طلبت صحيفة الأهرام من الشيخ محمد الغزالى عدم تحويل خلافه مع رسام الكاريكاتير بالجريدة صلاح جاهين إلى «قضية دينية»، وقالت فى صفحتها الأولى تحت عنوان «كلمة الأهرام» يوم 31 مايو، مثل هذا اليوم، 1962: «الجريدة تؤمن بحرية الرأى، لذلك تنشر نص كلمة الشيخ الغزالى احتراما لحقه فى إبداء رأيه مهما كان مختلفا مع رأى الجريدة، مع إعطاء الحق لصلاح جاهين أن يبدى رأيه هو الآخر فى ما يقوله الشيخ».
كما نشرت الأهرام كاريكاتيرا فى صفحتها السابعة لجاهين بعنوان: «ملاحظة على إغفال الشيخ الغزالى مشكلات المعيشة والمواضيع الحيوية»، وشمل الرسم، صورة لأطفال مشردين تنطق وجوههم بالبؤس والشقاء، وهم يحملون لافتة مكتوبا عليها: «أين الكساء يا مشروع الأزياء، لماذا لا تتكلم إلا عن ملابس النساء؟»، ويظهر الغزالى معترضا طريق المظاهرة وهو يصرخ فيهم، قائلا: «ما بتكلمش عنكم يا جهلاء لأنكم ذكور وما ظهر من جسمكم ليس عورة»، حسبما يأتى فى تحقيق «معركة المنبر والكاريكاتير» بجريدة «المصرى اليوم»، للزميلة كريمة حسن، 28 ديسمبر2007».
جاءت هذه المعركة أثناء انعقاد «المؤتمر القومى للقوى الشعبية»، برئاسة جمال عبدالناصر من يوم 21 مايو 1962، لمناقشة وثيقة «الميثاق الوطنى» التى قرأ عبدالناصر نصها أمام المؤتمر، وحسب صلاح عيسى فى مقاله «لا تفتش عن المرأة»، بصحيفة «الأيام» البحرين -10 يونيو 2015»: «كان الميثاق ينطوى على مجموعة من المصطلحات والأفكار الجديدة والمهمة، أثارت اهتماما واسعا بين أعضاء المؤتمر، وفى الفضاء العام كان من أبرزها فقرة تقول: «إن الآوان قد آن لكى تسقط بقية القيود التى تحول بين المرأة وبين أداء دورها فى المجتمع، وأن تتساوى بالرجل»، وهى عبارة استقبلتها عضوات المؤتمر بتصفيق حاد متصل، شاركهن فيه المتعاطفون مع قضية المرأة من الرجال».
كان «الغزالى» عضوا فى المؤتمر الذى بدأ أعضاؤه مناقشة نصوص الميثاق، وفى يوم 27 مايو 1962 تحدث الشيخ الغزالى معقبا على ما ذكره «عبدالناصر» حول «حقوق المرأة»، وفيما يذكر محمد شعير فى كتابه «أولاد حارتنا، سيرة الرواية المحرمة» أن «الغزالى طالب بتحرير القانون المصرى من التبعية الأجنبية، وتوحيد الزى بين المصريين»، يقول «عيسى» أن الغزالى، توقف أمام الفقرة التى تحدث فيها عبدالناصر عن المرأة: «ليطرح مجموعة من الأسئلة شبه الاستنكارية عن المقصود بالقيود التى تشل حركة المرأة وعن حدود المساواة بينها وبين الرجل؟ وكيف يمكن التوفيق بين ذلك وبين ما ورد فى الشريعة الإسلامية بشأن حقوق كل من الجنسين؟ وكيف يمكن فى ظل هذه المساواة تلافى الأضرار التى تلحق بالأخلاق العامة نتيجة تبرج النساء، واختلاطهن بالرجال؟»، وحسب عيسى: «تخلص عبدالناصر من الإجابة عن هذه الأسئلة بلباقة، بأن طلب من الغزالى أن يقدم للمؤتمر دراسة فى هذا الشأن لكى يناقشها».
صدرت الأهرام يوم 28 مايو 1962 وفى صفحتها الأولى صورة «الغزالى» متحدثا أمام المؤتمر وتحتها تعليق: «لأول مرة فى المؤتمر الوطنى تعرضت المرأة لهجوم من الشيخ محمد الغزالى، ولم تسكت عليه عضوات المؤتمر فقاطعته أكثر من مرة»، وفى يوم 29 مايو صدرت الجريدة برسم لجاهين يعنوان: «هاجم الشيخ محمد الغزالى كل القوانين والأفكار الوافدة من الخارج»، أما الرسم فيصوره واقفا يلقى كلمته أمام المؤتمر بانفعال، وسقطت عن رأسه عمامته البيضاء، ويكتب جاهين تعليقه ساخرا: «الشيخ الغزالى يجب أن نلغى من بلادنا كل القوانين الواردة من الخارج، كالقانون المدنى، وقانون الجاذبية الأرضية».
اشتدت المعركة يوم 30 مايو، بنشر الأهرام كاريكاتيرا جديدا لجاهين يسخر فيه من آراء «الغزالى» فى المرأة والزى الذى ترتديه، فرد الغزالى أمام «المؤتمر» موضحا أن هدف كلمته هو أن «لا يظل الشرق العربى الإسلامى محكوما بقانون فرنسى»، وأنه «لم يهاجم القوانين العلمية الثابتة كالجاذبية الأرضية، لأن الإسلام ليس ضد العلم، ومهاجمة العمامة البيضاء أمر يستدعى أن يمشى العلماء عراة الرأس إذا لم تحم عمائمهم».
وأضاف الغزالى، أنه لم يركز فى كلمته على قضية الأزياء، وإذا كانت الكلمة استغرقت 20 دقيقة، فإن موضوع الأزياء لم يستغرق أكثر من 3 دقائق»، وقال: «هذا المؤتمر يعطى الحق لكل فرد يقول الكلمة الأمينة الحرة التى يجب ألا يرد عليها بمواويل الأطفال فى صحف سيارة ينبغى أن تحترم نفسها».
أثارت العبارة الأخيرة الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام، فنشر «كلمة الأهرام» فى الصفحة الأولى يوم 31 مايو 1962، وطالب من الشيخ محمد الغزالى بألا يحول خلافه مع صلاح جاهين إلى قضية دينية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة