واجهت الحضارات القديمة الحر بطرق لتكييف الجو حيث يذكر الكاتب السورى سائر بصمة جى في كتاب التبريد في التراث العلمي العربي استخدام المصريين القدماء التهوية الطبيعية غير المباشرة في مبانيهم، وذلك بوساطة مدخنة التهوية الرأسية؛ فمقبرة سنوسرت عنخ التي تعود إلى الأسرة 12 حوالي عام 1972 قبل الميلاد توجد تحت مستوى سطح الأرض ويصل إليها دهليز هابط تتخلله أربعة متاريس، وأعلى الممر نفق هوائي يصل إلى سطح الأرض للتهوية الطبيعية، وقد ثبت حديثًا أهمية هذا النفق في ترشيح رطوبة التربة أيضًا.
كما أن الملاقف الهوائية ذات الشكل المثلث عُرفت منذ أيام المصريين القدماء، حيث إنهم استخدموها في مبانيهم في تل العمارنة، وقد ظهرت في رسومات مقابر طيبة التي تعود إلى عام1300 ق.م في مسكن «نب آمون Neb-Amun من الأسرة التاسعة عشرة» المرسوم على قبره، ويبين الرسم ملقفًا مزدوجًا يستخدم أحدهما لدخول الهواء البارد والآخر لتصريف الهواء الساخن.
العرب والمسلمون
ويرى الرحَّالة الأمريكي أ. لوكر أن أول من صنع الملاقف هم عرب لنجة في حين ترى الباحثة نادية الغزي أن عرب لنجة هم «قبيلة جاسم» الذين استوطنوا عمان،وقسم منهم استوطن في «جلفار»، التي هي اليوم مدينة رأس الخيمة في الإمارات العربية المتحدة، في حين أن قبيلة «بني ياس» كانوا يستوطنون في منطقة تبعد عن «أبو ظبي» 37 كيلومتر.
في عهد الأمويين دعا الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عملها في مدينة واسط عاصمته التي بناها في العراق؛ فقد عمد إلى المرافق التي في المجالس ووضع فيها ألواح الجليد، فكانت الرياح تمرُّ في الملاقف ويخرج نسيمها إلى المجالس والصحون، حتى إن الناس استغنَوا عن استخدام المراوح اليدوية حينها، لكن ونظرًا لعدم توفر الجليد دائمًا ولكلفته، تم وضع أكياس الخيش المبللة بالماء أمام فتحة الملقف، فأصبح الهواء يخرج لطيفًا.
وفي عهد أبي جعفر المنصور العباسي اتُّخذت طريقة أخرى للتبريد، حيث كانوا ينصبون الخيش الغليظ، ويُبقون عليه مبللًا بالماء حتى يبرد الجو. وقد كان الخيش ينصبُّ على قبة، ثم اتخذت بعد ذلك الشرائح، وانتشرت بين الناس.
وقد ورد في كتاب «طبقات الأطباء» لابن أبي أصيبعة عن قبة الخليفة هارون الرشيد المكيفة: «حدَّث أبو محمد بدر بن أبي إصبع الكاتب قال: حدَّثني جدي قال: دخلت إلى بختيشوع في يوم شديد الحر وهو جالس في مجلس مخيش بعدة طاقات ريح بينهما طاق أسود، وفي وسطها قبة عليها جلال من قصب، مظهر بدبيقى قد صُبغ بماء الورد والكافور والصندل، وعليه جبة يماني سعيدي مثقلة، ومِطرف قد التحف به فعجبت من زيه. وحين حصلت معه في القبة نالني من البرد أمر عظيم، فضحك وأمر لي بجبٍّ ومطرف، وقال: يا غلام اكشف جوانب القبة فكشفت فإذا أبواب مفتوحة من جوانب الإيوان إلى مواضع مكسوة بالثلج، وغلمان يروحون ذلك الثلج فيخرج منه البرد الذي لحقني".
وذكر المقريزي أن من محاسن أهل مصر أنهم لا يحتاجون في حر الصيف الدخول في جوف الأرض، كما يعانيه أهل بغداد. وكان الأثرياء في ذلك العصر يستعيضون عن دخول السراديب بنصب قبة الخيش أو بيت الخيش. وكانت عادة الأكاسرة أن يطين سقف بيت في كل يوم صائف، فتكون قيلولة الملك فيه، وكان يؤتى بأطباق الخلاف طوالًا، فتوضع حول البيت، ويؤتى بقطع الثلج الكبار فتوضع ما بين أضعافها، وكانت هذه عادة الأمويين أيضًا.
ومن مصر القديمة إلى الإمبراطورية الفارسية، كانت هناك طرق بارعة للتهوية تبقى الناس هادئين لتقليل إحساسهم بالحرارة منذ آلاف السنين، أثناء رحلة البحث عن تبريد خالٍ من الانبعاثات، وهناك كان يأتى دور "مصائد الرياح" أو الأبراج الهوائية التي كانت تلعب دورا يشبه دور المروحة والتكييف في العصور الحديثة.