ذكرى النكبة تفرض تحديات استثنائية على قمة المنامة.. مصر تواصل ضغوطها على تل أبيب على كل الجبهات.. وأحلام التوافق العربى والاتفاق الفلسطينى تراود الجميع
وصل أمس قطار المرحلة التمهيدية للقمة العربية إلى محطته الأخيرة، بختام اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، استعدادا للقمة العربية المقرر انعقادها فى العاصمة البحرينية المنامة، غدا الخميس.
وشهد أمس العديد من الاجتماعات، بدأت باجتماع اللجنة العربية الوزارية الخاصة بالصومال، والتى تضم مصر.
وبحسب بيان صادر عن جامعة الدول العربية، جددت مجموعة العمل الوزارية التأكيد على الموقف العربى الرافض لمذكرة «التفاهم للشراكة والتعاون» الموقعة بين إثيوبيا وإقليم «أرض الصومال»، والتضامن الكامل مع الدولة الصومالية وتأييد موقفها باعتبار هذه المذكرة باطلة ولاغية وغير مقبولة، ورفض أية آثار مترتبة عليها سواء قانونية أو سياسية أو تجارية أو عسكرية.
كما تناول الاجتماع الدور العربى المنشود وفق خطة العمل لدعم الصومال على جميع الأصعدة لصيانة وحدتها وسيادتها وسلامة أراضيها وكذلك مساندتها فى جهود مكافحة الإرهاب وجذوره.
وعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا تشاوريا بحضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، للتشاور حول مشروع جدول أعمال القمة العربية الـ33، وتنسيق المواقف بشأن الوثائق ومشروع البيان الختامى ومشاريع القرارات التى ستصدر عن القمة العربية، والتى سيتم رفعها إلى القمة العربية غدا الخميس.
كما انعقد أمس الثلاثاء مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، وذلك فى إطار التمهيد لأعمال القمة العربية ووضع اللمسات الأخيرة على مشروعات القرارات السياسية التى من المقرر مناقشتها وإقرارها من قبل القادة العرب.
وتبقى أزمة العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة إحدى أهم القضايا التى تتصدر المناقشات، حيث يناقش المجتمعون تفعيل مبادرة السلام العربية، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة التى ترتكبها قوات الاحتلال فى القدس، ويناقش كذلك تطورات الاستيطان فى الضفة الغربية، والأسرى واللاجئين وكذلك التنمية والأونروا.
من جانبه، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن العدوان على غزة ليس وصمة عار على جبين الاحتلال وإنما على جبين العالم بأسره، موضحا أن أى تحرك دولى لوضع حد للجرائم المرتكبة بقطاع غزة هو ضرورة قصوى، وأن المساعى العربية منذ القمة العربية الإسلامية بالرياض فى نوفمبر الماضى كانت صادقة لبناء قاعدة صلبة من المواقف الدولية والإقليمية المؤيدة للشعب الفلسطينى وحقوقه، وكشف الاحتلال وممارساته بعد محاولات إسرائيل عبثا استغلال أحداث السابع من أكتوبر لاستقطاب التعاطف الدولى لتبرير مخططاتها وإنزال عقاب جماعى بالفلسطينيين.
يشمل جدول أعمال المجلس محورا تحت عنوان الشؤون العربية والأمن القومى، ويشمل 13 بندا.
رغم أنها تأتى فى إطار دورتها العادية الثالثة والثلاثين، فإن انعقاد مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة يحمل قدرا كبيرا من الاستثنائية، التى ربما فرضت عليها، فى ظل العديد من المعطيات، ربما أبرزها الأوضاع الإقليمية الصعبة التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، فى إطار المستجدات المتعددة، سواء فى غزة، أو القضية الفلسطينية، أو على المستوى الإقليمى بأسره، وهو ما يعكس الأهمية الكبيرة وحالة الزخم التى تحظى بها القمة العربية المرتقبة، والمقرر انعقادها فى العاصمة البحرينية المنامة، غدا الخميس.
استثنائية القمة التى تشهدها البحرين، ربما تبدو بجلاء فى موقع انعقادها، حيث إنها المرة الأولى التى تستضيف فيها المملكة القمة العربية، رغم كونها ليست المرة الأولى التى تترأسها، حيث سبق لها أن ترأست أعمال القمة العربية فى عام 2003، إبان انعقادها فى مدينة شرم الشيخ، حيث تسعى المنامة إلى القيام بدور فى إطار الأوضاع الإقليمية المتأزمة عبر قدر من الدبلوماسية المتزنة، بالإضافة إلى تزامنها مع ذكرى اليوبيل الفضى لتنصيب العاهل البحرينى الملك حمد بن عيسى، والذى يسعى، بحسب العديد من الخبراء البحرينيين، إلى انتهاج سياسة معتدلة من شأنها تحقيق التوافقات على المستوى العربى.
ولكن بعيدا عن موقع انعقاد القمة العربية، نجد أن ثمة العديد من الأحداث المتزامنة معها، وعلى رأسها العدوان الوحشى على قطاع غزة، والذى يبقى أولوية قصوى فى كل الاجتماعات التى شهدتها المنامة فى إطار التحضير للقمة العربية، سواء على الصعيد الاقتصادى أو السياسى، وهو ما يبدو فى مناقشة خطة الاستجابة العاجلة لتداعيات العدوان على غزة والتى تصدرت أعمال المجلس الاقتصادى والاجتماعى، أو مناقشة سبل إنهاء العدوان واستعادة الاستقرار، خلال اجتماعات وزراء الخارجية العرب.
ولعل المفارقة الملفتة للانتباه، تتجسد فى تزامن القمة العربية، فى العاصمة البحرينية المنامة، مع ذكرى النكبة، وهو ما أضفى جانبا آخر من الاستثنائية، حيث يعكس حقيقة مفادها أن العدوان على قطاع غزة يمثل امتدادا لنكبة فلسطين، ليس فقط فيما يتعلق بحجم الانتهاكات المرتكبة بحق الشعب الفلسطينى، والتى ترقى إلى مرتبة الإبادة الجماعية، أو حتى أعداد الضحايا المهولة، وإنما أيضا فيما يتعلق بخطط الاحتلال المشينة، والتى ارتبطت بالأساس فى تصفية القضية الفلسطينية، عبر تهجير سكان غزة تارة، وفصل القطاع عن الضفة تارة أخرى، وهى الدعوات التى لا تبدو جديدة على الإطلاق، حيث سبق وأن تبناها الاحتلال فى العديد من المراحل خلال العقود الماضية لتقويض أى حلم يرتبط بتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وكانت النكبة الفلسطينية بمثابة عملية تطهير عرقى، وتدمير، وطرد لشعب أعزل وإحلال شعب آخر مكانه، بمخططات عسكرية شديدة الخبث، فى ظل تواطؤ دولى يؤكده التاريخ والوثائق والقرارات التى تلت ذلك، وقتها تم تهجير وتشريد نحو 800 ألف إنسان من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلا عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم، وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد بصورة لا تقل قتامة عن سابقتها، منذ أن بدأت إسرائيل هجومها الغادر والوحشى على القطاع، وصولا إلى عملياتها العسكرية فى رفح وبعد 8 أشهر من قتل وتشريد الآلاف تعيش غزة وفلسطين نكبة جديدة، تتصاعد وتيرتها فى ظل موقف عالمى رسمى مخزى من كبريات الدول التى تشهد ما يحدث فى القطاع ورفح صوت وصورة يوميا دون أن يتحرك ضمير العالم
وتزامن القمة العربية وذكرى النكبة، يأتى كذلك فى ظل جهود كبرى تقودها الدولة المصرية على كل الجبهات، ما بين ضغوط على حكومة الاحتلال الإسرائيلى وإعلان انضمام مصر إلى جنوب أفريقيا فى دعواها أمام محكمة العدل الدولية، واتصالات مكثفة بكل الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة، بجانب الحفاظ على خطوط اتصال لا تنقطع فى مسار المفاوضات والتهدئة أملا فى الوصول لهدنة إنسانية شاملة ووقف نهائى لإطلاق النار.
وتتزامن القمة العربية الـ33 مع هذا الموقف المأزوم، والمشهد الإقليمى والدولى شديد التعقيد، وهو ما يمثل انعكاسا مهما لضرورة تحقيق توافقات كبيرة على المستوى العربى، فى ظل حالة من الزخم التى تحققت خلال الأشهر الماضية، رغم العدوان، ربما أبرزها حديث العديد من الدول، وخاصة فى الغرب الأوروبى حول أهمية الاعتراف بدولة فلسطين، ناهيك عن التصويت داخل أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة لتأييد منح فلسطين العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة، وهو ما يمثل صفعات تاريخية للاحتلال الإسرائيلى.
ونجاح القمة، على الجانب الآخر، يبدو مرتبطا إلى حد كبير بالداخل الفلسطينى، فى ظل الحاجة الملحة إلى توحيد الصف، والعمل تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى، وهو ما يمثل أهمية كبيرة لحرمان الاحتلال من فرصة استغلال حالة الانقسام، لتجريد فلسطين من الدعم الدولى لها، والذى شهد طفرة كبيرة فى غضون الأشهر القليلة الماضية، والتى شهدت تغييرا جذريا فى المواقف الدولية من حالة الدعم المطلق وغير المحدود للدولة العبرية، إلى تحقيق قدر كبير من التوازن.
عدد اليوم السابع
عدد اليوم السابع يسلط الضوء على القمة العربية