إدوارد سعيد.. صوت فلسطين الحر في الغرب
ناجي العلي.. كاريكاتير الانتفاضة
محمود درويش.. شاعر الأرض وصائغ الهوية
غسان كنفاني.. روائي الحرب والمنفى
يقال إن الإبداع يخلق ويولد من رحم المعاناة والألم والحرمان، والشّخص المبدع يخلق من معاناته إبداعاً بأشكال مختلفة وطرائق متعدذدة ومتجددة مبتكرة وأصيلة، لكن ما بالك إن كانت تلك معاناة وطن بأكمله، سرقت أرضه، ونهبت ثوراته، وتم السطو على تاريخه، هكذا كانت مأساة فلسطين بعد نكبة 1948، المأساة الكبرى التي عاشها ويعيشها كل العرب، لكنها مأساة خرج من رحمها مبدعون وعظماء استطاعوا أن يملؤا العالم بإبداعم الخاص، وتظل سيرتهم خالدة كسيرة وطن مهدور حقه.
أحدثت نكبة 1948 زلزالاً هزّ كيان العالم العربي بكل أطيافه، وكتب تاريخاً جديداً لفلسطين، معتبرة أنه لكنها أيضا وُضعت بداية حقيقية للإبداع الفلسطيني، فقد تمثل لتزدادا قيمته مع الوقت كونه عملاً توثيقياً، تثقيفياً، تراثياً، وتحريضياً في وقت واحد، وتأكيد دوره النضالي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومعالجته للقضية الفلسطينية من جهة أيديولوجية سياسية من دون التخلي عن البعد الجمالي.
قبل النكبة، كان الإبداع الفلسطيني بمختلف أطيافه يتشابه كثيراً مع الإبداعات العربية المجاورة حيث الموضوعات التي ركز عليها، والتي عكست عناصر الثقافة والدين واللغة المشتركة، وحسب الروائي الفلسطيني غسان كنفاني: «إن الأدبَ الفلسطيني، وصولاً إلى هذه النكسة المأساوية كان جزءاً من التيار الرئيس للحركة الأدبية العربية، التي ازدهرت إبان النصف الأول من القرن. لقد حصل على مصادره من الكتاب المصريين والسوريين واللبنانيين، الذين قادوا الحركة الأدبية آنذاك، بالإضافة إلى تأثره بهم». إنما، بعد عام 1948، ولدت حركة جديدة في الأدب العربي تأثرت بشدة بالكتاب الفلسطينيين وغيرهم.
لكن النكبة وعلى الرغم من مأساتها الباقية إلى اليوم، لكنها صنعت حركة إبداعية وجيلا مبدعا، رفع اسم فلسطين، وجعل لها صوت يخرج من الفن والأدب يعبر عنها وعن مأساتها وعن جرائم الكيان الصهيوني المحتل، والأهم أنهم صنعوا هوية خاصة للإبداع في الفلسطيني، وصاغوا الإبداع بطريقة فلسطينية خالصة، تعبر عن الوطن والمنفى والحرب والموت والحياة من وجهت نظرهم الخاصة.
إدوارد سعيد
المفكر والناقد الفلسطيني إدوارد سعيد (1935 – 2003)، كان أحد أبرز منظري العرب في الغرب، واستطاع أن يكون صوتا إبداعيا فلسطينا بعد النكبة التي قامت وهو ان الثالثة عشر ربيعا، خرج وقتها إلى عالم المنفى لكنها دائما ظلت قلبه النابض، حيث نجح إدوارد سعيد، في تجسيد دور المثقف من خلال تبنيه قضية وطنية عادلة وإنسانية وهي قضية الشعب الفلسطيني.
كرس إدوارد سعيد، حياته للقضية الفلسطينية وكان خطابه أقوي خطاب حظيت به، ولعل ما ميز إدوارد ووأعطى قيمة لا يستهان بها لحديثه عن القضية الفلسطينية هو محاولته إعادة وضع 'قضية فلسطين' في سياق المنظور الفلسطيني - وليس إلى المنظور العربي أو الإسلامي العام - والانطلاق من نقطة بداية الأحداث: والتي تتمثل بولادة الحركة الصهيونية، وبثّ أيديولوجيتها في سياق الثقافة الاستعمارية الأوروبية في نهاية القرن التاسع عشر من القرن الماضي وتشجيع اليهود على الهجرة إلى فلسطين. وفي نفس الوقت، يعرض سعيد في كتابه نبذة موجزة حول تاريخ الشعب الفلسطيني، حيث يقدم عرضاً شاملاً حول الخصائص الديموغرافية والاجتماعية التي يتميز بها هذا الشعب.
ناجي العلي
كان ناجي العلي (1937 – 1987) ثوريا جامحا ترفض ريشته الخضوع لغير ما يراه صحيحا، وجسدت قصة حياته واغتياله على يد "مجهولين" محطات النضال الوطني الفلسطيني، منذ ولادته في النصف الثاني من ثلاثينيات القرن العشرين مرورا بالنكبة وانتقاله مع أسرته إلى مخيم عين الحلوة في لبنان، ومرحلة الخميسنيات وما شهدته من تطورات مهمة على الساحتين الفلسطينية والعربية، ثم انتقاله للعمل في الخليج العربي وظهور حركة فتح وانطلاق المقاومة الفلسطينية المسلحة، ومن بعدها نكسة يونيو ثم انتقاله إلى لبنان فالخروج منها بعد الاجتياح الإسرائيلي، حتى الرحيل في عاصمة الضباب.
قدم رسومات كاريكاتورية عدة، لكن رسمة واحدة استطاعت أن تتحول إلى رمزا وأيقونة عن تعبر عن الشعب الفلسطيني، فـ "حنظلة" الطفل ابن العاشرة شخصية كاريكاتيرية ابتدعها العلي عام 1969 عندما كان يعمل في صحيفة "السياسة" الكويتية، وقال عنه الرسام الراحل إنه لن يكبر إلا بعد عودته إلى فلسطين موطنه الأصلي، ويفسر ذلك بأنه "في تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعدُ في العاشرة، ثم يبدأ الكبر؛ فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما أن فقدان الوطن استثناء".
غسان كنفاني
كرس غسان كنفاني (1936 – 1972) كتاباته لنقل معاناة الفلسطينيين في الشتات، وكان يؤكد فيها أن اللجوء في المخيمات ليس حلا للشعب الفلسطيني، ففي روايته "موت سرير رقم 12" كتب كيف يتحول الغرباء إلى أرقام بالمنافي، ويعيشون حالة الوحدة دون التفكير في حل جماعي بالعودة، "فهم لم يكونوا يشعرون بالانتماء، والآخرون لم يشعروهم بأنهم عرب".
وفي روايته "رجال في الشمس" كما هو الحال في رواية "ما تبقى لكم" يؤكد كنفاني مجددا أن لا حل لعودة الفلسطينيين إلا بالعمل الجماعي، فهو كان مدركا وواعيا لحقيقة أنه لا يمكن الاعتماد على فكرة أن الدول العربية ستحارب لعودة الفلسطينيين، "فهي لم تسمح لهم بتشكيل تنظيمات"، كما عرف الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني أيضا باعتباره أديبا ساخرا وناقدا للقصة والشعر، وهذا ما يجهله الكثيرون، وظهر ذلك في مجموعة مقالات صحفية له خرجت بكتاب "فارس فارس"، وقال إن كتابة أدب المقاومة لا تعني أن يمتلئ الأدب بالسلاح والشعارات والخطب. وأوضح "أن تكتب قصة قصيرة ناجحة فهذا أدب مقاوم".
محمود درويش
تأثر درويش بالقضية الفلسطينية بشكل كبير، وكتب بشكل شاعري عن الحرب والاحتلال والشجب الاجتماعي، وكان من أبرز الأصوات التي أعبرت عن الألم والمعاناة الفلسطينية، حتى إن مراحل مسيرته الشعرية قسمت في نظر النقاد عدة أقسام يجمع بينها علاقة الشاعر بوطنه وبقضيته «القضية الفلسطينية» وبالمنفى وترك الديار وكل ذلك في ظل علاقته بالذات.
صنف درويش كأحد أهم الشعراء الفلسطينيين المعاصرين الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، ويطلق عليه لقب "شاعر المقاومة"، إذ قدم بعدا آخر للنضال، شق قلب عدوه بقلمه، وخط بكلماته خريطة الكفاح العربي الفلسطيني، أعطى بعدا ثقافيا للقضية الفلسطينية..وبأشعاره وكلماته والبعد الثقافي الذي منحه للقضية، أصبح الشأن الفلسطيني حديثا للعامة والبسطاء، وأسهم فى تطوير الشعر الفلسطيني من خلال مزجه بين الحب والوطنية وجعل له هوية منفصلة بذاتها. دوره النضالي لم يتوقف عند حدود الشعر والأدب، فقد صاغ وثيقة الاستقلال الوطنى الفلسطينى التى أعلنتها منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 فى الجزائر.