف المصابين والإمدادات الأساسية الأخرى في المستشفيات جنوبي لبنان، في حين جرى التركيز على استمرار الخدمات الأساسية المُقدَّمة إلى النازحين.
والتقت المديرةُ الإقليمية رئيسَ الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، ووزير الصحة العامة الدكتور فراس الأبيض، يرافقها ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان الدكتور عبد الناصر أبو بكر. وتم نقاش الاستراتيجيات الصحية الرئيسية للبلد، والمبادرات الأساسية للدكتورة حنان بلخي، وهي ثلاث مبادرات رائدة تركز على تيسير الحصول بشكل مُنصف على الخدمات الصحية والإدارة الفعالة لسلسلة الإمداد، والقوى العاملة الصحية، وتعاطي المواد في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط. وأكَّدت المديرة الإقليمية التزام المنظمة بدعم لبنان في التغلُّب على التحديات الصحية، والبناء على مكامن قوته الحالية، التي من شأنها ألَّا تحقق عائدًا كبيرًا على الصحة فحسب، بل ستحقق أيضًا عائدًا ملموسًا على الاقتصاد اللبناني.
واجتمع وفد المنظمة مع شركاء الأمم المتحدة والجهات المانحة في مركز عمليات طوارئ الصحة العامة في لبنان، الذي تدعمه المنظمة للمساعدة في التدبير العلاجي للرضوح الناجمة عن الصراع، وتعزيز التنسيق، وإدارة الموارد. ونوقشت الآثار الجسيمة لخفض التمويل على الرعاية الصحية. ومن المتوقع ألَّا يؤثر ذلك على السكان اللبنانيين فحسب، بل أيضا على اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين يستضيفهم البلد.
والتقت الدكتورة حنان بلخي أيضًا نائبَ المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان عمران رضا، الذي يشغل كذلك منصب المنسق المقيم ومنسِّق الشؤون الإنسانية في لبنان، لمناقشة دور الأمم المتحدة في دعم لبنان حكومةً وشعبًا للتغلب على التحديات، والأهم من ذلك، تعزيز القدرة المؤسسية للبلاد وصوْنها.
وفي اليوم الثاني من البعثة، زارت الدكتورة حنان بلخي برفقة الدكتور الأبيض مستودع الأدوية المركزي اللبناني، للاطلاع على الأدوية التي جرى شراؤها بدعم من المنظمة، ولوازم إسعاف المصابين التي أُرسلت من مركز الإمدادات اللوجستية التابع للمنظمة في دبي، بالإمارات العربية المتحدة، قبل توزيعها على مستشفيات الإحالة في جميع أنحاء لبنان، علمًا بأن مركز الإمدادات اللوجستية التابع للمنظمة في دبي يستجيب للطوارئ الصحية الناجمة عن جائحة كورونا وغيرها من فاشيات الأمراض المُعدية، والنزاعات والأزمات الإنسانية، والكوارث الطبيعية والتكنولوجية، والأحداث المتعلقة بتغير المناخ، وقد سَلَّم مركز الإمدادات اللوجستية التابع للمنظمة منذ عام 2018 أكثر من 2000 شحنة تتألف من 12000 طن متري، بقيمة تزيد على 185 مليون دولار أمريكي إلى 141 بلدًا عبر الأقاليم الجغرافية الستة التابعة للمنظمة.
وأوضح الدكتور الأبيض أن المنظمة تمكنَّت من تقديم دعم فوري من أجل إعادة بناء المستودع في أعقاب انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، وتبلغ سعة المستودع الجديد اليوم 8 أضعاف ما كانت عليه قبل الانفجار. وزُوِّد المستودع الجديد بنظام مُميْكن حديث لإدارة اللوجستيات ساهم في الارتقاء بإدارة الأدوية والإمدادات الطبية في الوزارة إلى مستوى جديد. فقد عزَّز الشفافية، وسهَّل عملية التوزيع حتى مرحلة صرف الأدوية للمريض، والأهم من ذلك كله، فهو يتيح تحديثًا مستمرًّا ومباشرًا لحالة الأدوية في مستودعات الوزارة ومراكز صرف الأدوية، وهو يرتبط كذلك بالنظام الوطني لاقتفاء الأثر وتحديد المنشأ الذي يستخدم الباركود الثنائي الأبعاد.
وفي مستشفى كرنتينا الحكومي، التقى الوفدُ مديرَ المستشفى الدكتور ميشيل مطر، الذي أجرى جولة في المبنى الجديد للمرفق الصحي. وأشار الدكتور الأبيض خلال الجولة إلى أن المنظمة شريك أساسي، وأنها تعاونت مع وزارة الصحة العامة للمساعدة في وضع الاستراتيجية الصحية الوطنية التي أُطلقت في عام 2023.
وتوجه الوفد في المحطة الأخيرة من الجولة إلى مركز قُرَّه كوزيان للرعاية الصحية الأولية، وهو أحد أكبر مراكز الرعاية الصحية الأولية في بيروت، إذ يقدم خدماته لأكثر من 10000 مريض شهريًّا، انطلاقًا من رؤية ثاقبة تتلخص في عدم إغفال أي أحد. وأوضح جاربيس ماركاريان، رئيس مجلس إدارة المركز، بفخر شديد «أن المركز يحرص على عدم التمييز بين نزلائه من المرضى، لا سيما أن 20% منهم فقط لبنانيون، ويشغل ماركاريان منصب رئيس مجلس الإدارة منذ عام 2012 وهو عضو بمجلس الإدارة منذ عام 1982.
وقضت الدكتورة حنان بلخي بعض الوقت مع الأطفال وآبائهم وغيرهم من الموجودين في عيادة المركز، وتعرفت على مجموعة الخدمات التي يقدمها المرفق الذي تعمل فيه المنظمة جنبًا إلى جنب مع وزارة الصحة العامة لبناء قدرات العاملين الصحيين، وإتاحة الأدوية واللقاحات للمرضى.
واختتمت المديرة الإقليمية زيارتها متعهدةً، بضمان تمثيل وجهات نظر لبنان في أرفع المحافل الإقليمية والعالمية، و السعي لتوفير الموارد اللازمة لتلبية احتياجاته الصحية».