جلس الدكتور يوسف إدريس ليستمع إلى خطاب الرئيس مبارك فى مناسبة عيد العمال، الأول من مايو، مثل هذا اليوم، 1983، ولديه الثقة بأن الرئيس سوف يوقف الحملة فى الصحف المصرية ضده، حسبما يذكر فى كتابه «فقر الفكر وفكر الفقر»، فيقول: «كنت متأكد أنه سيوقف هذه الحملة الظالمة، وسيزجر من تسببوا فيها من كتاب وصحفيى الحزب الوطنى الحاكم، لكن هذا للأسف لم يحدث».
كان الدكتور يوسف إدريس يواجه حملة ضارية ضده وقتئذ بسبب كتابه «البحث عن السادات»، وكانت نفس الحملة ضد الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل بسبب كتابه «خريف الغضب»، وكانت الصحف العربية قد بدأت فى نشر الكتابين الجديدين خلال أبريل 1983، ونشرت جريدة الأهالى، لسان حال حزب التجمع اليسارى، الحلقة الأولى من «خريف الغضب» ثم توقفت.
اختص الرئيس مبارك الدكتور يوسف إدريس بالهجوم فى خطابه، وهو الهجوم الذى علق عليه الدكتور محمد حلمى مراد فى جريدة الشعب، لسان حال حزب «العمل»، قائلا: «اتهم الرئيس حسنى مبارك، فى خطابه يوم عيد العمال، كاتبا معروفا هو الأستاذ يوسف إدريس اتهاما خطيرا يعتبر طعنة فى صميم وطنيته وذمته وكبريائه، ومجمل هذا الاتهام أنه تقاضى 5 آلاف دولار من الرئيس الليبى معمر القذافى، ليكتب مقالاته التى نشرها فى جريدة القبس الكويتية، والتى أثير حولها الصخب والضجيج دون أن يطلع أحد عليها، ودون أن يسمح لكاتبها ببيان وجهة نظره»، وكانت العلاقات بين مصر وليبيا تواصل انقطاعها وقتئذ منذ فترة حكم السادات.
تذكر صحيفة الوفد، يوم 30 أبريل 2017، أن مبارك بكى أثناء إلقاء خطابه، 1 مايو 1983، نتيجة وصف حرب أكتوبر بالتمثيلية، وقال: «يعنى أنا أبعت ولادى الطيارين ليموتوا، وأكون بامثل».. كان مبارك قائدا لسلاح الطيران خلال هذه الحرب.
رد «إدريس» بمقال فى صورة خطاب مفتوح إلى مبارك بعنوان «إننى أتظلم منك إليك»، يفند فيه الاتهامات ضده، ونشرته جريدة الأحرار، لسان حال حزب «الأحرار»، كما نشرت حوارا معه.. قال إدريس فى خطابه: «إن طعنى فى شرفى وعلى الملأ هكذا مسألة أهون منها عندى حكم الإعدام.. إذ إن طعن الكاتب فى شرفه من رئيس الدولة، إعدام، إنه حكم بالإعدام، وإعدام غير مشرف».
وأضاف «إدريس»: «كنت مؤمنا بأن رئيس الدولة بكل ما لديه من وسائل لمعرفة الحقيقة سوف يطلع على ما كتبته، وأنه سيعيد هؤلاء الناس إلى رشدهم، وسيضع النقط فوق الحروف، ويوضح تماما أن مسألة لقائى بالقذافى التى تمت فى أواخر عام 1982، كتبت بشأنها تقريرا على هيئة خطاب أودعته بمكتب الرئيس بعد عجزى عن لقائه».
وكشف حقيقة اتهامه بأنه قال: «إن حرب أكتوبر تمثيلية»، قائلا: إن صلاح منتصر مدير تحرير الأهرام هو الذى اختلقه، وذلك بفرد نصف صفحة داخلية فى الأهرام «بريد القراء» للإعلان بطريقة مثيرة ومحرضة، وأضاف: «أنهى الإعلان بخطاب مزور وخطاب آخر على لسان قارئ يقول فيه، إنى قلت عن حرب أكتوبر أنها كانت مسرحية، ولو كنا فى جو صحفى آخر لكانت الدنيا قد قامت وقعدت ليس ضدى، وإنما ضد المسؤول عن هذا العمل، ضد مدير تحرير يستغل إمكانياته وسلطاته فى تلفيق اتهام لكاتب زميله يعمل معه فى نفس الجريدة».
أكد «إدريس»، أنه كتب بيانا للرد، ودار به على الصحف الرسمية، وكشف: «رفضت الأهرام نشر بيانى، وأرسلت للجمهورية بيانا لم ينشر، أو ربما لم يصل، وذهبت بنفسى إلى «أخبار اليوم» وكتبت توضيحا عاجلا آخر، ولكن الأستاذ إبراهيم سعده، رئيس التحرير، زاغ من مقابلتى، وحين تركت البيان لينشر، فوجئت بعدد «أخبار اليوم» التالى، وكأنه منشور موجه ضدى، فقد احتوى على كاريكاتير للصديق الكبير الذى أحبه «رخا» وفيه حذاء وهو يشجعنى، وأنا فى حجم النملة، والحذاء ضخم جدا، ورهيب، وفيه خطابات لقراء أعرف من كتبها ولفقها».
أضاف «إدريس»: «كل ما عرضوه شائعة كاذبة أطلقها صلاح منتصر على صفحات الأهرام، وتلقفها الجميع بالتصديق حتى من غير أن يقرأها، بالسماع حاكموا، وبالسماع أدانوا، وصغار الأدباء والانتهازيين منهم، وجدوها فرصة لاغتيال كاتب يرونه عقبة فى طريقهم، فشاركوا فى الزفة هم الآخرون، وما أروع منظر ذبح هيكل ويوسف إدريس ليهدأ الانتهازيون، وما أكثرهم، صحفيون وأدباء وكتاب».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة