ما دامت القضية مُعلقة؛ فالنكبة قائمة ولم تنتهِ، باختصار؛ يُلخص السياسى الفلسطينى ووزير الإعلام الأسبق نبيل عمرو المسألة، وهو ليس مسؤولاً سابقا فحسب؛ إنما أحد المثقفين والكتاب البارزين، وشاهد على كثير من تحولات القضية فى العقود الأربعة الأخيرة على الأقل، ولديه رؤى جادة ومُعمّقة بشأن الصراع وتطوراته، من منشأه إلى مُحايثته الرتيبة للواقع، وما بينهما نضالات لفتح وغيرها، وآمال حملتها منظمة التحرير، واشتعال الحلم فى أوسلو ثم انطفائه فى كل ما جرى بعدها، وكان نتنياهو الذى يشن حرب اليوم، أحد السهام الحارقة التى أصابت كبد الاتفاق قبل عقدين ونيّف.
يؤكد «عمرو» أن استمرار الاحتلال وعدم إقامة دولة فلسطين وحل أزمة اللاجئين، تُحوّل الحياة لسلسلة من النكبات، وما يجرى فى غزة على بؤسه ليس جديدا، وسبقته مذابح عديدة، كما توازيه خُروقات واعتقالات فى الضفة، متابعا: «الفلسطينيون نجحوا بصمودهم، وسينجحون دائما شريطة أن تكون هناك نتائج ملموسة؛ والانقسام يمثل عائقا لتلك النتائج، مع ارتجالات متعددة بين الفصائل المتعارضة والمتناقضة».
وأوضح أن عدم اختيار المؤسسات الفلسطينية لحلفاء مُوحَّدين وجديين ومخلصين بحقّ للقضية، بما يبعد عنهم شبح الشخصنة او الاستخدام، يعيق الصمود ويكبله، مشيدا بعدم رفع الشعب للراية البيضاء، وبمواصلة التضحية من أجل الحرية والاستقلال. وعن موقف المجتمع الدولى ممّا يحدث، أوضح أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تدعم الفلسطينيين بالمطلق، فى قضية اللاجئين أو تقرير المصير، وإنهاء الاحتلال وقيام الدولة، وتصوّت لمصلحتهم، وقراراتها مُحكمة تماما وتُناسب الموقف الفلسطيني، والموقف العربى المندمج معه، لافتا إلى أن مشكلة المجتمع الدولى وما ترمز إليه المنظمة الأممية تتمثل فى البوابة الفولاذية المغلقة أمام الفلسطينيين، مجلس الأمن، وذلك بسبب «الفيتو» المستخدم دوما لإعاقة أى مشروع قرار فعّال لصالح فلسطين.
وانتقد وزير الإعلام السابق، السلوك الأمريكى باستخدام «الفيتو» أربع مرات فى ستة أشهر، أحدها غير منطقى برفض مشروع قرار وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، مشيرا إلى تفريغها المجتمع الدولى من إمكانية تحقيق شىء عملى، فباتت حارسا على الهمجية بالإفراط فى حق النقض، مستطردا: «قد نتفهم على مضض كيف تدعم أمريكا إسرائيل، وكيف تتحدث أحيانا عن موضوع الدفاع عن النفس؛ لكن تل أبيب ترتكب جرائم إبادة جماعية تنظر فيها محكمة العدل الدولية، ومن المحتمل أن تنظر فيها الجنائية الدولية، وواشنطن وحدها تقف بجانب إسرائيل فى كل هذا».
وأشار إلى أن التصويت الأخير فى الجمعية العامة كشف الدعم الأمريكى الكامل لإسرائيل؛ إذ وقف العالم أجمع فى صف الشعب الفلسطيني، مقابل انحياز أمريكى صارخ للاحتلال، فالفيتو يجهض أى جهود لمنح فلسطين العضوية الكاملة، ومن ثمّ يجعل دعم المجتمع الدولى بمثابة شيء معنوى غير قادر على التأثير فى المعادلة، وفيما يتعلق بهدف إسرائيل القضاء على المقاومة؛ أوضح أن الحروب التى شنتها لم تحقق أى نتيجة، مشيرا لظهور خطر أشد على إسرائيل عقب حربها على لبنان عام 1982، عندما ظّنت أنها قادرة على إخراج المقاومة من لبنان بالكلية، ولم يحدث، وهى فى حالة حرب مع القضية والمقاومة، وقد فشلت فى تحقيق أهداف العدوان على غزة طوال سبعة، رغم الإمكانيات الضخمة.
يشدد الوزير السابق أن المقاومة ستبقى؛ كونها تنطلق من بلدها وجوف الملايين، ولا أمل لإسرائيل فى الانتصار عليها، وسابقا صمدت الثورة الفلسطينية رغم تهديدات وزير دفاع الاحتلال الأسبق موشيه ديان بتدميرها، إلا أنها المقاومة عملت بشراسة عقب حرب يونيو 1967.. وعن الدور المصرى تجاه القضية؛ أكد أن مصر شريك، وجدار للأمة العربية، ولا وجود لفلسطين أو العالم العربى من دونها، مستطردا: «الدولة المصرية قدمت تضحيات فوق طاقة أى كيان بالعالم لأجل القضية، فى ظل موقفها الشريف والنظيف، وحرصها على القضايا الوطنية، خاصة العربية والأفريقية، مصر دولة لا تُقاس بالأدوار المؤقتة؛ لأنها ذخر استراتيجى، ويراها الفلسطينيون الجدار الاستنادى للحالة العربية»، معربا عن أمله فى أن تنجح جهود مصر فى تعديل الموازين وإحقاق الحق، وحل القضية الفلسطينية بأطروحات موحدة فى ظل دعم عربي. كما أشاد بموقف القاهرة الهادف لوقف الحرب على غزة، وإعادة الاعمار، وفتح المسار السياسى الجدى وصولا لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة، وحل القضايا العالقة، والشعب الفلسطينى يؤمن ويثق فى استراتيجية مصر.
وعن موقف بعض الإعلام الغربى الداعمة لإسرائيل، أكد أن جرائم الاحتلال فى غزة أمر لا يمكن إخفاؤها فى ظل ممارسة المذابح على الهواء، وهو ما تشاهده كل دول العالم، ما أدى لاندلاع تظاهرات فى شتى العواصم، ومنها واشنطن، مشيرا لوجود أزمة داخلية فى الولايات المتحدة وكان للإعلام دور فيها بنقل حقيقة ما يجري.
ولا يعتبر الوزير الفلسطينى السابق أن التحول رهين حجم الهجمة وكُلفتها. إذ يقول إن جرائم إسرائيل مستمرة منذ 1948، ولن تتوقف، وعداد ضحاياها مستمر أيضا، ولن يتوقف إلا بإذعانها لحقوق الشعب الفلسطينى التى كفلتها المواثيق والقرارات الدولية والمبادرة العربية، ولا مناص أمامها من الإقرار بذلك، لافتا إلى بعض التحولات فى الإعلام، خاصة الأمريكى، فالحقائق لا يُمكن طمسها، ومن الضرورى أن تكون للدول العربية إسهامات فى الإعلام الدولى، ومن المهم مواكبة الأحداث بمهنية، وتغطية ما يحدث بجودة عالية، وحينها يمكننا الرد على مزاعم إسرائيل وداعميا.
تتحمل إسرائيل مسؤولية التصعيد الجارى بالإقليم، ويُضيف «عمرو» أن جزءا من المسؤولية على عاتق الولايات المتحدة، لا سيما أنها تقدم لها غطاءً سياسيا وعسكريا بالفيتو والدعم المباشر، وقد شحنت لها ذخائر عبر 350 طائرة عملاقة منذ اندلاع الحرب على غزة، وعن تعثر مفاوضات الهُدنة؛ أوضح أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يريد إطالة أمد الحرب؛ ليستكمل ولايته والبقاء فى السلطة ولو على جثث الفلسطينيين والإسرائيليين، مُجازفا بحياة الرهائن أيضا، متابعا: «الورقة التى قدمتها مصر وقطر والولايات المتحدة لم يقبلها، وسعى لتفخيخها بالألغام، ولن يستطيع الصمود طويلا أمام الإجماع الإقليمى والدولى على ضرورة وقف الحرب».
ووجه السياسى والكاتب والوزير الأسبق الدكتور نبيل عمرو، نصيحة لحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، بضرورة أن تنصت وتستجيب لنصائح مصر وقطر، من أجل الوصول إلى نتائج عملية تُوقف المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، موضحا أن إعلانها الترحيب بالمبادرة الأخيرة دفع دول العالم لاستحسان موقفها والتعاطى معه إيجابيا، وهو ما نحتاجه، لذا يتعين الاستمرار فى إبداء المرونة فى المفاوضات.