يواصل المجتمع الدولي، تحذيراته من إقبال قوات الاحتلال الإسرائيلية على عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية، التي تؤوي ملايين النازحين الفلسطينيين، الذين فروا من القنابل والصواريخ التي تسقطها الطائرات الإسرائيلية عليهم في قطاع غزة منذ اليوم السابع من شهر أكتوبر الماضي.
وحذرت دول العالم والمنظمات الإنسانية والحقوقية، حكومة الاحتلال الإسرائيلية بقيادة بنامين نتنياهو، من شن أي عملية عسكرية على المدينة الفلسطينية رفح، فقد أكد البيت الأبيض في بيان، اليوم الإثنين، من أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أكد مجددا خلال اتصال هاتفي مع نتنياهو على موقفه الواضح بشأن رفح.
بايدن الذي تحدث إلى نتنياهو هاتفياً لمدة 30 دقيقة، سعى إلى إنقاذ صفقة الرهائن المتوقفة منذ فترة طويلة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وتجنب عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح، حيث يحتمي أكثر من مليون فلسطيني.
وقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية، مرارا وتكرارا، رفضها لخطة إسرائيل في اجتياح مدينة رفح ، حيث قال ناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي في تصريحات صحفية: "أخبرنا الحكومة الإسرائيلية بوضوح برأينا حول غزو بري كبير لرفح"، وزير الخارجية الأمريكية، انتوني بلينكن، أكد أيضا رفض واشنطن لاجتياح رفح، خلال زيارته الأخيرة إلى تل أبيب.
وبالنسبة لموقف الأمم المتحدة، فقد حذر الأمين العام أنطونيو جوتيريش، من تداعيات الهجوم المحتمل على رفح، ودعا كلا من حكومة إسرائيل وحركة حماس للتوصل إلى اتفاق.
بدوره قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن جريفيث، إن العالم ظل يناشد السلطات الإسرائيلية منذ أسابيع لتجنب هجوم على رفح، إلا أن عملية برية هناك تلوح في الأفق القريب.
وأضاف جريفيث أن اجتياح رفح من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من الصدمة والموت، مشيرا إلى أن ذلك من شأنه أن يوجه ضربة كارثية للوكالات التي تكافح من أجل تقديم المساعدات الإنسانية.
كما حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن أي توغل إسرائيلي في رفح سيعرض أرواح مئات الآلاف من سكان غزة للخطر، كما أنه سيكون ضربةً هائلة للعمليات الإنسانية في القطاع بأكمله. وبالتزامن مع ذلك، أعلنت منظمة الصحة العالمية عن خطط طوارئ لمواجهة التوغل الإسرائيلي الوشيك لرفح.
وحذرت دول ومنظمات إنسانية ودولية من أن عملية عسكرية محتملة في رفح ستخلف أعدادا كبيرة من الضحايا، في حين قالت إسرائيل مرارا إن العملية ضرورية لتقويض ما تبقى من كتائب حركة حماس وتحقيق ما تسميه النصر الكامل في قطاع غزة.
وفي رسالة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن، حذر ائتلاف يضم نحو 50 منظمة إنسانية من تداعيات أي غزو إسرائيلي محتمل لرفح، وفنّد الادعاءات الإسرائيلية بوجود خطة إنسانية ذات مصداقية قابلة للتنفيذ في المدينة التي تؤوي نحو 1.5 مليون نازح.
كما حذرت من أن يؤدي الهجوم الإسرائيلي على رفح إلى تصاعد العنف في جميع أنحاء المنطقة، وإخراج المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار عن مسارها، إضافة إلى احتمال انهيار مركز توزيع المساعدات الرئيسي في غزة.
في السياق ذاته، حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من أن نحو 600 ألف طفل في رفح مهددون بـ"كارثة وشيكة جديدة"، داعية إلى عدم "إجلائهم بالقوة" في وقت دعت فيه إسرائيل الفلسطينيين إلى مغادرة مناطق من المدينة.
وقالت المنظمة في بيان صحفي "بسبب تركز عدد كبير من الأطفال في رفح وبعضهم في حالة ضعف قصوى وبالكاد هم قادرون على الصمود ونظرا إلى حجم أعمال العنف المتوقع مع "ممرات" إجلاء تنتشر فيها الألغام والذخائر غير المنفجرة والمنشآت والخدمات المحدودة في المناطق التي سينقلون إليها، توجه اليونيسف تحذيرا بشأن كارثة وشيكة جديدة للأطفال".
المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، حذّر من أن هجوما عسكريا إسرائيليا على مدينة رفح في جنوب قطاع غزة "قد يؤدي إلى حمام دم"، داعيا إلى وقف إطلاق النار.
وقال تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عبر منصة إكس "تشعر منظمة الصحة العالمية بقلق عميق من أن عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح بغزة قد تؤدي إلى حمام دم وتزيد من إضعاف النظام الصحي المعطوب أصلا".
بدورها أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الاثنين، أنها لن تخلي مواقعها في رفح بغزة، متعهدة بالبقاء هناك لأطول فترة ممكنة لتقديم المساعدات.
وقالت، في بيان مقتضب على منصة إكس: "الهجوم الإسرائيلي على رفح يعني المزيد من المعاناة والوفيات بين المدنيين. وستكون العواقب مدمرة بالنسبة لـ 1.4 مليون شخص".
على المستوى الأوروبي، جوزيب بوريل، المفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قال "إن أوامر إسرائيل بإجلاء المدنيين في رفح تنذر بالأسوأ، وهذه أمر غير مقبول.
وأضاف في تغريدة على موقع إكس، إن ذلك يعني المزيد من الحرب والمجاعة، ويجب على إسرائيل أن تتخلى عن الهجوم البري وأن تنفذ قرار مجلس الأمن رقم 2728، وتابع: "يمكن للاتحاد الأوروبي، بل ويجب عليه، بالتعاون مع المجتمع الدولي، أن يتحرك لمنع مثل هذا السيناريو".
المعسكر الشرقي أيضا حذر إسرائيل من اجتياح رفح، وحضّت الصين إسرائيل على وقف عمليتها العسكرية في مدينة رفح في أقرب وقت ممكن، محذّرة من كارثة إنسانية في حال تواصل القتال.
وقال ناطق باسم الخارجية الصينية في بيان سابق، إن "الصين تتابع عن كثب الوضع في منطقة رفح وتعارض وتدين الأعمال التي تضر بالمدنيين وتنتهك القانون الدولي"
وأضاف أن بكين تحض إسرائيل على "وقف عمليتها العسكرية في أقرب وقت ممكن وبذل كل الجهود الممكنة لتجنّب سقوط ضحايا مدنيين أبرياء... لمنع كارثة إنسانية أكثر خطورة في منطقة رفح".
وبخصوص الموقف الروسي، فأعرب سفير روسيا بالقاهرة جيورجى بوريسينكو، عن تقديره لجهود مصر الحثيثة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، وتبادل "السجناء والرهائن" بين حماس وإسرائيل، مؤكدا معارضة موسكو قيام إسرائيل بشن عملية عسكرية برية في رفح، جنوب القطاع.
وأكد بوريسينكو فى تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أهمية دور مصر المحوري في توصيل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، حيث لا توجد دولة أرسلت مساعدات هائلة مثل مصر، مشيرا إلى أن روسيا أرسلت 550 طنا من المساعدات الإنسانية المختلفة عبر مطار العريش.
وخلال الدورة الخامسة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامي في غامبيا، شدد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، على رفض بلاده التام لأي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح الفلسطينية، كذلك ترفض تركيا العملية الإسرائيلية المحتملة.
وعن الموقف العربي، فترفض جامعة الدول العربية، وكافة الدول العربية وعلى رأسها مصر، من اجتياح رفح، وقد حذر البرلمان العربى، من بدء كيان الاحتلال التمهيد لاجتياح مدينة رفح الفلسطينية وارتكاب أكبر جريمة إبادة جماعية بحق مليون ونصف المليون فلسطينى، محملاً كيان الاحتلال المسؤولية كاملة عن التصعيد الخطير للأحداث، وعرقلة مسيرة المفاوضات لإنهاء العدوان.
ودعا البرلمان العربي، الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي بالضغط على كيان الاحتلال الإسرائيلي لمنعه من إرتكاب مزيد من المجازر والجرائم بحق الشعب الفلسطيني، ومحاسبته على الانتهاكات الخطيرة التي يرتكبها بحق القانون الدولي، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ووقف العدوان، محذراً من الصمت المخزي الذي يشجع قادة كيان الاحتلال بالاستمرار في حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية.
وتعد مدينة رفح آخر ملاذ للنازحين في القطاع المنكوب، فمنذ بداية العملية البرية التي شنتها قوات الاحتلال على قطاع غزة في الـ27 من أكتوبر الماضي، يُطلب من المواطنين التوجه من شمال القطاع ووسطه إلى الجنوب، بادعاء أنها "مناطق آمنة".
ومعظم أهالي مدينة رفح من اللاجئين الفلسطينيين الذين لجأوا إليها بعد نكبة 1948، وفيها مخيمات: الشابورة، والمخيم الغربي، ومخيم يبنا، ومخيم بدر، والمخيم السعودي، ومخيم الشعوت، وبلوك "أو"، والعديد من المخيمات تحت مسميات مختلفة.
واليوم، تتسع رفح على ضيق مساحتها المقدرة بنحو 65 كيلومترا مربعا، لأكثر من 1.5 مليون فلسطيني، اضطر أغلبيتهم إلى النزوح إليها سعيا إلى الأمان.
ويواجه النازحون ظروفا مزرية داخل آلاف الخيام المنتشرة في جميع أنحاء المدينة، حتى إن الأرصفة ازدحمت بتلك الخيام، وتحولت الطرق الرئيسية إلى أسواق مكتظة.