سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 30 مايو.. حشود جماهيرية تونسية فى استقبال أم كلثوم بمطار قرطاج والسماء تمطر فجأة بعد جفاف استمر أربع سنوات

الخميس، 30 مايو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 30 مايو.. حشود جماهيرية تونسية فى استقبال أم كلثوم بمطار قرطاج والسماء تمطر فجأة بعد جفاف استمر أربع سنوات أم كلثوم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

دخلت الطائرة الجزائرية المجال الجوى التونسى فى 30 مايو 1968، فسارعت هيئة الاستقبال لسيدة الغناء العربى أم كلثوم بإرسال برقية ترحيب، جاء فيها: «دخلتم منذ لحظات الفضاء الجوى التونسى فأهلا وسهلا، يسعدنا أن نقدم لكم باسم الجماهير التونسية التى تنتظر لحظة الاستماع إلى صوتكم الخالد أحر عبارات الترحيب فى بلدكم تونس»، حسبما يذكر الكاتب الباحث كريم جمال فى كتابه «أم كلثوم وسنوات المجهود الحربى».


ذهبت أم كلثوم إلى تونس تلبية لدعوة رئيسها الحبيب بورقيبة، والسيدة عقيلته، لزيارة تونس والغناء فيها ضمن جولاتها لدعم المجهود الحربى، وسلمها السفير التونسى بفرنسا محمد المصمودى الدعوة أثناء وجودها فى باريس للغناء فيها، نوفمبر 1967، على أن تتزامن الزيارة مع احتفالات تونس بعيد الاستقلال فى غرة يونيو، وهو اليوم الذى عاد فيه «بورقيبة» من المنفى عام 1955.


تولت وزارة الإرشاد والثقافة والأخبار التونسية الترتيبات اللازمة، وغادرت أم كلثوم مطار القاهرة الدولى فى الساعة العاشرة والنصف صباح 30 مايو 1968، وقبل وصولها بساعتين تقريبا كان مطار قرطاج يشهد حركة غريبة، حيث تجمعت الجماهير داخل المطار وخارجه من مختلف الفئات العمرية، وتطوع سائقو سيارات الأجرة بنقلهم منذ الثانية عشرة ظهرا، وفقا لما يذكره «جمال».


وصلت الطائرة فى الساعة الرابعة عصرا بتوقيت تونس، بعد رحلة دامت ست ساعات تقريبا، وسجل مندوبو وكالات الأنباء التونسية ومصورو التليفزيون المصرى وأكثر من 250 مراسلا صحفيا عالميا لحظة الاستقبال، ويذكر «جمال» أنه حين ظهرت أم كلثوم على سلم الطائرة، تدافعت الجماهير، وكسرت الحواجز الأمنية، وامتلأت أرض المطار بالكتل البشرية، واعتلى الشباب الأسوار وأعمدة البرق، وصعدت السيدة نائلة بن عمار شقيقة السيدة وسيلة بورقيبة على سلم الطائرة، كما صعد الوفد الإعلامى المصرى المكلف بمرافقة أم كلثوم، وفى لحظة درامية غريبة تلبدت السماء بالغيوم، وبدأت تمطر رغم أن تونس كانت تشهد جفافا كبيرا منذ عام 1964، وهذا ما جعل الجميع يطالعون وجه السماء ضراعة وحمدا لله، ويستبشرون خيرا بالزيارة صائحين: «جاءت أم كلثوم ومعها الخير».


قطعت أم كلثوم الطريق من الطائرة إلى قاعة التشريفات بالمطار فى نحو ساعة رغم أن المسافة بينهما لا تزيد على 100 متر تقريبا، وفى هذه الساعة كانت الجماهير تعبر عن فرحتها بالزغاريد والتصفيق ونثر الورود، وبكى البعض فرحا، ومن فرط نشوة اللحظة نسى مذيع التليفزيون التونسى الميكروفون والكاميرات، واندفع مع الجماهير نحو أم كلثوم، وعلقت السيدة نائلة بن عمار على هذا المهرجان الاحتفالى قائلة: «لم يحدث فى تاريخ تونس مثل هذه الفرحة إلا يوم استقلالها.


عقدت أم كلثوم مؤتمرها الصحفى بقاعة المطار، عبرت فيه عن سعادتها وقالت للصحفيين التونسيين: «شعورى وأنا أزور تونس هو شعور المحب الذى وجد حبيبه بعد طول غياب، غمرتونى بالحب وبالزهور، فأنا لا أجد فرقا بين وطنى مصر وبين وطنى تونس الخضراء، سعيدة أنا بكل هذه الأجواء، سعيدة باللقاء الشعبى العظيم وسأسعد أكثر عندما أقف مغنية للجماهير التونسية»، وتابعت: «فرحتى لا توصف، لا تعبر عنها الكلمات، ولا تحددها الألفاظ، إننى سعيدة بهذه الزيارة التى أتمنى أن تكون زيارة حب وأمل».


وسألها صحفى تونسى عما إذا كانت تنوى الغناء للشاعر التونسى «أبى القاسم الشابى» شاعر الحرية والحياة، فأجابت: «يسعدنى جدا، يسعدنى كثيرا، يسعدنى بحق أن أغنى للشاعر الخالد أبى القاسم الشابى»، وبعد انتهاء المؤتمر غادرت المطار بصعوبة شديدة إلى مقر إقامتها وفرقتها والوفد الإعلامى المصرى المرافق لها بفندق هيلتون، وبعد أن شاهد الرئيس التونسى وزوجته الاستقبال الشعبى الهائل لها، ولأجل راحتها قرر تأجيل دعوتها إلى العشاء فى قصر قرطاج إلى اليوم التالى.


حالة الانبهار باستقبال أم كلثوم، دفعت وكالة «تونس أفريقيا» للأنباء الرسمية أن تخالف قواعدها المهنية، وتصدر برقيتها العاجلة الأولى ذات المضمون الفنى فى الخميس 30 مايو 1968 عن هذا الاستقبال قائلة: «ليس حب الجمهور الكبير فى تونس لفن أم كلثوم وليد اليوم، حيث إننا وإن كنا نشاهد اليوم معظم التونسيين من فنانين وأدباء ورجال فكر وجماهير شعبية، يتابع بلهفة دائمة أغنياتها الجديدة، فإن هذا لا يمنع من أن فن أم كلثوم القديم من أغانى وأدوار ومواويل كان ولا يزال له محبوه الشغوفون بسماعه فى بلادنا، ذلك أن ما تغنت به هذه المطربة العبقرية خلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن هو خيرة ما جادت به قرائح أساتذة الفن العربى فى المشرق»، وأضافت الوكالة، أن هذا اللقاء بين أم كلثوم والشعب التونسى ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن التقته فى قائده الرئيس الحبيب بورقيبة فى سهرة أحيتها خصيصا أثناء زيارته لمصر سنة 1965».


وفى يوم 31 مايو 1968 قدمت أم كلثوم حفلها الأول بقصر الرياضة بالمنزة.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة