أصدر المجلس الأعلى للطرق الصوفية اليوم بيانًا، يندد فيه بشدة بما أسماه.. الحملة الجاهلة التي تستهدف الإمام الولي العارف بالله، سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه، وتسعى لتشويه سمعته الطيبة ومكانته الروحية الرفيعة.
وفي بيانه، أكد المجلس الأعلى للطرق الصوفية على أن حياة السيد البدوي - رضي الله تعالى عنه - كانت مليئة بالعبادة والتقوى، حيث كان يكرس وقته وجهده لخدمة الدين والمجتمع، دون انحياز إلى أي مصالح شخصية أو مادية.
وفي ضوء هذه الهجمات، أعلن المجلس الأعلى للطرق الصوفية عن تصميمه على اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لمواجهة المسيئين للسيد أحمد البدوي وتقديمهم للعدالة، كما سيقوم بحملة توعية وتعريفية بالتصوف ومناقب الأولياء والأقطاب الصوفية لتصحيح الفهم والتوجيه السليم للرأي العام.
كما أكد المجلس الأعلى للطرق الصوفية في بيانه كذلك على الرفض التام لجميع المشايخ والعلماء وأهل التصوف لتلك الطرق السوقية والألفاظ النابية والصياغات المرفوضة التي يستعملها بعض المهاجمين لمشيخة الطرق الصوفية وللتصوف عمومًا، وذلك تأسيًا بخُلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلـم فيما روي عن أبي عبد الله الجَدَلِي قال: سألتُ عائشة رضي الله عنها ، عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: «لم يكن فاحِشًا ولا مُتَفَحِّشًا ولا صَخَّابًا في الأسواق، ولا يَجْزي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يَعْفو ويَصْفَح».
وعلاوة على ذلك، أشاد المجلس بالجهود الكبيرة للشيخ د. عبدالهادي القصبي، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، في تطوير مشيخة الطرق الصوفية وتعزيز التعليم والبحث العلمي في هذا النطاق، حيث شهدت المشيخة في عهده صحوة إصلاحية في المجال الاداري وإعادة هيكلة الجهاز الإداري للمشيخة.
وأضاف البيان أن الدكتور القصبي وقد حقق نهضة علمية تمثلت في تنظيم مجموعة من الدورات العلمية المتخصصة والدروس العلمية اليومية التي تقدمها المشيخة لأبناء الطرق الصوفية على يد نخبة من كبار علماء الأزهر الشريف، وطباعة عدة مخطوطات علمية تطبع لأول مرة، مما أسهم بشكل كبير في ضبط بوصلة التصوف في مصر وإلمام المريدين بعلوم الشريعة والحقيقة لتكتمل دائرة السلوك لديهم.
وأكد المجلس أيضًا على أن قبول الطرق الجديدة وتسجيلها في المشيخة يتم وفقًا لمعايير علمية وقانونية صارمة، لضمان استمرارية النقاء والسمو في الممارسة الصوفية.
وفي ختام البيان، شدد المجلس الأعلى والمشيخة العامة على رفضهم التام لجميع أشكال التجارة والألفاظ النابية التي تستهدف المشيخة الصوفية وتشوه صورتها الطيبة، ودعوا إلى الالتزام بالقيم الإسلامية السامية في جميع الأوقات والظروف، مؤكدة في الوقت نفسه أنهما لا يرضيان بأي نوع من أنواع الفساد داخل الطرق الصوفية وأنهما سيحاسبان بمنتهى الحسم كل من يثبت ضده تهم بالفساد، وأنهما يمدان اليد لكل صاحب فكر غيور على التصوف الذي يعد صمام أمان المجتمع المصري.
الجدير بالذكر ان بعض حسابات السوشيال ميديا وجهت سهام النقد لعدد من اتباع المنهج الصوفى واصفين ان اقامة الموالد يعد بدعة وذلك تزامنا مع مولد السيد البدوي، مما استلزم من المجلس الاعلي للطرق الصوفية التصدي لهذه الهجمات المتشددة الطاعنة في رموز الدين.
من ناحية أخرى أصدر الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، بيانا تفصيلياً حول مكانة السيد البدوى والرد على كل الافتراءات عليه ..
خطورة الخوض في أعراض الخلق وإساءة الظن بهم
وشَّدد الشرع الشريف على حُرمة الخوض في أعراض الخلق وإساءة الظنِّ بهم؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12].
ومن أشدِّ أنواع المعاصي والآثام: ما كان مُتعلقًا بحقوق الأنام؛ من انتقاص حرماتهم التي حفظتها شريعة الإسلام، وصانتها عن الخوض فيها بالفعل أو الكلام؛ فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند"، وأبو داود في "السنن"، والطبراني في "الأوسط"، والبيهقي في "الآداب" و"شعب الإيمان".
التحذير من الخوض في أعراض أولياء الله الصالحين
إذا تعلقت الحرمة بوليٍّ من أولياء الله الصالحين أو سَيِّدٍ من سادات آل البيت الأكرمين عليهم وعلى جدِّهم أفضلُ الصلاة وأتمُّ التسليم: فإنَّ انتقاصه أشد جرمًا، والنيل من عرضه أعظم إثمًا؛ فإنهم موضع نظر الله تعالى، وهو المتكفل بالمُنَافَحَة والذَّوْدِ عنهم؛ قال جلَّ شأنه: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: 38]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]، فالوقيعة في أولياء الله تعالى ومعاداتهم والخوض في أعراضهم وأنسابهم من كبائر الذنوب؛ لأنَّ فيها تعرُّضًا لحرب الله تعالى ومعاداته، ولا طاقة لمخلوق بذلك، وكل امرئٍ حسيبُ نفسِه، وقد قال الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» رواه الإمام البخاري في "الصحيح" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
بيان المقصود بالأولياء
الأولياء هم أهل القرب من الله تعالى؛ بأصل الوضع اللغوي لكلمة "ولي"؛ فالواو واللام والياء أصلٌ صحيحٌ يدل على القرب والدنو؛ كما قال العلامة ابن فارس في "مقاييس اللغة" (6/ 141، ط. دار الفكر)، ولذلك يُذكَرُ الله تعالى بذكرهم؛ كما جاء في الحديث القدسي: «إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْ عِبَادِي وَأَحِبَّائِي مِنْ خَلْقِي: الَّذِينَ يُذْكَرُونَ بِذِكْرِي، وَأُذْكَرُ بِذِكْرِهِمْ» أخرجه أحمد في "المسند"، وابن أبي الدنيا في "الأولياء"، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" من حديث عمرو بن الجَمُوح رضي الله عنه.
نسب سيدي أحمد البدوي
فأما نسبُه الشريف إلى سيدنا الحسين سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فهو ثابتٌ بلا شك ولا ارتياب، باتفاق المؤرخين وعلماء الأنساب ونسبه هو: السيد أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن عمر بن علي بن عثمان بن حسين بن محمد بن موسى بن يحي بن عيسى بن علي بن محمد بن الحسن بن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الُحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان عليهم السلام.
المذهب الفقهي لسيدي أحمد البدوي ومصنفاته
السيد أحمد البدوي رضي الله عنه عارفٌ إمامٌ مقرئٌ فقيهٌ من كبار علماء الأمة؛ فقد كان فقيهًا على مذهب الإمام الشافعي، وكان معتنيًا بكتاب "التنبيه" للشيخ أبي إسحاق الشيرازي [ت: 476هـ]؛ ، وكان في العلم بحرًا لا يُدرَك له قرارٌ؛ كما قال معاصره الشيخ العارف عبد العزيز الديريني [ت: 694هـ]، وله مصنفات في الفقه بقيت منها "رسالة في الفرائض" محفوظة في "مخطوطات أوقاف المشهد الزينبي" و"المكتبة الأزهرية"، وكان يحفظ القرآن؛ كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمته، ويقرؤه بالقراءات السبع المتواترة
مبادئ طريقة سيدي أحمد البدوي
قد أرسى السيد البدوي رضي الله عنه طريقته على الكتاب والسنة، والتزام الواجبات الشرعية؛ فكان من وصاياه -فيما نقله العلامة النور الحلبي في "النصيحة العلوية" (ص: 159)-:
[طريقتنا هذه مبنيةٌ على الكتاب والسنة، والصدق والصفا، وحسن الوفا، وحمل الأذى، وحفظ العهود.. وأن يحافظ الفقير على الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها، مع الإتيان بشروطها وواجباتها وآدابها، وقد قيل: الصلوات الخمس سلسلة تجذب النفوس إلى مواطن العبودية؛ لأداء حق الربوبية، وقد قيل في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾: إن الصلوات يذهبن الخطيئات. وأن يحافظ على نوافل العبادات، خصوصًا ما كان منها من المؤكَّدات..] اهـ.
مكانة سيدي أحمد البدوي وخلفاؤه عند العلماء والأمراء والحكام
السيد البدوي رضي الله عنه هو من الأولياء الذين كتب الله لهم القبول في الأرض عند العامة والخاصة؛ فقد كان معظَّمًا عند العلماء والأمراء، والأغنياء والفقراء، مُهابًا عند الحكام والمحكومين، مُعْتَقَدَ الولايةِ في الحياة وبعد الممات، ودخل مصر فحصل له القبول التام عند العلماء والحكام، والخواص والعوام.
فكان الملك الظاهر بيبرس البُندُقْدَاري [ت: 676هـ] يستقبله ويكرمه وينزله في دار الضيافة الملكية، وكان يسافر لزيارته في طنطا؛ قال الإمام الشعراني في "الطبقات الوسطى" (ق: 103أ، مخطوط راغب): [ولمّا دخل سيدي أحمد إلى مصر خرج الملك الظاهر بيبرس أبو الفتوحات هو وعسكرُه فتلقوا سيدي أحمد، وأكرموه غاية الإكرام، وأنزله في دار الضيافة، وكان ينزل لزيارته لما أقام بناحية طندَتا، وكان يعتقده اعتقادًا عظيمًا] اهـ.
السيد البدوي رضي الله عنه من الأولياء الذين عمّر الله بهم البلاد، وزكّى بهم العباد، فمنذ حلَّ في طنطا -عام 634 من الهجرة النبوية الشريفة- بدأت تعمر محلتها، وتزداد شهرتها، وتكثر أبنيتها، وتتسع عمارتها، وأصبح يقصدها القُصَّاد، ويرتادها الرواد، ويأتيها الزوار والعُبّاد؛ فازدهت عمرانًا بشريًّا، ومركزًا تجاريًّا، ومزارًا إسلاميًّا يُقصَدُ للاحتفال بالمولد النبوي فيه من جميع الأنحاء، وتُشَدُّ له الرحال من سائر الأرجاء؛ وصار ذلك -كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني فيما نقله عنه الإمام الشعراني في "الطبقات الوسطى" بخطه-: [يومًا مشهودًا؛ يقصده الناس من النواحي البعيدة، وشهرة هذا المولد في عصرنا تغني عن وصفه] اهـ.
ومن بركات السيد البدوي على طنطا: أنها صارت بقدومه إليها بلدًا علميًّا سامقًا ومعهدًا قرآنيًّا باسقًا، وصار تدريس القرآن والعلم فيها عريقًا، وازدانت بالعلماء والقُرّاء بريقًا؛ فنشأت فيها حركة علمية، ومنظومة تعليمية، ومدرسة قرآنية، صار فيها الجامعُ الأحمديُّ شقيقَ الجامع الأزهر، وانتسب إليه فطاحل العلماء والأولياء، وتخرّج منه كبارُ الفقهاء وأعاظم القُرّاء الذين تربعوا على عرش القراءة القرآنية؛ بحيث اشتهر بين علماءِ مصرَ قولُهم: "العلم أزهريٌّ، والقرآنُ أحمديٌّ"، وهي مقولة يأثرها القراء وعلماء القراءات عن شيخ المقارئ المصرية وإمام أهل القراءة في عصره ومصره العلامة شمس الدين محمد المتولي الكبير [ت: 1313هـ].
التحذير من الطعن في ولايه السيد البدوي واتهامه بالجاسوسية
أما الطعنُ في ولايته رضي الله عنه أو اتهامُه بالجاسوسية أو التشكيكُ في كونه من الأشراف رغم معرفة ما ترجمه به العلماء والمؤرخون عبر القرون بالسيادة والولاية والعلم والإمامة من غير خلاف: فكلّها مسالك خاليةٌ عن الإنصاف، موغلة في الاعتساف، وخروجها عن المنهج العلمي غير خافٍ؛ لأنَّ ذلك يستلزم اتهامَ أولياء الأمة وعلمائها ومؤرخيها وحكامها قاطبةً بالجهل والغفلة أو التزوير والكذب أو التواطؤ والخيانة! مع ما في ذلك من إفقاد المسلمين الثقةَ في تاريخِهم، وتراثِ مؤرخيهم وعلمائهم؛ فإنَّ الأمَّة متفقة على ولايته وشرفه، ولم يطعن فيه رضي الله عنه إلّا نابتةٌ نبتت منذ عقود -والله أعلم بالقُصود- جامعةً بين المتناقضات فيما تحوكه مِن الاتهامات، مدَّعيةً تارةً أنه لم يكن يصلي، وتارةً أنه كان جاسوسًا شيعيًّا، وثالثةً أنه كان باطنيًّا إسماعيليًّا، ورابعةً أنه حديثُ خُرافة! متجاوزةً بطعنها هذا كل تراث الأمة وتاريخها لكل مؤرخيها وعلمائها، مناديةً لأهلها على جهلها، مِن غير وازعٍ ولا رادِعٍ مِن دينٍ أو أدبٍ أو إنصافٍ، ولا حلمَ ولا علمَ!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة