يحتفل العالم باليوم العالمي للمتاحف كل عام فى 18 مايو، وعادة ما يكون اليوم فرص لإلقاء الضوء على المتاحف والاهتمام بها، والمتاحف عرفتها الشعوب منذ القدم، فهل عرفها العرب؟
يقول كتاب تاريخ آداب اللغة العربية لـ جرجي زيدان تحت عنوان المتاحف العربية:
المتاحف على الإجمال
المتاحف أو مستودعات التحف لفائدة الجمهور من ثمار هذه المدنية، اتخذتها الأمم الراقية وسيلة لتوسيع معارف الناس وترقية أذواقهم، على أن الملوك والأمراء كانوا قديمًا يخزنون التحف للتفاخر بها. ومن أقدم تلك الخزائن خزائن أحشويرش الآشوري، ومستودع التحف في هياكل أفسس ودلفي وأثينا، ومدارس البطالسة في الإسكندرية، وغيرها من أهل المدنيات القديمة.
العرب والمتاحف
وكان للعرب حظ وافر من هذه الخزائن، وأضافوا إليها آثارًا تاريخية، بدءوا بذلك من الدولة العباسية، فقد كان في خزائن العباسيين تحف تاريخية من مخلفات أسلافهم الأمويين يحفظونها في خزائن الأمتعة، وتجاوز الفاطميون ذلك إلى تخصيص القصور للتحف التاريخية منذ نحو ثمانمائة سنة، وكانوا يسمونها الخزائن، منها خزانة الجوهر، وخزانة الأسلحة، وخزانة الفرش، وليست هي من قبيل مخازن اللوازمات كما يتبادر إلى الذهن، لكنها تشتمل على تحف تاريخية تُنسَب إلى أصحابها من الخلفاء والأمراء، كالكئوس البادزهر التي عليها اسم هارون الرشيد، وبيت هارون الرشيد الخز الأسود الذي مات فيه بطوس، وحصير الذهب الذي يُظن أن بوران بنت الحسن بن سهل جليت عليه للمأمون، وزنه ١٨ رطلًا، ورقعة للشطرنج والنرد أحجارها من الجوهر والفضة، وكان في خزائن الفرش مقطع من الحرير الأزرق التستري القرقوبي غريب الصنعة، منسوج بالذهب وسائر ألوان الحرير، كان المعز لدين الله أمر بعمله سنة ٣٥٣ﻫ، وفيه صور أقاليم الأرض وجبالها وبحارها ومدنها وأنهارها ومسالكها شبه الخريطة، وفيه صورة مكة والمدينة مبينة للناظر، وعلى كل مدينة وجبل وبلد ونهر وبحر وطريق اسمه بالذهب أو الفضة أو الحرير، وكُتِب في آخره: «مما أمر بعمله المعز لدين الله شوقًا إلى حرم الله، وإشهارًا لمعالم رسول الله، في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، والنفقة عليه اثنان وعشرون ألف دينار.» وبيت أرمني أحمر منسوج بالذهب عُمِل للمتوكل على الله، لا مثيل له ولا قيمة، صار إلى تاج الملوك، وصار إليه أيضًا بساط خسرواني دفع له فيه ألف دينار، فامتنع عن بيعه.
وكان في خزانة السلاح درع المعز لدين الله، وسيف الحسين بن علي، ودَرَقَة حمزة بن عبد المطلب، وسيف جعفر الصادق، وكان عندهم في خزائن أخرى منديل القائم بأمر الله العباسي، وغير ذلك، وناهيك بالجواهر والحلي الثمينة مما لم يعهد له مثيل عند غيرهم، هذه كلها ذهبت بالفتن في أثناء الدولة الفاطمية، وما بقي ذهب بذهاب الدولة.
على أن المتاحف كانت مقفلة لا يدخلها غير أصحابها، ولا نفع للناس بها، أما المتاحف لخدمة الناس، فمن مستنبطات أصحاب المدنية الحديثة، بدءوا بها من القرن الخامس عشر في إيطاليا أسبق أمم أوربا إلى الاقتباس من العرب، واقتدت بهم سائر تلك الممالك، ثم أخذنا ذلك عنهم بشكله الحاضر كما أخذنا سواه من أسباب هذه المدنية، وإنما يهمنا من هذه المتاحف ما كان خاصًّا بالآثار العربية، أو يتعلق بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة