رغم قِصر عمر غسان كنفاني، إلا أنه كان متعدد المواهب، إذ كان أديبًا، وإعلاميًا، ورسامًا.. ومع أنَّ البعض ينفي اعتراف إسرائيل الرسمي باغتياله، إلا أن جولدا مائير عقَّبت على اغتياله قائلة: "لقد تخلصنا من لواء فكريٍّ مسلَّح"، وهذا التصريح كافٍ، لتأكيد اغتياله على يد الموساد.
عرفنا غسان كنفاني في رواية رجال في الشمس، وما تبقى لكم، وأم سعد، وعائد إلى حيفا التي تحولت إلى مسلسل تليفزيوني من بطولة الفنان سلّوم حداد.. لكنّنا أحيانًا نحتاج إلى التعرف على حياة الشخصيات التي نقرأ لها، وشخصية كشخصية غسان كنفاني تحتاج إلى مجلدات للحديث عنها، فبرغم قِصَر عمره، إلا أن حياته مليئة بالأحداث.
ولد غسان كنفاني في 9 من أبريل عام 1936، في مدينة عكا.. لم يكن العمل السياسي جديدًا عليه، إذ كان والده ضمن أفراد المقاومة ضد الانتداب البريطاني، وقد سمح له عمله بالمحاماة أن يدافع عن المعتقلين من أفراد المقاومة، بل إنه اعتُقِل مرارًا من قِبل حكومة الانتداب، بتوصية من الوكالة اليهودية.
قضى غسان عشر سنوات من عمره في يافا، حيث كانت تعيش أسرته في الأساس، ودرس في مدارس الفرير؛ مِمّا ساعده على إتقان اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وكان البعض يرى أنه الطفل المدلَّل لأبويه رغم أنه لم يكن الطفل الأول، وربما ترجع تلك الفكرة التي أشيعت عنه، إلى كونِه تلقى تعليمًا مختلفًا.
في عام 1947، انتقلت أسرة غسان للعيش في منزل العائلة في عكا؛ لاشتعال الأحداث بين العصابات الصهيونية وأفراد المقاومة عقِب صدور قرار التقسيم، وفي نهاية شهر أبريل من عام 1948، ازداد اشتعال الأحداث، مِمّا دفع الأسرة إلى ترك فلسطين، واللجوء إلى صيدا جنوب لبنان، وبعد فترة انتقلوا إلى سوريا، واستقروا بحي الميدان في دمشق، وعمِل غسان مع شقيقه في صناعة أكياس الورق، ثم في كتابة الاستدعاءات أمام المحكمة، إلى جانب الدراسة.
وفي عام 1952، حصل على شهادة البكالوريا، فعمِل مدرسًا للرياضيات والرسم في مدارس اللاجئين؛ مِمّا أتاح له فرصة التعرف على حياة اللاجئين عن قرب، كما التحق بالجامعة لدراسة الأدب العربي، لكنه مُنِع من إكمال دراسته، بسبب نشاطه السياسي، إذ كان عضوًا في حركة القوميين العرب.
في عام 1955، سافر غسان كنفاني إلى الكويت، للتدريس في مدارسها، وهناك.. بدأت محاولاته الجدية في الكتابة، حيث كان يكتب في إحدى الصحف الكويتية تحت اسم "أبو العز"، كما ألف مجموعته القصصية الأولى بعنوان: "القميص المسروق"، ومن هنا بدأت رحلة غسان في عالم الأدب والصحافة.
في عام 1960، سافر إلى بيروت للعمل بجريدة الحرية، ولكن بسبب محاولة الانقلاب التي تعرضت لها لبنان أواخر عام 1961، اضطر للاختباء في بيته، خاصة أنه لم يكن يمتلك إثباتات شخصية، وبعد انتهاء الأزمة، تمكن من مزاولة عمله من جديد، وحصل على الجنسية اللبنانية، وبجانب عمله بجريدة الحرية، عمِل ضمن فريق جريدة المحرر، التي أصبح رئيس تحريرها، وأصدر بها ملحق فلسطين.. كما كان له الفضل في تسليط الضوء على شعراء المقاومة الفلسطينية، كما انضمَّ إلى الجبهة الشعبية أو منظمة التحرير الفلسطينية، وأسس مجلة الهدف الناطقة باسم الجبهة، وكان متحدثًا رسميًا باسمها، وكان له الفضل في لفت أنظار العالم إلى القضية الفلسطينية، من خلال رواياته، ومقالاته، ودراساته، ومن خلال قبوله لإجراء الأحاديث الصحفية، استطاع التتعرض للقضية ومدى معاناة الشعب الفلسطيني.
ألف غسان العديد من الروايات والمجموعات القصصية، من بينها:"ما تبقى لكم، عالم ليس لنا، أم سعد، رجال في الشمس، عائد إلى حيفا، موت سرير رقم 12، القميص المسروق"، وترجمت أعماله لحوالي 16 لغة وتم نشرها في 20 دولة.
تزوج غسان بسيدة دانماركية تدعى "آني هوفر"، وأنجب منها طفليه فايز وليلى، وبزواجه استقرت حياته بشكل كبير، وتحسنت صحته بصورة ملحوظة، فبزواجه انتظمت مواعيد أدويته وطعامه.
وفي 8 من يوليو عام 1972، اغتيل غسان كنفاني بعد تفجير سيارته بعبوة ناسفة أمام منزله بحي الحازمية، بالقرب من بيروت، كما راحت لميس نجم ابنة شقيقته ضحية تلك الحادثة.