نواصل مع قراءة كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير، ونتوقف عند خبر موت سيدنا آدم عليه السلام، فما الذي يقوله التراث الإسلامي في ذلك؟
يقول ابن الأثير:
ذكر وفاة آدم عليه السلام:
ذكر أن آدم مرض أحد عشر يوماً وأوصي إلى ابنه شيث وأمره أن يخفي علمه عن قابيل وولده لأنه قتل هابيل حسداً منه له حين خصّه آدم بالعلم، فأخفى شيث وولده ما عندهم من العلم، ولم يكن عند قابيل وولده علم ينتفعون به.
وقد روى أبو هريرة عن النبي، ﷺ، أنه قال: قال الله تعالى لآدم حين خلقه: إئتِ أولئك النفر من الملائكة قل السلام عليكم، فأتاهم فسلّم عليهم، وقالوا له: عليك السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربّه فقال له: هذه تحيّتك وتحية ذريتك بينهم، ثم قبض له يديه فقال له: خذ واختر، فقال: أحببت يمين ربي وكلتا يديه يمين، ففتحها له فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم، وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله، وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة، وإذا كل رجل منهم مكتوب عنده أجله، وإذا آدم قد كتب له عمر ألف سنة، وإذا قوم عليهم النور، فقال: يا رب من هؤلاء الذين عليهم النور؟ فقال: هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلهم إلى عبادي، وإذا فيهم رجل هو من أضوئهم نوراً ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة، فقال آدم: يا ربّ هذا من أضوئهم نوراً ولم تكتب له إلا أربعين سنة، بعد أن أعلمه أنه داود، عليه السلام، فقال: ذلك ما كتبت له، فقال: يا ربّ انقص له من عمري ستين سنة، فقال رسول الله، ﷺ، فلما أهبط إلى الأرض كان يعدّ أيّامه، فلما أتاه ملك الموت لقبضه قال له آدم: عجلت يا ملك الموت قد بقي من عمري ستون سنة، فقال له ملك الموت: ما بقي شيء، سألت ربّك أن يكتبه لابنك داود، فقال: ما فعلت فقال النبيّ، ﷺ: فنسي آدم فنسيت ذرّيته وجحد فجحدت ذرّيّته فحينئذٍ وضع الله الكتاب وأمر بالشهود.
وروي عن ابن عباس قال: لما نزلت آية الدين قال رسول الله، ﷺ: إنّ أول من جحد آدم ثلاث مرار، وإن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرضهم على آدم فرأى منهم رجلاً يزهر، قال: أي ربّ أيّ بنيّ هذا؟ قال: ابنك داود، قال: كم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: زده من العمر، قال الله تعالى: لا، إلا أن تزيده أنت، وكان عمر آدم ألف سنة، فوهب له أربعين سنة، فكتب عليه بذلك كتاباً وأشهد عليه الملائكة، فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبض روحه فقال: قد بقي من عمري أربعون سنة، قالوا: إنك قد وهبتها لابنك داود، قال: ما فعلتُ ولا وهبتُ له شيئاً، فأنزل الله عليه الكتاب وأقام الملائكة شهوداً، فأكمل لآدم ألف سنة وأكمل لداود مائة سنة.
وروي مثل هذا عن جماعة، منهم سعيد بن جبير، وقال ابن عباس: كان عمر آدم تسعمائة سنة وستّاً وثلاثين سنة، وأهل التوراة يزعمون أن عمر آدم تسعمائة سنة وثلاثون سنة، والأخبار عن رسول الله والعلماء ما ذكرنا، ورسول الله، ﷺ، أعلم الخلق.
وعلى رواية أبي هريرة التي فيها أنّ آدم وهب داود من عمره ستين سنة لم يكن كثير اختلاف بين الحديثين وما في التوراة سوى ما وهبه لداود.
قال ابن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال: بلغني أن آدم حين مات بعث الله بكفنه وحنوطه من الجنّة ثمّ وليت الملائكة قبره ودفنه حتى غيّبوه. وروى أبي بن كعب عن النبي، ﷺ: (أن آدم حين حضرته الوفاة بعث الله إليه بحنوطه وكفنه من الجنّة، فلما رأت حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم، فقال: خلّي عني وعن رسل ربي، فما لقيت ما لقيت إلا منك، ولا أصابني ما أصابني إلا فيك، فلما قبض غسلوه بالسدر والماء وتراً وكفنوه في وتر من الثياب ثم لحدوا له ودفنوه، ثم قالوا: هذه سنّة ولد آدم من بعده). قال ابن عباس: لما مات آدم قال شيث لجبرائيل: صلّ عليه، فقال: تقدّمْ أنت فصلّ على أبيك، فكبّر عليه ثلاثين تكبيرة، فأمّا خمس فهي الصلاة، وأما خمس وعشرون فتفضيلاً لآدم. وقيل: دفن في غار في جبل أبي قبيس يقال له غار الكنز، وقال ابن عباس: لما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس. وكانت وفاته يوم الجمعة، كما تقدّم، وذكر أن حوّاء عشات بعده سنة ثمّ ماتت فدفنت مع زوجها في الغار الذي ذكرت إلى وقت الطوفان، واستخرجهما نوح وجعلهما في تابوت ثم حملهما معه في السفينة، فلما غاضت الأرض الماء ردّهما إلى مكانهما الذي انا فيه قبل الطوفان، قال: وكانت حواء فيما ذكر قد غزلت ونسجت وعجنت وخبزت وعملت أعمال النساء كلها. وإذ قد فرغنا من ذكر آدم وعدوّه إبليس وذكر أخبارهما وما صنع الله بعدوّه إبليس حين تجبّر وتكبر من تعجيل العقوبة وطغى وبغى من الطرد والإبعاد والنظرة إلى يوم الدين، وما صنع بآدمٍ إذ أخطأ ونسي من تعجيل العقوبة له ثم تغمّده إيّاه بالرحمة إذ تاب من زلّته، فأرجع إلى ذكر قابيل وشيث ابني آدم وأولادهما، إن شاء الله.