90 عامًا على إطلاق الإذاعة المصرية.. ما قاله محمد مندور عن الراديو

الجمعة، 31 مايو 2024 04:05 م
90 عامًا على إطلاق الإذاعة المصرية.. ما قاله محمد مندور عن الراديو الدكتور محمد مندور
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تمر اليوم الذكرى الـ90 على انطلاق الإذاعة المصرية في 31 مايو سنة 1934، فما الذي قاله الدكتور محمد مندور عن أهمية الراديو، في كتابه "الثقافة وآلياتها" في الفصل الأول الذي عنونه بـ "الإذاعة":

ما من شكٍّ في أن الإذاعة قد أصبحت اليوم أقوى جهازٍ تملكه الإنسانية لنشر الثقافة والفن وتوجيه الشعوب؛ فنحن قد نجد الآن في العالم العربي قرية ليست بها مدرسة أو مكتبة أو لا تَصِلها الصحف والمجلات فضلًا عن الكتب، وليس بها طبعًا مسرحٌ أو دارٌ للسينما، ولكنني أشك أكبر الشك في وجود قرية ليس بها جهاز للراديو.

ومن المؤكَّد أن حرمان القرى من وسائل الترويح والتثقيف وانعزالها عن الحياة الحضَرية قد كانت من العوامل الفعَّالة في انتشار أجهزة الراديو بالقرى، وبخاصَّةٍ بعد أن أخذت عدَّة أنواع من الفنون والآداب الشعبية في التراجع والانقراض، مثل: مُنشدِي الملاحم الشعبية على الربابة، وخيال الظل، والقراقوز، وصندوق الدنيا، والمغنين الشعبيين، والسامر، والبرجاس وما إليها، بل إنه قد حدث أن رأينا الفنانين والمغنيين الريفيين يأخذون في العدول عن فنونهم وأغانيهم الشعبية كالمواويل وغيرها إلى الأغاني والطقاطيق التي يُذِيعها الراديو؛ وذلك بحكمِ ما لكلِّ شيء وافد من المدن من جاذبية لأهل الريف، حتى لنراهم يجنحون إلى محاكاة أو ترديد كلِّ ما هو مدني، ولو كان أقلَّ جمالًا من أغانيهم ومواويلهم الشعبية.
والذين لا يملكون أجهزة راديو من أهل الريف من السهل أن يسترقوا السمع من جهاز يملكه العمدة، أو أحد أعيان البلدة، أو مقهى أو بقَّال في القرية، بحيث يمكن التأكيد بأن جهاز الراديو لم يعد ينافس جميع أجهزة الثقافة الأخرى من كتب وصحف ومسرح وسينما فحسب، بل أصبح ينافس أيضًا منافسةً قوية الآدابَ والفنون الشعبية المُتوارَث منها والتلقائي المُبتكَر على حدٍّ سواء.

أقل الجهود

ويزيد من أهمية الراديو وشدَّة إقبال الإنسان المعاصر عليه، أنه يمثِّل أقل الجهود في تحصيل الثقافة هو والسينما والمسرح، إذا قِيست هذه الأجهزة بالقراءة التي تتطلَّب مجهودًا عقليًّا وعصبيًّا لا يتطلبه الراديو.

ومن المعلوم أنَّ النظم القانونية والاجتماعية التي توفِّر للطبقات العاملة في الريف، بل في المدن أيضًا، شيئًا من الجهد وأوقات الفراغ لم تأخذ في التسرُّب إلينا إلَّا بعدما أخذ يتقلَّص عنَّا ظلُّ الرجعيَّة والاستغلال؛ فلم يكن هناك تحديدٌ لساعات العمل ولا للأجور، ولا تنظيم لأوقات الفراغ، بل كان العنصر البشري يُستغلُّ في الإنتاج المادي أقبح استغلال وأكثره استهلاكًا لطاقته الإنسانيَّة، بحيث كان من المستحيل أن يجد الفلَّاح أو العامل بعد الفراغ من عمله المُهلِك أيَّ قدرٍ على بذل المجهود اللازم للقراءة والفهم، وكل ما يستطيع هو الاسترخاء أو النوم، وبخاصةٍ أنَّ كل الأعمال الشاقة كانت ولا تزال إلى حدٍّ بعيد تُؤدَّى بالمجهود العضلي بحكم تخلُّفنا في استخدام آلات الإنتاج الحديثة في الزراعة وغيرها من مِهَن الريف والحَضَر.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة