تحل اليوم ذكرى وفاة الملك العادل أبو القاسم نور الدين زنكي الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 15 مايو 1174، وهو ابن عماد الدين زنكي بن آق سنقر، ومن ألقابه الأخرى ناصر أمير المؤمنين، تقيّ الملوك، ليث الإسلام، الخليفة الراشد، كما لُقِّب بنور الدين الشهيد مع أن وفاته بسبب المرض، وهو الابن الثاني لعماد الدين زنكي، حكم حلب بعد وفاة والده، وقام بتوسيع إمارته تدريجيًّا، كما ورث عن أبيه مشروع محاربة الصليبيين.
ينتسب نور الدين إلى السلاجقة الأتراك، فجدّه آق سُنقر بن إل ترغان يعود نسبه إلى قبيلة ساب يوب، وكان جده مملوكًا للسلطان جلال الدولة ملك شاه، وكان عسكريًا وملاصقًا للسلطان.
كان عمر عماد الدين زنكي 10 أعوام عند وفاة والده آق سنقر، مكث عماد الدين في حلب عامًا واحدًا عند مماليك وقادة أبيه، وما لبث أن استدعاه والي الموصل كربوقا بعد استلامه الولاية ليقوم برعايته لإدراكه مكانة آق سنقر في نفوس التركمان، وما يكنونه له من ولاء وطاعة. وبقي عماد الدين مواليا لولاة الموصل الذين عينهم السلطان محمد بن ملكشاه، ورافقهم في معاركهم، ثم ولاه السلطان محمود بن محمد على ولاية الموصل سنة 521 هـ / 1127 م، فاستطاع ضم جزيرة ابن عمر وإربل وسنجار والخابور ونصيبين وجزء من ديار بكر، وعبر الفرات فملك منبج وحلب وحماة وحمص وبعلبك، وبذلك نجح في التوسع بإمارته لتشمل مناطق شاسعة.
وكان من أجمل صفات نور الدين زنكي الشخصية أنه حريص على تطبيق الشريعة، كان نور الدين محمود يقول: "نحن شحن (شرطة) الشريعة نمضي أوامرها" وقال أيضاً: "نحن نحفظ الطريق من لص وقاطع طريق والأذى الحاصل منهما قريب أفلا نحفظ الدين ونمنع عنه ما يناقضه، وهو الأصل". وقال عنه ابن كثير "كان يقوم في أحكامه بالمعاملة الحسنة واتباع الشرع المطهر.. وأظهر ببلاده السنة وأمات البدعة"، بالإضافة إلى عدله وتدينه وزهده.
كان نور الدين كثير الصلاة في الليل، وحُكي عنه أنه كان يصلي فيطيل الصلاة، وله أوراد في النهار، فإذا جاء الليل وصلى العشاء نام، ثم يستيقظ نصف الليل، ويقوم إلى الوضوء والصلاة والدعاة إلى بكرة، ثم يظهر للركوب ويشتغل بمهام الدولة.
قال عنه ابن كثير في البداية والنهاية: "وقد كان حسن الخط كثير المطالعة للكتب الدينية، متبعًا للآثار النبوية، محافظًا على الصلوات في الجماعات، كثير التلاوة، محبًا لفعل الخيرات، عفيف البطن والفرج، مقتصدًا في الإنفاق على نفسه وعياله في المطعم والملبس، حتى قيل: إنه كان أدنى الفقراء في زمانه أعلا نفقة منه من غير اكتناز ولا استئثار بالدنيا، ولم يُسمع منه كلمة فحش قَطّ، في غضب ولا رضًا، صموتًا وقورًا".
وقال ابن الأثير: "لم يكن بعد عمر بن عبد العزيز مثل الملك نور الدين، ولا أكثر تحريًا للعدل والإنصاف منه، وكانت له دكاكين بحمص قد اشتراها مما يخصه من المغانم، فكان يقتات منها، وزاد امرأته من كراها على نفقتها عليها، واستفتى العلماء في مقدار ما يحل له من بيت المال فكان يتناوله ولا يزيد عليه شيئًا، ولو مات جوعًا، وكان يكثر اللعب بالكرة فعاتبه رجل من كبار الصالحين في ذلك فقال: إنما الأعمال بالنيات، وإنما أريد بذلك تمرين الخيل على الكر والفر، وتعليمها ذلك، ونحن لا نترك الجهاد".