خرج رئيس وزراء الهند وزعيمها التاريخي "نهرو" إلي سلم الطائرة بأسوان لزيارة مشروع السد العالي في 17 مايو، مثل هذا اليوم 1960، وكانت الأعمال تدور فيه بهمة وبمساعدات فنية ومادية من الاتحاد السوفيتي(روسيا).
كانت وقائع هذه الزيارة مثيرة، وتركت حفاوة استقبال الزعيم الهندي انطباعا لا ينسي، حسب "جورجي سوخاريف" الذي عمل لمدة خمس سنوات تقريبا نائبا لكبير الخبراء السوفييت في بناء السد، وكتب ذكرياته عن هذه الفترة في كتاب "السد العالي الهرم العظيم للقرن العشرين"، وضمت هذه الذكريات زيارات لرؤساء وقادة عالميين لموقع السد.
يتحدث "سوخاريف" عن الزعيم الهندي بإعجاب مظهرا وجوهرا، يذكر: "عندما خرج نهرو إلي سلم الطائرة بقبعته البيضاء كالحليب، وسترته ذات الصف الواحد من الأزرار بالشريط الأحمر التقليدي المركب في عروتها، وقبل أن يتعانق مع كبار مستقبليه من الشخصيات الرسمية، حوصر بحلقة كثيفة من الأطفال المصريين والسوفييت الذين حملوا إليه الزهور، وأهدوها للإنسان الذي كان يحب الأطفال حبا عميقا، وسادت لحظات من سعادة الطفولة البريئة، ولم يكن من قبيل الصدف أن تنظم الهند سنويا مسابقة باسم "نهرو بين رسوم الأطفال لاختيار أفضلها".
رغب نهرو في التوجه رأسا إلي موقع البناء، بعد أن شاهد البانوراما الهائلة للأعمال عندما قام ملاح الطائرة بالتحليق فوق منطقة البناء، وفقا لما يذكره "سوخاريف"، مضيفا: "أدت الآلاف العديدة من المصريين التحية الحارة لزعيم الشعب الهندي علي طريق موكبه الذي كانت تزينه الأعلام الهندية والمصرية، أما المنازل فكانت مزدانة بصوره، وعندما قمنا باستعراض البناء أمام نهرو، وضح لنا أنه يهتم أكثر ما يهتم بالبشر من البناة، من هم؟، وكيف تمكنوا من إتقان إدارة معدات البناء الحديثة، وماهي كثافة عملهم؟".
يتذكر "سوخاريف"، أن نهرو بالرغم من أنه كان قليلا ما يوجه أسئلة، غير أنه كان يحدق في وجوه الناس مستقرئا الإجابات عن الأسئلة التي طرحها في فكره، يقول "سوخاريف": "أتذكر أنه عندما توقف أمام احدي الحفارات حيث كانت تعمل فرقة عمل "فلاديمير خاركين"، ومساعده "محمود فرج " أن سأله نهرو: أي مصنع سوفيتي ينتج هذه الحفارات وكم تكاليف الواحدة منها؟"، ويعلق "سوخاريف": "كما يتضح أن نهرو كان مهتما بهذا الموضوع أكبر الاهتمام، كما كان اهتمامه بالماكينة الجبارة، وبعد ذلك سأل عن "الدبلوم" الذي يحمله ميكانيكي الحفارة، وشرحنا لضيفنا الكبير أنه في العادة يقود هذه الماكينات حملة الدبلومات من الفنيين".
يضيف "سوخاريف"، أنه حسب التقاليد المرعية كان يتم الترتيب لكبار الضيوف أن يقوموا بإجراء أحد التفجيرات في جرانيت أحد قطاعات القناة، بأن يضغط الضيف علي مفاتح التفجير ، وبهر نهرو قول الدكتور حسن زكي أن البناء يتطلب تفجير ونقل أحجار يقدر حجمها ب 24 مليون متر مكعب من الجرانيت، ونقلها للإنشاءات وذلك دون حساب المواد الأخرى، وكان رئيس الوزراء الهندي يتمتع بذاكرة قوية، لذا عقد مقارنة مع كمية وأحجام الحفر في الصخور التي جري تنفيذها في الهند عند بناء سد "هيراكودي".
يتذكر "سوخاريف"، أن يوم الزيارة كان شديد الحرارة، لذا تم تفقد البناء بطريق النيل وقت الأصيل، ولا ينس ما حدث أثناء ذلك، قائلا: " كاد أن ينتهي بكارثة كبيرة، إذ أن الزورق الصغير الممتلئ من أحد جوانبه بأولئك الذين كانوا يرغبون في الوقوف علي مقربة من الضيف الكبير كاد أن يفقد توازنه، وينقلب في الماء، لذا اضطررنا أن نخفف من الحمل البشري".
في المساء، تناول الضيف طعام العشاء في قصر الضيافة الرسمي في أسوان، ويؤكد "سوخاريف"، أن التعب الشديد كان قد أصاب الجميع، وعلي ضوء القمر بدأ الحديث متباطئا في بدايته، وقال نهرو عندئذ: "سوف يكون من الممكن بالتعمق في التاريخ تحليلا إجراء تقييم كامل لعظمة كل ما يجري تنفيذه علي ضفاف النيل بمساعدة الاتحاد السوفيتي، إن هذا البناء الرائع يعتبر مفتاح السعادة والازدهار للملايين من المواطنين في بلادكم، لقد رأيت اليوم مآثره الجليلة".
يضيف سوخاريف: "كان رئيس وزراء الهند يولي دوما اهتماما كبيرا لتكوين الصناعة الثقيلة الوطنية وصناعة توليد الطاقة ومشاريع البناء الضخمة، لذا مست أسئلته وأحاديثه هذه القضايا في المقام الأول، وهي المسائل التي كان الشعب الهندي قطع في حلها طريقا طويلا ونمي فيها جهوده".
يسجل "سوخاريف" انطباعه عن أسوان في هذه الأيام من خلال مارآه وعايشه، قائلا: " لايمكن لمن يزور أسوان أن يبقي غير مبال بذلك الشئ الرائع الذي يبدعه عقل وسواعد الشعب، ذلك الشئ الذي دشن انتصاره علي الطبيعة وتغييرها، لقد تعلم الناس هناك يملؤهم حب الحماس وحب العمل بناء حياة جديدة، وأدركوا أهميتهم ومكانتهم في مشروع البناء هذا"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة