لم تدر مدينة المحلة بمحافظة الغربية، أن "كرة القدم" ستعيد لها مكانتها من جديد، فبعد أن كانت هذه المدينة العمالية المهمة عاصمة لإقليم الدلتا لسنوات طويلة، سحبت مدينة طنطا البساط منها لتصبح مقرا للحكم في عهد عباس باشا الأول، لتأتي كرة القدم وتعيد الاعتبار للمحلة بظهور الأندية الشعبية التي جعلت اسم المحلة يتردد كثيرًا، لتصبح الاسم الأهم في محافظة الغربية.
ستاد غزل المحلة
من "تقسيمة" بين الخبراء الأجانب الذين كانوا يعملون في شركة غزل المحلة والعمال، لإنشاء نادي رياضي، وحصد لقب الدوري، والوصول لنهائي أفريقيا، ثم الإخفاق والهبوط، حتى الصعود مرة أخرى للدوري بالموسم المقبل.
ما بين هذه الجمل، سنوات طويلة، من الجهد والعرق، والنجوم الكبيرة التي زينت الملاعب المصرية، ورفعت اسم مصر في المحافل الدولية.
مع عودة فريق غزل المحلة للدوري مجددا، قررنا أن نعود لأصل القصة والحكاية، ونوثق رحلة "زعيم الفلاحين" أو "أرجنتين مصر"، كما يطلق عليهم، منذ طلعت باشا حرب حتى الآن.
رحلة للمحلة
نحو 120 كيلو متر، قطعناها من القاهرة للمحلة، للوقوف على القصة من بدايتها، وماذا تغير على مدار نحو 88 سنة؟.
مداخن ستاد المحلة
مجرد أن تطأ قدماك ستاد غزل المحلة، تخطف عينك 4 مداخن عملاقة بمحيط الاستاد، لذلك مصنف أنه من أصعب ملاعب العالم، ويكاد يكون الاستاد الوحيد الملاصق لمصنع، ويتسع لنجو 20 ألف مشجع.
ساعة غزل المحلة
ساعة المحلة
المداخن ليست المعالم الوحيدة التي تخطف الأنظار، بل ساعة شركة مصر للغزل والنسيج التي تفوق في جمالها ساعة لندن، تخطف القلوب والعقول معا، فهي من أبرز المعالم المعمارية لشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، فتم إنشاؤه على يد المهندسين الإنجليز وذلك بعد إنشاء الشركة على يد طلعت باشا حرب، فتجد في هذه الساعة أثر العمارة الإنجليزية القديمة فهناك شبه وإن كان ليس بالكثير بين الساعة الموجودة في المدينة القديمة المحلة الكبرى وبين الساعة الموجودة في مدينة لندن ساعة بيغ بن، وتعتبر ساعة الشركة أعلى برج وقتي في العالم، ويعتبر أيضا ثاني أقدم برج وقتي في العالم.
ويبلغ طول الساعة 103 أمتار، حيث بنيت الساعة بالخرسانة المسلحة من أول طابق إلى آخر قطعة ،ويبلغ طول العقرب الكبير للساعة 225 سم أي ما يعادل 2.25 متر ويتمثل في وجود 4 مصابيح نيون عليه، ويبلغ طول العقرب الأصغر 125 سم أي ما يعادل 1.25 متر ويتمثل في وجود مصباحين نيون، ويوجد ناقوس يقوم بإعطاء تنبيه كل ساعة وذلك بدق نفس عدد دقات الساعة، وتقع الساعة بجوار ستاد غزل المحلة، وبجوار الساعة مجموعة من الحدائق الجميلة مما يعطى مظهرا جميلا للزائر.
طلعت باشا حرب كلمة السر
يبقى "طلعت باشا حرب"، صاحب الفضل الأكبر على أهالي المحلة، حيث كانت البلاد تشهد طفرة اقتصادية سنة 1936 ، ومن ثم حرص على تأسيس أول شركة غزل ونسيج بالمحلة، ومن ثم تأسيس فريق كرة.
تأسس أول فريق للكرة في نفس العام، وكان يلعب في دوري الشركات على كأس محمد بك سلطان، واستمرت المحلة في الشركات لنهاية الاربعينات، ولكن في 1939 كان هناك أسماء بارزة في فريق غزل المحلة، أبرزهم أنور سليم والحارس الألماني كوستا وحمدان، ومن الأسماء البارزة في فريق المحلة "حنفي هليل" نجم غزل المحلة ومنتخب مصر، الذي أحرز هدفين في منتخب ليبيا، وياني كوميانيديس أحد اللاعبين اليونانين، الذي سجل هدف بالكاس و18 هدف بالدوري.
نافس فريق غزل المحلة بعد ذلك في دوري منطقة بحري، وتم بعد ذلك اختيار ممدوح مختار صقر وعبد الرحمن فوزي للإشراف على الفريق.
تصديات فتحي خورشيد
حارس المرمى المخضرم
من ضمن الأسماء التي لا ينساها أهالي المحلة "فتحي خورشيد"، حارس المرمى المخضرم و"بعبع" المهاجمين، الذي شارك في دورة الألعاب الأولمبية في 1960 في روما و 1964 في طوكيو، وشارك مع منتخب مصر في كأس الأمم الأفريقية 1963 بغانا والتي حصل فيها منتخب مصر على المركز الثالث.
أول فريق لغزل المحلة
صعود المحلة للدوري
صعد فريق المحلة للدوري سنة 1956، وحصل في هذا العام على المركز العاشر من ضمن 18 فريقا، وصولا لحصد لقب الدوري سنة 1972/ 1973، ثم تمثيل مصر في البطولة الافريقية.
الجالية اليونانية بالمحلة
الأجانب في المحلة
الملفت للانتباه أن المحلة كانت تضم عددا من الثقافات، تجمع الأرمن واليونانيين والانجليز، وما يفسر ذلك وجود مقر الجالية اليونانية "المركز الإعلامي" الحالي بالمحلة.
أقدم مشجع في غزل المحلة
أشهر مشجع في تاريخ المحلة
في رحلتنا لتوثيق تاريخ المحلة، كان لابد أن نبحث عن أقدم مشجع في تاريخ المحلة، عمره يتخطى الـ83 سنة، والذي حضر أحلام الفريق منذ اللعب في دوري الشركات وصولا للعالمية.
داخل شقة بسيطة في شارع ضيق بمدينة المكان، وصلنا، لـ"محمد بيومي سليمان"، الشهير بـ"عم أمشير" أقدم مشجع محلاوي، الذي يعتبر بمثابة خازن أسرار الفريق، فرغم تقدم العمر به، إلا أنه يمتلك ذاكرة ذهبية.
على كرسي خشبي بسيط داخل شقته، عاد "عم أمشير" بظهره للخلف، وكأنه يعود بذاكرته لسنوات طويلة، تخطت الثمانية عقود من الزمن، تذكر قصص و"حكايات" زعيم الفلاحين.
الحارس الألماني كوستا بفريق غزل المحلة
"أنا حضرت النادي من التقسيمة للمحافل الدولية، بهذه الكلمات بدأ "عم أمشير" حديثه لـ"اليوم السابع"، قائلا:" فريق غزل المحلة، كان "بعبع" الكبار، فالجميع كان يهاب أرجنتين مصر، وهذا النادي كان "مفرخة" للمواهب وتصديرها لباقي الأندية ومنتخب مصر، بينهم "شوقي غريب، ووائل جمعة، ومحمد عبد الشافي، وإمام عاشور، وصابر عيد".
تصديات فتحي خورشيد
"عم أمشير" قرر حكي القصة من البداية، قائلا:" تأسس النادي باسم الشركة لخدمة الموظفين والعمال رياضيا، وكان يوجد بالمكان مرافق ثقافية مثل المسرح والسينما بالإضافة للمستشفى.
جانب من الجالية اليونانية بالمحلة
وحول سر شعبية نادي غزل المحلة، قال "عم أمشير": اكتسبها من تأسيسه من طبقة العمال التي كانت تقطن بالقرب من النادي، وكانت مواجهة "غزل المحلة" الذي يمثل العمال، مع "بلدية المحلة" الذي يمثل الطبقة الارستقراطية والاقطاعيين منافسة شرسة ينتظرها الجميع، فيما شارك غزل المحلة نحو 43 سنة مرة في الدوري الممتاز.
مقر الجالية اليونانية بالمحلة
إنجازات المحلة
بذاكرة حديدية، ذكرنا "عم أمشير" بأرقام فريق غزل المحلة، قائلا:" حصل على الدوري المصرى الممتاز مرة واحدة موسم: 1972/1973، بينما حصل على المركز الثانى مرة واحدة موسم: 1975/1976، فيما حصل على المركز الثالث خمس مرات فى مواسم : 1978/1979، 1987/1988، 1988/1989، 1991/1992، 1992/1993، ووصل لنهائي كأس مصر 6 مرات، مواسم: 1975, 1979, 1986,1993, 1995, 2001.
ياني كوميانيديس
نهائي أفريقيا بالمحلة
وتابع : كان الإنجاز الأكبر اللعب في دوري أبطال أفريقيا، حتى وصل للنهائي في موسم 1974، وخسر المباراة النهائية أمام كارا برازافيل بطل الكونغو، حيث انتهت مباراة الذهاب بفوز بطل الكونغو 4/2، فيما انتهت مباراة الإياب بهزيمة غزل المحلة أيضاً بنتيجة 2/1، وأتذكر وقتها مانشيت جريدة المساء :" كارا أخدت الكاس.. والمحلة غنت للناس".
استدعاء الخطيب وفاروق جعفر للمحلة
وحول كواليس ذلك اليوم، يقول "عم أمشير:" الدنيا كانت مقلوبة بالمعنى الحرفي، فلك أن تتخيل أن نهائي افريقيا يُلعب في المحلة، حيث احتشدت الجماهير والعمال وأسرهم، لمشاهدة الافارقة الذين حضروا للمحلة قبل النهائي بأيام، فقد طلب بعض المسئولين وقتها من إدارة فريق غزل المحلة نقل المباراة لاستاد القاهرة، لكنهم رفضوا، مبررين ذلك :"عايزين جماهير المحلة تفرح"، واقترح البعض نقل الكابتن محمود الخطيب من الأهلي وفاروق جعفر من الزمالك، كإعارة مؤقتة للزمالك لحصد الأميرة السمراء، لكن إدارة المحلة رفضت، وفضلت اللعب بأبناء المحلة، حيث خرج جموع الأهالي في مسيرات حب وتأييد لهذا الفريق، ورغم الخسارة، لكننا شعرنا بالفخر بالوصول لنهائي القارة بسواعد أبناء المحلة".
وحول عودة فريق غزل المحلة للدوري الأضواء مجددا، قال "عم أمشير": كنت حزينا بهبوط نادي غزل المحلة، خاصة أن الدوري بدأ يفتقد بعض الأندية الشعبية، مثل المنصورة والترسانة والألومنيوم ، وظهرت بعض الأندية الخاصة، ما أفقد الدوري اثارته، فالكرة حياة بالنسبة للبعض، وعودة غزل المحلة للدوري، بمثابة عودة الحياة لنا، وأحلامي أراه على منصات التتويج قبل نهاية العمر".
ممدوح مختار
من ناحيتها، قالت شركة غزل المحلة، إن المنشآت الرياضية منحت حافزا كبيرا لمسئولي المحلة على الاهتمام بالرياضة ، خاصة كرة القدم التي زادت أهميتها وشعبيتها عقب ظهور مسابقة الدورى العام سنة 1948 ، وحرص حمادة باشا مدير عام شركة غزل المحلة على ركل ضربة البداية خلال مباراة الاحتفال بالإستاد الجديد والتي أقيمت أمام فريق سكة حديد أبو زعبل عام 49 ، وكان أصحاب الشرف فى هذا اللقاء التاريخي اللاعبون : أنور رشوان حارس المرمى ، عبد النبى غازى ، أحمد زين ، البسيونى النحريرى للدفاع ، وفى خط الوسط عزت المالكى والمعداوى سنان ، وفى الهجوم طه حافظ ، مصطفى عبد المعطى ، محمد عطا الله ، عباس مرعى ، عوض السقا".
حنفي هليل
أحلام المحلاوية
ورغم مرور هذه السنوات، ولحظات التتويج والانكسار، يبقى غزل المحلة من الأندية الشعبية الكبيرة، مصدره للمواهب، وداعمة للمنتخب الوطني، وتبقى الأحلام ممكنة، والآمال قادمة في هذا الفريق في المواسم المقبلة.