تحل اليوم ذكرى ميلاد أحد أبرز علماء العرب والإسلام، هو العالم الكبير ابن خلدون الذي لم يقتصر علمه على نوع واحد بل برع في علم الاجتماع والفلسفة والاقتصاد والتخطيط العمراني والتاريخ، حيث بنى رؤيته الخاصة في قراءة التاريخ وذلك بتجريده من الخرافات والروايات التي لا تتفق والمنطق؛ ليكون أوّل من طبق المنهج العلمي على الظواهر الاجتماعية، إذ ولد في مثل هذا اليوم 27 مايو 1332، وكان له أساليب محددة في عرض الآراء.
وحسب ما جاء في كتاب دراسات عن مقدمة ابن خلدون لساطع الحصري، وتحديدًا في فصل "نظرة عامة إلى أساليب عرض الآراء": إن آراء ابن خلدون ونظرياته مسرودة في المقدمة بأساليب مختلفة، نستطيع أن نردَّها إلى الأنواع الثلاثة التالية:
1. يعالج ابن خلدون المسألة بكل تفاصيلها، ويسرد آراءه فيها في فصل خاص، ومن الطبيعي أن درس الفصل المذكور يكفي — في هذه الحالة — للتعرُّف إلى آراء ابن خلدون في المواضيع المتعلقة بتلك المسألة.
2. يتخذ ابن خلدون المسألة الواحدة موضوعًا لفصول عديدة، يبحث في كل فصل منها ناحيةً من نواحي المسألة، ويعرض آراءه فيها، ومن الطبيعي أن التعرُّف إلى رأي ابن خلدون في المسائل المعروضة بهذا الأسلوب، لا يمكن أن يتمَّ بدراسة فصل واحد، بل يتطلَّب مراجعة جميع الفصول التي تتصل بالمسألة.
3. لا يخصص ابن خلدون للمسألة فصلًا ما، بل يتطرَّق إليها بصورة عرضية، ويبحث فيها بمناسبات متنوِّعة في فصول مختلفة، ومن الطبيعي أن التعرُّف إلى آراء ابن خلدون في هذه المسائل يتطلَّب التنقيب في عدد كبير من فصول المقدمة، وكثيرًا ما يستوجب استعراض جميع مباحثها.
وأضاف الكاتب ساطع الحصري في نفس الفصل: إن بحث "الحرب" من أحسن الأمثلة على الأسلوب الأول؛ لأن ابن خلدون عرض آراءه في ذلك في فصل خاص، هو الفصل الذي عنونه بالعنوان التالي: "فصل في الحروب ومذاهب الأمم في ترتيبها"، إنه عالج هذا الموضوع في الفصل المذكور من جميع الوجوه التي خطرت بباله؛ ولذلك يستطيع الباحث أن يكوِّن فكرةً تامةً عن آراء ابن خلدون في الحرب بدرس هذا الفصل وحده.
ونظرية "الدولة والملك" في المقدمة من أبرز الأمثلة على الأسلوب الثاني؛ لأن ابن خلدون عرض آراءه في ذلك في فصول كثيرة، تناول في كلٍّ منها درس القضية من ناحية خاصة، تختلف عن النواحي التي بحثها في الفصول الأخرى. فيترتب على الباحث أن يدرس جميع تلك الفصول؛ ليتوصل إلى فكرة تامة عن نظرية ابن خلدون في "الدولة وتطوُّراتها".
وأمَّا رأي ابن خلدون في "القسر الاجتماعي"، فهو من أوضح الأمثلة على الأسلوب الثالث؛ لأن ابن خلدون لم يُفْرِد لذلك فصلًا خاصًّا، ولكنه لاحظ هذه الظاهرة الاجتماعية خلال أبحاثه المختلفة، وتكلَّم عنها في فصول مختلفة بمناسبات شتى، فلا يستطيع الباحث أن يطَّلع على رأي ابن خلدون فيها إلا بعد درس المقدمة دراسةً تفصيليةً مع نظرات تركيبية.
ولا حاجة للبيان أن أصعب الدراسات هي التي تحوم حول المواضيع المعروضة بالأسلوب الثالث، وأسهلها هي المعروضة بالأسلوب الأول.
إن الدراسات التالية تستعرض أهم آراء ابن خلدون ونظرياته الأساسية، على اختلاف أساليب عرضها.