نعيش أيامًا مباركة، حيث يزور حجاج بيت الله الكعبة المشرفة، ويعبدون الله ويشكرونه على نعمه، ويرجون من الله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا، وقد تحدث العلماء في الحج المبرور وشروطه ومن هؤلاء الشيخ الشعراوي في كتاب "الحج المبرور" فما الذي قاله؟
يقول الشيخ الشعراوي:
عندما تدخل بيت الله الحرام وتطوف حوله تجد الدموع تملأ عينيك لماذا؟
كثير من الناس لا يعرفون لهذا سببا ولكن البكاء في هذا المشهد تعبير عن ترك الكبرياء الذي طالما صاحبك، وعلى قدر ما تذرف من دموع.. على قدر ما يذهب عنك من كبرياء. وإذا كان البكاء مظهرا من مظاهر الضعف والحزن، فإنه في الحج ليس كذلك إنه إحساس بالخضوع والعبودية، وأنك قد تخليت عن كل شيء وعرفت قدرك الحقيقى، فأنت تأتى إلى هذا المكان تريد أن تعلن ندمك على ما فعلت وتضرعك الله سبحانه وتعالى ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر.
هذا القرب الشديد من الله وإحساسك به في كل لحظة.. هو الذي يجعل للبكاء روحانية تغلب عليها الفرحة ، فرحة التخلص من الآثام.. فرحة رضاء الله عنه الذي يحسه ويدركه.. فرحة الاعتراف بالخطأ الذي يعنى عدم العودة بالتوبة
إنها قوة الإيمان الذي يدفع الإنسان إلى التخلى عما يشوب عقيدته وسلوكه من خطأ وانحراف . إن التخلى عن الكبر قوة، وطلب الرحمة والمغفرة قوة.
إن كل من مر بهذه الأحاسيس الجياشة يعرف جيدا إن نفسه قد ارتاحت بعد البكاء.. وكأن قلبه قد غسلته هذه الدموع التي سالت من عينيه الكل يبكى على قدر ما أسرف على نفسه وعلى قدر ما خالف
والعجيب انك بعد أن ترتاح نفسك تشتاق مرة أخرى إلى أن تعود إلى ما يبكيك.. فتأتى مرة ثانية وثالثة إلى الحج ولكن ليس في كل مرة تبكى مثل المرة الأولى.. المرة الأولى كان البكاء فيها بحرقة وبغزارة، والثانية أقل، والثالثة أقل.. لماذا؟
إنك في كل مرة تزداد صفاء وتزداد اعتدالاً في منهجك في الحياة، ومتى دخلت المسجد الحرام ورأيت الكعبة شغلت بنفسك وحدها ونسيت كل شيء، فأنت مشغول بكيف تصلى وكيف تطوف وكيف تسعى وبماذا تدعو وماذا تقول.. أنت مشغول بالله عمن حولك ومادمت مشغولا بالخالق جل جلاله.. فلن يتسع قلبك لسواه.. حتى أولادك لن يخطروا على بالك إلا بانتهاء المناسك ويتعجب الناس لذلك لكن.. لا مجال للعجب.
تعظيم الكعبة
يقول بعض الناس إن الاختلاط بين الرجال والنساء قد حرمه الدين.. فلماذا لم يمنع الاختلاط في الطواف؟ إننا نشاهد الرجال والنساء وهم يطوفون لا يكاد يمر الواحد منهم إلا بجهد جهيد من الزحام الشديد.. ونقول لهؤلاء أن كل طائف وطائفة مشغول بما هو فيه لقد تراجعت النوازع وتلاشت النزغات.. فلم يعد أحد يدرى بمن حوله.. كل مشغول بالله مشغول بعبادته مشغول بنفسه.
وبالنسبة للصلاة فى بيت الله الحرام تجد كل الاتجاهات في الصلاة قد اختلطت كيف ؟ نحن حين نصلى في مساجدنا في بلادنا بعضنا يتجه شرقا وبعضنا غربا وآخرون شمالا وآخرون جنوبا ، ولكن عندما نصل إلى بيت الله الحرام فإننا لا تلتزم بهذه الاتجاهات، هل يجوز لى فى مصر وأنا فى أحد المساجد أن أصلى إلى الركن اليماني ؟ هل أفعل ذلك عندما أذهب إلى الكعبة أبحث عن الركن اليماني الأصلى إليه.. لا بل أصلى إلى ركن من أركان الكعبة وأتذكر قول الله تعالى:
وَاللَّهِ الْمُشْرِقُ وَالْغَرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَشَمَ وَجْهُ اللَّهِ
( من الآية 115 من سورة البقرة)
هذه هي عظمة العبادة
أنت في بيت الله الحرام تكون الكعبة كلها أمامك ، والواجب عليك أن تعظم كل مكان فيها ، كل جزء منها ، ولا يتم ذلك إلا بالطواف حولها .
وقد قالوا : إن الطواف يكفى أن يكون مرة حتى يحقق هذا المعنى ، ولكن الكعبة على هيئة البيت المعمور ، فكأنك إذا سرت في جو الكعبة تنتهى إلى البيت المعمور .
إن الذين يصلون فى الدور الثالث فى الحرم يكونون أعلى من ارتفاع الكعبة ولكنهم يستقبلون جوها .. فجو الكعبة يمثل الكعبة حتى البيت المعمور في السماء السابعة ...
فلو كنت تستقل طائرة متجهة إلى الكعبة تصلى فيها وأنت متجه إلى جو الكعبة .. ولأن السماوات سبع فتقول لمن يرى أن الطواف مرة واحدة حول الكعبة تعظيم لكل أجزائها نقول له : تمثل المعراج فإنك إذا قضيت الأشواط السبعة أمام الكعبة فكأنك عرجت ن في قلبك صفاء وإشراق إلى السماوات السبع بشرط أن يكون في
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .. ولا حرج على فضل الله المنعم ... الذي شملت عطاياه جميع الخلائق.