- برنامج الأغذية العالمى بمصر: محافظات الصعيد تستحوذ على الغالبية من فصول ومدارس التعليم المجتمعى.. والطالبات الأكثر التحاقا بها بنسبة 76%
«الفرصة الثانية».. هكذا يمكن التعبير عن التعليم المجتمعى الذى أعاد الأمل لمئات أو آلاف الطلاب فى اللحاق بركب التعليم مجددا بعد أن حرموا منه لظروف اقتصادية أو اجتماعية خارجة عن إرادتهم ولا دخل لهم بها، تسببت فى حرمانهم من التعليم وترك أحلامهم التى رسموها وعاشوا بها لسنوات طوال ظنوا معها أنها صعبة المنال، قبل أن يأتى التعليم المجتمعى ويفتح أمامهم أبواب الأمل مرة أخرى، وأكد لهم أن الأحلام من الممكن تحقيقها والطموحات قابلة للتحول لواقع وأن الفرص قد تتكرر والحواجز يمكن تحطيمها والمرور منها، وأن ما عليهم سوى الاجتهاد لتحقيق مستقبلهم، وهذا ما تم رصده من خلال هذا التحقيق عن التعليم المجتمعى، عبر إجراء «معايشات، ولقاءات» مع المنظومة القائمة عليه من معلمين وإداريين وأولياء أمور فى محافظتىّ «القاهرة، والجيزة»، تم التعرف من خلالهم على قصصهم وآليات التعلم داخل هذه المدارس والتحديات التى يسعون لتخطيها والتغلب عليها والتعقيب عليها من المسؤولين فى وزارتى التربية والتعليم، والتضامن، وبرنامج الأغذية العالمى عبر ممثليه فى مصر، ليظل حلم الادراج فى التعليم من خلال مدارس وفصول التعليم المجتمعى باب أمل لا يغلق.
مفهوم التعليم المجتمعى
قبل الدخول فى التحقيق، تجب الإشارة إلى معنى التعليم المجتمعى وتوضيح مراحل تطوره ويقصد به: «هى المدارس ذات الطبيعة الخاصة التى يتم إنشاؤها عادة فى المناطق المحرومة من الخدمات التعليمية، والنائية وتقدم المدارس المجتمعية مساعدات شهرية مشروطة للأسر فى هيئة تحويلات نقدية أو حصص غذائية لتشجيع الأطفال على الانتظام فى الدراسة».
مراحل التطور
بدأ هذا التعليم منذ عام 1993 بإنشاء ثلاثة آلاف مدرسة ذات فصل واحد فى الأماكن النائية وفى عام 1996 قررت الوزارة أن تكون هذه النوعية من المدارس مرحلة منتهية، باستثناء من يظهر تفوقا ومهارة ورغبة فى استكمال التعليم، فيمكن لهؤلاء مواصلة الدراسة.
وفى عام 1998 تم تعديل القبول إلى ست سنوات، وفى عام 2000 تم التصريح والموافقة للجمعيات بإنشاء هذه الفصول بهدف التصدى لظاهرة التسرب من التعليم والأمية.
كانت بداية التعرف على التعليم المجتمعى فى «حى شبرا»، التابع لمحافظة القاهرة، وتحديدا بمدرسة «الكحال» التابعة لإدارة الساحل التعليمية وبداخلها تم لقاء عدد من القائمين على تلك المنظومة من معلمين وطلاب وأولياء أمور ومعرفة التحديات التى تواجههم عبر الاستماع لتجربة كل ولى أمر كل على حدة.
وتقول «رنا. ب» - 32 عاما - متزوجة ولديها ابنتان، تم إدراجهما فى التعليم المجتمعى الذى كان بمثابة طوق إنقاذ لأبنائها لاستكمال تعليمهما، حيث لم يتم قيدهما بأى مدرسة نتيجة للخلافات الزوجية فضلا عن الظروف الاقتصادية الصعبة التى عايشوها.
خلافات زوجية
وتقول «رنا. ب»: نشأت فى أسرة بسيطة مكونة من 3 شقيقات و4 أشقاء لأب ينتمى للعمالة غير المنتظمة، وتم زواجى لأحد الحرفيين، وأقمت بمنطقة الخصوص، فى إحدى الشقة الخاضعة لقانون الإيجار الجديد، وأنجبت ثلاثة من الأبناء، وبعد فترة انتقلنا للإقامة مع والدته لعدم قدرة زوجى على دفع الإيجار، ونتيجة الظروف الاجتماعية حدثت «مشاكل زوجية» ولم أستطع قيد أولادى بأى مدرسة واستمر الحال حتى انتقلت للإقامة فى شقة والدتى بمنطقة الساحل، وعلمت بطريق الصدفة بالمدرسة المجتمعية، مضيفة: «وبالفعل قيدت أولادى بالمرحلة الابتدائية بها وتكفلت المدرسة بالزى والأدوات المدرسية وتحقق حلمهم فى الالتحاق بالدراسة».
عدم القيد
«رضا السيد» - 36 عاما - إحدى السيدات المنتميات للعمالة غير المنتظمة والتى اضطرتها ظروفها للعمل للإنفاق على أولادها الثلاثة لعدم وجود عائل لهم بعد انفصالها عن زوجها بسبب الخلافات الزوجية والتى أدت إلى تعنت الزوج فى قيد بعضهم بالسجل المدنى واستخراج شهادات ميلاد، قبل أن تتمكن من استخراج الأوراق فيما بعد وإلحاقهم «بالتعليم المجتمعى».
وتقول: «بعد انفصالى عن زوجى، واجهت أنا وأطفالى ظروفا بالغة الصعوبة، فلم يكن لنا أى مصدر دخل أو عائل يتولى الإنفاق علينا، فاضطررت للعمل حتى أستطيع الوفاء بنذر قليل من احتياجاتهم اليومية، بجانب عدم تمكنى من إلحاق ابنى الأكبر بالدراسة بسبب عدم استخراج شهادة ميلاد له لتعنت زوجى وقتها».
وأضافت: «بعد مرور سن القبول، ظننت أن فرصة لحاقه بالتعليم قد انتهت وكنت أشعر بحسرة وحزن كبير عند مشاهدتى للأطفال بصحبة أولياء أمورهم أثناء توجههم إلى المدرسة، ولكن خلال عملى علمت أن هناك مدارس يطلق عليها «التعليم المجتمعى» تسمح بقبول الأطفال فى سن متأخرة، فتوجهت إليها وتمكنت من إلحاقه بالمدرسة بعد انفصالى عن زوجى، وتمكنى من استخراج شهادة ميلاد له».
سيف «المنحة بعد المحنة»
دائما ما يحمل لنا الواقع قصصا ملهمة قد تكون أشد وقعا وتأثيرا من القصص الدرامية ومنها قصة «سيف»، أحد طلاب التعليم المجتمعى، الذى إن تراه وهو يلهو مع أصدقائه بالزى المدرسى لا يمكن تصور أن وراءه قصة عظيمة بدأت بعد ولادته بعامين فقط، وقتها قرر والداه الانفصال وسرعان ما بدأ الأم والأب حياة أخرى مع شركاء أخرين حيث تزوجت الأم واتبعها الأب وتركوا أطفالهم يواجهون مصيرا مجهولا حتى قرر جيرانهم كفالة الأطفال فتولت أسرة كفالة البنت ورحلت بها بعيدا عن حى الساحل وأخرى تولت كفالة سيف.
وتقول «منى» السيدة الثلاثينية العمر والتى تولت كفالة «سيف»: «أسرة سيف كانوا جيراننا وبعد انفصالهم فوجئنا بزواج الأب من اخرى وكذلك فعلت الأم وتم ترك الأطفال بمفردهم كان الولد وقتها بعمر العامين، والبنت بعمر عام واحد فقط، لذلك قررت أسرة كفالة الأبنة وأخذتها وارتحلت بها بعيدا عن حى الساحل، وتم ترك «سيف» وتدخلت وأخذته ليعيش معنا وتعلقت به فأنا أشعر بأنه ابنى أقوم على كل شؤونه من مأكل وملبس وتعليم حيث تم قيده بمدرسة التعليم المجتمعى وهو من المتفوقين بها وعند زواجى اشترطت على زوجى انتقاله معى إلى شقة الزوجية - مدللة على حبها الشديد له- بقولها: من شدة تعلقى به اشترطت على زوجى انتقاله معى إلى شقة الزوجية فأنا لا أستطيع الابتعاد عنه ليوم واحد وبعد الأن بمثابة الأخ الأكبر لأبنائى ويتم تنظيم لقاءت مستمرة بينى الأسرة التى تولت كفالة شقيقة سيف ويشاهدها باستمرار لافتة أنها بصدد الانتهاء من إنهاء الأوراق الثبوتية لـ«سيف» من أجل الحاقه بالتعليم المجتمعى».
ويقول الدكتور أنور محمود إبراهيم - مدير عام إدارة الساحل التعليمية: التعليم المجتمعى يقوم بدور عظيم حيث يعمل على إعادة المتسربين إلى التعليم لاستكمال دراستهم سواء لمن تم قيده من قبل أو الذين لم يتم ادراجهم فى سجلات وزارة التربية والتعليم، ولكن يصادفه بعض التحديات منها التمويل نظرا لكبر الأعداد التى تقبل على ذلك النوع من التعليم نظرا لأن الطالب لا يتم تحميله بأى أعباء مالية هو أو أسرته وهو مبدأ وقاعدة تلتزم بها وزارة التربية والتعليم بهدف تعميم التجربة والعمل على إنجاحها.
وهو ما تؤكد عليه الدكتورة مروة محمد جادالله، مدير عام إدارة التعليم المجتمعى، بمديرية القاهرة التى شددت بورها على أهمية التعليم المجتمعى ودره البارز فى العملية التعليمية حيث يعمل على إعادة آلاف الطلاب الذين توقفوا عن التعليم إلى التعليم مرة أخرى والعودة لاستئناف دراستهم أو القيد الجديد، لمن لم يتم ادراجه لأى سبب كان وهو يعمل على تغيير مجرى حياتهم بالكامل.
وتابعت: وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية لتلك التجربة إلا إنه عدد من النقاط يجب عدم إغفالها لكى نضمن استمرار تلك المنظومة وهى «التعليم المجتمعى» القائم بالأساس على الدعم الأهلى والمجتمع المدنى حيث تتولى الجمعيات الأهلية إنشاء والإنفاق على تلك الفصول لذلك فنحن بحاجة ماسة للمزيد من دعم المجتمع المدنى وزيادة عدد الجمعيات الأهلية العاملة فى ذلك النشاط بجانب تخصيص عددا من المعلمين لمدارس وفصول التعليم المجتمعى فضلا عن ضرورة تحديث المناهج الخاصة به، لافتة إلى ضرورة توجيه الجهات المانحة لتوزيع دعمها على المحافظات ولا تقتصر المنح الخاصة بها على محافظات الصعيد فقط.
ومن شبرا تم الانتقال إلى إحدى المؤسسات المجتمعية التابعة لوزارة التضامن العاملة فى مجال التعليم المجتمعى بمحافظة الجيزة والتى تضم مبنى به عدد من الفصول لمراحل التعليم المختلفة وملعب لممارسة الرياضة للطلبة والذين عبروا عن سعادتهم بإتاحة الفرصة لهم وتمكينهم من استئناف تعليمهم مجددا سواء لمن انقطعوا عنه أو قيدهم لأول مرة.
ومنهم «يوسف شعبان» - 15 عاما - من مواليد محافظة المنيا ويدرس بالصف السادس الابتدائى والابن فى أسرة مكونة من شقيقتان فى مراحل التعليم المختلفة، والذى رفض والده قيده فى التعليم والعمل فى محل لصناعة الأثاث لمساعدته فى الإنفاق على الأسرة وتوفير احتياجاتها بحسب قوله.
وأوضح «يوسف»: كما ساهم بعد المسافة بين المدرسة الابتدائية ومنزلنا فى المنيا فى تعزيز موقف والدى بحرمانى من التعليم وقتها قبل أن يتغير ذلك بانتقال أبى أو لأسرة بالكامل لمحافظة الجيزة للالتحاق بفرصة عمل أفضل وبأجر أعلى نجح صديقه فى توفيرها له وتحديدا فى «حى الطالبية» التابع لمحافظة «الجيزة» والذى نصحه بضرورة تعليمى وأشار عليه بفكرة التعليم المجتمعى، التى تعمل على توفيرها إحدى المؤسسات دون أى أعباء أو التزامات مالية حيث تعمل على توفير الملبس والأدوات المدرسية بجانب أنها قريبة من محل السكن الخاص بنا وهو ما رحب به والدى.
أما «ب. و» - 12 عاما - إحدى الطالبات التى رفضت ذكر اسمها نظرا لعمل والدها معلم بإحدى المدراس الابتدائية فتقول انتقلنا للسكن بمحافظة الجيزة ودائما ما ننتقل من منزل لآخر كل فترة بسبب الإيجار الجديد «المؤقت» وخلال هذه الفترة لم ينجح والدى فى قيدى بالتعليم بأى مدرسة أما لبعد المسافة بينها وبين محل السكن أو بسبب ارتفاع المصاريف حتى علم من خلال أصدقائه بوجود هذه المدرسة والتى تجتمع فيها كل المواصفات من حيث قربها من المنزل بجانب تكفلها بكامل النفقات الدراسية والملابس.
وبعد معرفة بعض التحديات التى تواجه التعليم المجتمعى بناء على القصص التى تم جمعها من خلال «المعايشات ولقاءات الأسر والطلاب والمعلمين»، بمحافظتى «القاهرة والجيزة» تم الانتقال إلى الحى الحكومى بالعاصمة الإدارية الجديدة لنضع بين يدى المسؤولين فى وزارتى «التضامن والتربية والتعليم» ما حصلنا للتعقيب عليها.
وقال الدكتور سمير الفقى مستشار وزارة التضامن: إن وزارة التضامن لها دور كبير فى منظومة التعليم المجتمعى من خلال المدارس التى تشرف عليها والمنتشرة فى العديد من محافظات الجمهورية، موضحا أن الدور المنوط به لوزارة التضامن الاجتماعى دور مساعد لوزارة التربية والتعليم المسؤول الأول والأخير عن التعليم.
وأوضح أنه تتم الموافقة على المدراس أو الفصول المجتمعية بعد استيفاء شروط محددة أهمها بعد المسافة بين أقرب المدرسة وبين محل سكن الطلاب المستهدفين والتى تم تقديرها من قبل وزارة التربية والتعليم بـ2 كيلو، ففى هذه الحالة تعمل وزارة التضامن على إنشاء فصل مجتمعى بجانب الشروط الأخرى، وهى: أن تكون المنطقة أو الحى المراد إنشاء فصلى مجتمعى بحاجة ماسة لهذا بجانب تجميع الجمعية لشهادات ميلاد الطلاب إدراجهم بالفصل المجتمعى، على أن تعمل الجمعية على استيفاء الشروط الأخرى التى حددتها وزارة التربية والتعليم، على سبيل الحصر وهى: أن تتقدم الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدنى المشهرة بوزارة التضامن الاجتماعى بطلب فتح مدرسة مجتمعية إلى الإدارة المركزية لمكافحة التسرب التعليمى وتعليم الكبار بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى أو لفروعها بالمديريات التعليمية، على أن يتم إرفاق الأوراق والمستندات التى ينص عليها القرار، ويتم تشكيل لجنة من الإدارة المركزية لمكافحة التسرب التعليمى وتعليم الكبار، وتتخذ الإدارة المركزية لمكافحة التسرب وتعليم الكبار «إدارة المشاركة المجتمعية» قرارها سواء بالقبول أو الرفض.
من جانبها، قالت دعاء عرفة مديرة برامج الحماية الاجتماعية ببرنامج الغذاء العالمى بمصر: إن مدارس التعليم المجتمعى تمنح الطفل فرصة الالتحاق بالتعلم والدراسة، وقرابة 76% من الدارسين بها من الطالبات، ويحصل أولياء الأمور على دعم نقدى شهرى لتشجيع الطلاب على التعلم، حيث يعمل البرنامج بالتعاون مع الحكومة المصرية لتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر فقرا واحتياجا فى القرى والمدن ومن ضمن الفئات المستهدف الأسر أولياء أمور الطلبة الموجودين فى المدارس المجتمعية، لافتة إلى أن دعم المدارس المجتمعية يحدث منذ 2003 ويتم التوسع فى محافظات وقرى كثيرة والعمل يتم على محورين، منها مساعدات مباشرة لأسر الطلاب وأيضا بناء القدرات المؤسسية سواء للمعلمين أو الشركاء الحكوميين على مستوى الإدارات والمديريات التعليمية.
وأوضحت «عرفة»: أن الدعم المقدم للمدارس المجتمعية يتم من خلال تقديم وجبات جافة للطلاب، أما الأسر فتحصل على دعم نقدى مقدر بـ 360 جنيها مشروط بنسبة حضور الطالب فى الفصل المجتمعى بنسبة لا تقل عن 80% من أيام الشهر حتى تحصل الأسرة على الدعم النقدى كاشفة على أن أعلى معدل وصول كان 130 ألف أسرة، لكنه مختلف من عام لآخر.
وأضافت: أنه يتم تنفيذ أنشطة كثيرة بهذه المدارس، من خلال عمل صيانة لها ومدها بالبنية التكنولوجية، وتوصيلها بشبكة الإنترنت وتدريبات للمعلمات بشكل متواصل للدخول على منصات وزارة التربية والتعليم، وتوفير شاشة تفاعلية وتابلت لدى المعلمة لاستخدامها فى الفصل، كما تشمل هذه التدريبات التوعية بالزواج المبكر، وعمالة الأطفال بالتعاون مع جهات حكومية.
وأكدت، أن نتيجة لهذه الجهود المستمرة فإن محافظات الصعيد هى الأكثر التحاقا بمدارس وفصول التعليم المجتمعى ثم الدلتا والقاهرة الكبرى، وبرنامج الغذاء العالمى يدعم حوالى 4500 مدرسة مجتمعية بنسب بحضور للطلاب تتخطى الـ95% من العدد الاجمالى للطلاب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة