محمد على باشا يتولى حكم مصر.. كيف حاكمه نجيب محفوظ؟

الجمعة، 17 مايو 2024 09:00 م
محمد على باشا يتولى حكم مصر.. كيف حاكمه نجيب محفوظ؟ محمد على باشا
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تمر اليوم ذكرى تولي محمد على باشا حكم مصر في مايو من سنة 1805، وبداية مرحلة جديدة من حكم مصر، واستطاع خلال فترة حكمه أن يبني مصر الحديث، وقد تعرض الكثير من الكتاب والمبدعين لـ حياة محمد علي وفترة حكمه، لكن ما الذي قاله كاتب مصر الكبير نجيب محفوظ  عن "الباشا"؟

كتب نجيب محفوظ في "أمام العرش" يقول:

ونادى حورس: محمد علي باشا.
فدخل رجل مليء، مستقيم البنيان قويُّه، وتقدَّم حتى مثَلَ أمام العرش.
ودعاه أوزوريس للكلام فقال: وُلدتُ في مدينة قولة، نشأتُ يتيمًا، ولما ترعرعتُ انتظمت في سلك الجندية، وذهبت إلى مصر ضمن حملة لقتال الفرنسيين، ولما جلا الفرنسيون عن مصر جعلتُ أدرس الأحوال، وأفكِّر في المستقبل، تكشف لي ضعف العثمانيين، ووحشية المماليك، وانتبهتُ إلى قوة ثالثة لا يحسب حسابها أحدٌ، هي قوة أهالي البلاد وزعمائهم، فقررتُ أن أوثِّق علاقتي بهم؛ لعلهم يصلحون أساسًا أقيم عليه دولة جديدة، تستعيد من الماضي أمجاده الغابرة، ونجحتُ في ذلك أيما نجاح، حتى خلع الأهالي الوالي التركي وبايعوني حاكمًا محله، واعترف الباب العالي بالأمر الواقع؛ فاستتبَّ لي الأمر، وشرعت في العمل فلم أكفَّ عنه حتى نهاية عمري، تخلَّصتُ من المماليك وهم الشر المقيم، وتلقيتُ من الباب العالي أمرًا بمحاربة الوهابيين في الجزيرة العربية فانتصرت عليهم، وكوَّنتُ جيشًا من المصريين، وفتحتُ السودان، وقُتِل ابني إسماعيل في الحرب فانتقمتُ له بقتل عشرين ألفًا من العدو، وأنشأتُ للجيش مدارس ومصانع، كما أنشأتُ أسطولًا مستعينًا في ذلك كله بالخبراء الفرنسيين، ولم أُغفِلِ الإصلاح؛ فأدخلت زراعات جديدة كالقطن والنيلة والأفيون، وغرست الأشجار والحدائق، كما أنشأت مدارس للطب، وبنيت المستشفيات، وأرسلت البعثات من أبناء البلاد لفرنسا بلد الحضارة الحديثة، ونظَّمتُ الإدارة والأمن، ومن آثاري الكبرى القناطر الخيرية، كما أنشأت أول مطبعة في الشرق وهي مطبعة بولاق، وطلب مني الباب العالي أن أحارب عنه في المورة والشام فحققتُ انتصارات عظيمة حتى حلَّ الرعب في قلب الباب العالي نفسه، فأراد أن يوقفني عند حدي، ولكني حاربته وغزوتُ بلاده، وكدتُ أستولي على عاصمته لولا تدخُّل الدول الأجنبية التي خافت أن تتجدد دولة الإسلام على يدي، وتآلبَتْ عليَّ الدول، واضطرتني للخضوع للباب العالي نظير أن يجعل مصر وراثية في بيتي، واضطُرِرتُ لتصفية الجيش وكثير من المدارس والمصانع، وساءت حال البلاد، ولم أحتمل النهاية ففقدتُ عقلي ثم حياتي!

قال خوفو: كأنها أسرة فرعونية جديدة رغم أصلها الأجنبي.

وقال تحتمس الثالث: لقد أعدتَ إمبراطوريتي، وإني أشهد لقائدك بالبراعة، ولكنك فقدتها في أثناء حياتك فهي أقصر الإمبراطوريات عمرًا في التاريخ، وإني أعجب كيف قتلتَ عشرين ألفًا انتقامًا لابنك، كأنك لم تسمع عن سياستي الحكيمة في الأمم المغزوة؟

فقال محمد علي: لم أسمع عنها، ولم يهتم أحد بآثاركم قبل أن يهتم بها علماء الحملة الفرنسية ويحلون ألغاز لغتها، غير أنني كنت أستلهم حكمتي الخاصة من المعاملة المباشرة للبشر!

فقال تحتمس الثالث: إني أشهد لك بالعظمة، وعلى ضوء ذلك أفهم غرورك، وكان بودِّي أن أتسامح معك لولا النهاية السريعة الأسيفة التي آلَتْ إليها إمبراطوريتيك، وهذا يعني أن إدراكك رغم ذكائك كان ناقصًا، لم تدرك أبعاد الموقف الدولي جيدًا، فتحديته وأنت لا تدري، وعرَّضتَ نفسك لقوة لا قِبَل لك بها.

– اعتقدتُ أن فرنسا ستقف إلى جانبي حتى النهاية!

فقال الحكيم بتاح حتب: هذا أيضًا لا يدفع عنك مظنة قِصَر النظر.

فقال محمد علي: كانت ثمة فرصة مواتية لتجديد دولة الإسلام من منطلق مصر الفتية.

فقال إخناتون: إني أدرك ذلك تمامًا؛ وأُحيِّي طموحك لإحياء دولة الواحد الأحد!

فقال الملك خوفو: ليتك وضعتَ عبقريتك وأحلامك في تقوية مصر، وقنعتَ بذلك.

وقال أبنوم: لم يكن إيمانك بالشعب كاملًا، ولا حبك له بالقَدْر الذي يجعلك توظِّف جهدك الحقيقي لإحيائه ودعمه، استخدمتَ الفلَّاح في سبيل الأرض والدولة، وكان الواجب أن توجِّه كل مؤسسة لخدمة الشعب، ولكن لا يفكِّر بهذه الطريقة إلا مَن كان مثلي أنا .. ومهما يكن من أمرٍ فلن أنسى لك فضل دفعك الفلاحين إلى مسرح الإدارة والسياسة والعسكرية والعِلم.

وهنا قالت إيزيس: من أجل ذلك أعتبر هذا الحاكم الأجنبي من أبنائي.
وقال أوزوريس: لو كانت هذه المحكمة هي صاحبة الفصل في تقرير مصيرك لوجهتُ إليك نقدًا قاسيًا، وتوبيخًا جارحًا، ثم حفظتُ لك حقك في مقعدك بين الخالدين، وسنرفع بشأنك تقريرًا إلى محكمتك الإسلامية ينوِّه بأعمالك الجليلة، وسيُعتبَر في جملته تزكية لشخصك من مصر وآلهتها.

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة