نواصل سلسلة مقدمات الكتب، ونتوقف اليوم عند كتاب "الإسلام والمسلمون في الأدب العالمي" للكاتب محمود قاسم، والذي يبدأ الكتاب بمقدمة اختار أن يسميها "قبل أن تقرأ".
في هذا الكتاب يمكن أن تجد الجانب الآخر من الحقيقة، الجانب الذي لا نعرفه بشكل واضح حول الإسلام والمسلمين في منظور الكثير من أدباء العالم المعاصر.
***
فقد تَنبهنا دومًا على آراء نقلت إلينا الصورة السلبية حول هذا الموضوع؛ حيث نظر الكثيرون إلى الغرب دومًا بمنظور العداء، وتعاملوا مع المستشرقين على أنهم قدَّموا الكثير من الصور السلبية حول الإسلام والمسلمين.
وفي هذه المقدمة، أعترف أن ما كتبته هنا حول روايات وكتب، عن الجانب الإيجابي، إلى حدٍّ ما، هو حصيلة العديد من القراءات التي قمت بها على فترات طويلة متقطعة، وقررت أن أقدِّمها في كتاب في هذه السلسلة العريقة، التي قرأنا فيها لعتاة القلم والكتابة.
قبل أن أتحدث عن فحوى هذا الكتاب، فقد شاهدت في العديد من الأفلام الروائية المصرية مشاهد تُبين مدننا، وقد افترشتها القمامة الكثيفة والتخلف الحادُّ، وكانت بمثابة ديكور يكشف الواقع، وساعتها تساءلتُ: تُرى هل لو رأينا مشاهد أخفَّ حدة في أفلام عالمية؛ فماذا سيكون رد الفعل؟ سوف نَتهم صُنَّاع الأفلام أنهم ينظرون إلى الجانب المشوَّه في حياتنا، وقد دفعني سؤال مشَابه إلى محاولة للبحث عن الصور السلبية في حياتنا التي ظهرت في الإبداع العالمي مثل: الإرهاب، والتطرف، والعنف، والتخلف؛ فهل هي موجودة فوق أراضينا، أم أن مَن صوَّر وكتب عنها، هو الذي صنعها … وهل حاولنا أن نغيِّر الصورة، أو نحسِّن منها، أم أننا تركناها تتفاقم؟
على كُلٍّ فإن ما جاء في هذا الكتاب بعيد تمامًا عن الصورة التقليدية التي تكوَّنت في أذهان الكثيرين مِنَّا، فسوف نرى كيف صوَّر أدباء من كل أنحاء العالم كيف أن المسلمين متحضرون، صنعوا وشاركوا في بناء الحضارات قديمًا وحديثًا، وأغلب هذه الكتابات سطَّرتُها منذ سنوات قليلة، لم تكن الأخبار الرئيسية في نشرات الأخبار العالمية والعربية حول الإرهاب، والتفجيرات التي تُحدِثها فصائل إسلامية في أنحاء متطرفة من العالم، وبرغم ذلك فلدينا نماذج مشرِّفة من لغات متعددة، وثقافات متنوعة تعترف أن المسلمين قوم تحضُّر، وأن الإسلام دين يدعو إلى المعرفة، والتقوى، والتحضر.
نعم، هو كتاب متنوع، مصادره الأساسية موجودة في اللغة الفرنسية، والإنجليزية، واليونانية، والإسبانية، والروسية، وغيرها من اللغات، بما يعني تعدد الثقافات، وقد جاء الكتَّاب بأنفسهم إلى أرضنا وعاشوا فيها، وكتبوا رواياتهم ومؤلفاتهم من منظور الاحتكاك مع ثقافتنا، مثلما فعل الإسباني «خوان جوبتسولو» الذي عاش في القاهرة سنوات عديدة، وكان دائم التردد عليها، كما أقام في المغرب لفترات متقطعة، وأيضًا الفرنسية «إيزابيل أبرهارد» التي اعتنقت الإسلام وأقامت في الجزائر، وكتبت عنها. والكاتب الكندي من أصل سريلانكي الذي عاش في مصر وكتب روايته «المريض الإنجليزي» التي تدور أحداثها حول المازي الذي سميت باسمه منطقة ألماظة في القاهرة، وهي رواية عاطفية تدور أحداثها في أثناء الحرب، وحصلت على جائزة بوكر، وتحوَّلت إلى فيلم حصل على العديد من جوائز الأوسكار، كما أن الروائي الروسي «باخيش بابايف» كتب رواية عن المليك المصري الشاب «توت عنخ آمون»، وكتب الروائي الأسترالي «دافيد بالدرستون» حول «الطريق إلى دمشق»، أما الكاتب اليوناني المشهور «نيكوس كازانتزاكيس» فقد جاء إلى مصر عام ١٩٢٦م، ودوَّن في كتابه «رحلة إلى مصر» تفاصيل رحلته إلى سيناء، فرآها أرضًا مقدسة لأصحاب العقائد الثلاث، وكان كتابه بمثابة إضافة لأعماله الشهيرة «زوربا اليوناني» و«الإغواء الأخير للسيد المسيح»، و«المسيح يُصلَب من جديد» و«الإخوة الأعداء».
ومن المدهش حقًّا، تلك الرؤى المستقبلية التي تخيَّلها الكاتب الفرنسي جيرار دوفييبه في رواياته عن الشرق الأوسط، وهي روايات بوليسية من نوع التجسس؛ ففي أعماله عن المنطقة العربية، تخيَّل كيف تكون نهاية كل من أنور السادات، ومُعمَّر القذافي؛ حيث جاء التخيُّل غير بعيد عما حدث في الواقع، وقد كتب روايته «مؤامرة في القاهرة» فكرة قريبة من اغتيال الرئيس أنور السادات، أما في روايته «الطريق إلى طرابلس» حول نهاية معمَّر القذافي فقد نُشِرت قبل ثلاثين عامًا مما حدث في ليبيا، ومثل هذه الرؤى المستقبلية في روايات شبيهة لم ترَ مثيلًا لها في أدبنا العربي الذي كثيرًا ما يقف أصحابه ضد الحاكم فقط بعد سقوطه مثلما حدث في السنوات الأخيرة في بلادنا.
وقد كتب عن المسلمين — وأحوالهم — أدباء عالميون بارزون، منهم الكاتب «جوزيف كونراد» واحد من أهم الروائيين البريطانيين في النصف الأول من القرن الماضي، وصاحب رواية «قلب الظلمات»، وهو لم يكتب عن المسلمين بشكل مباشر، لكنه وصف الحُجاج الذين ركبوا سفينة في طريقها إلى الأرض المقدسة لأداء فريضة الحج في روايته «لورد جيم»؛ فكان الوصف بمثابة الصورة الحقيقية عن طيبة المسلم، ونُبله، وسكينته، والجدير بالذكر أن أغلب أعمال كونراد قد تُرجمَت إلى اللغة العربية، خاصة ضمن سلسلة «الألف كتاب».
في بعض الأحيان، كانت الكتابات بقلم أصحابها المسلمين، مثل الروائية التركية «كينزة مراد»، التي زارت مصر أكثر من مرة، وذلك في روايتها «فيما يخص الأميرة الميتة»، وهي رواية حديثة حول أمها، ابنة أحد آخر السلاطين العثمانيين.
ومن الروايات المهمة المعاصرة أيضًا، هناك «الطبَّالة الصغيرة» تأليف الروائي البريطاني «جون لوكاريه»، وهو أحد الكتَّاب القلائل الذين جعلوا من رواية التجسس أدبًا حقيقيًّا، كما أن رواياته ظلت لسنوات الأكثر مبيعًا في العالم، ولم تُترجَم له أيٌّ من رواياته إلى اللغة العربية، ومنها «الجاسوس الذي أتى من الصقيع» حول الهروب عبر جدار برلين، وكانت رواية «الطبَّالة الصغيرة» هي العمل الأدبي الأوحد الذي تُرجِم إلى اللغة العربية في روايات الهلال، حين كنتُ سكرتيرًا للتحرير بها، فتُرجمَت كاملةً حول الصراع العربي الإسرائيلي. وقد كشف الكاتب أن المناضل الفلسطيني ليس إرهابيًّا، كما يُشاع في الإعلام الغربي، لكنَّه يعمل على إعلاء قضيته الوطنية، ويصف الكاتب خِسة عميل الموساد في اصطياد خصومه من المناضلين في مدن أوروبا.
وفي وسط الحملة الضارية في فرنسا ضد ثوار الجزائر الذين ناضلوا لتحرير بلادهم من الاستعمار الفرنسي؛ فإن كاتبة بارزة هي «كلير أتشرللي» تنشر روايتها «إليز أو الحياة الحقيقية» التي تصف فيها قصة حب بين فتاة فرنسية فقيرة، وشاب جزائري يُناضِل مع جبهة التحرير الجزائرية، تم اعتقاله؛ فقررت أن تستكمل مسيرته، هذه الرواية حصلت على جوائز مرموقة في فرنسا، وكانت شاهدًا على أن الصورة المألوفة للعربي والمسلم غير صحيحة.
هذا هو كتابنا الذي نقدم فيه العديد من النماذج التي يمكن أن نجد الكثير من مثيلاتها في الأدب العالمي المعاصر، كي نتأكد أن هناك توازنًا بين الرؤى العالمية حول الإسلام والمسلمين في الأدب العالمي. ولا نستطيع أن نؤكد أننا قدَّمنا كافة النماذج الأدبية في هذا المضمار؛ فهناك روايات لها شهرتها مثل «لورنادون» وغيرها، ولا شك أن المجال يتسع لعمل موسوعي ضخم في هذا المضمار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة