ضمن الأخبار التي بات سماعها حدث عادي خلال اليوم، هي تلك المتعلقة بحوادث الطرق، غير أن هناك زوايا إنسانية في الأمر تجعل التوقف عند التفاصيل ضروري، لأن الأصل في النشاط الإنساني تحقيق السعادة للإنسان، والاستثناء أن تنعكس الأمور، مثل أن يتحول عرس إلى مأتم، أو رحلة مدرسية إلى مأساة إنسانية، أو حتى خروج أحدهم للعمل باحثًا على تحقيق الحياة الكريمة لأسرته، فتتحقق مأساة إنسانية على الطريق، إذ لم يكن يخطر ببال الأسرة أن رحلتها إلى المصيف بحثًا عن الخروج من ضغوط الحياة، ستجلب لهم ضغوطًا إضافية، تستمر باقي العمر، بسبب حادث، خلف وراءه ضحايا ومصابين، بينما كانت وجوه الأطفال تملؤها السعادة والفرح والابتسامات، قبل انقلاب الحافلة التي تقلهم في رحلة مدرسية، وربما تتخيل أنه لن يفيدك ما أسفرت عنه التحقيقات في الحادث، والتي كشفت أن اختلال العجلة بيد سائق المركبة ليست سبب الحادث، وأن عدم انتباه السائق للطريق كانت ضمن أسباب الكارثة، غير أن الواقع والعلم والمنطق يخبروك أن تلك الأسباب مهمة، وتحتاج للتعامل معها بجدية، واستخدام نتائج التحقيقات في منع تكرار ذلك مستقبلًا، أو على الأقل العمل على تقليل معدلات ضحايا هذا النوع من الحوادث.
"حادثة يا ناس.. الحقونا ميكروباص وقع في الترعة.. الحقوا الركاب يا ناس حد يلحقهم".. كلمات سمعتها منذ 30 عامًا عندما كنت أجلس في شرفة بيتنا الذي يطل على ترعة المنصورية بإحدى قرى الدقهلية، كنت طفلة في الخامسة من عمرها، أقف في الشرفة لأشاهد المارة وهم ذاهبون لأداء صلاة الجمعة في المسجد، وأنظر إلي أوراق الشجر الموجود أمام المنزل، وأطفال الجيران بالشوارع ويمتلئ قلبي بالبهجة، لينقلب اليوم رأسًا علي عقب، وتتحول سعادة الطفلة الصغيرة إلى مشهد حزين ومخيف عندما شاهدت سيارة ميكروباص تسقط في الترعة بعدما اصطدمت السيارة بأخرى، وتفاجأ السائق بمطب فاختلت عجلة القيادة وتغير اتجاه السيارة وسقطت بمن فيها من ركاب، وظل المشهد يطارد ذهني، متسائلة: "إيه اللي حصل وهل هيخرجوا، وليه مين السبب هل مشكلة في الطريق أم خطأ من السائق؟"، ولم تستطع ذاكرتي محو هذا الحادث إلى اليوم، لأبحث في أسباب وقوع حوادث، وهل هناك علاقة بين صلاحية الطريق ونسبة وقوع حوادث السيارات أم رعونة قيادة أم مشاكل بالسيارات، ومن ثم فنحن نحتاج للاستعانة بالأرقام في ذات الشأن، حتى نصل إلى نقاش جاد وعلمي حول الأمر.
ووفقًا لتقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول حوادث الطرق خلال الـ10 سنوات الماضية، فأكدت البيانات أن هناك العديد من الأسباب لوقوع الحوادث والتي تكمن في السرعة الفائقة وعدم الالتزام بقواعد السلامة والأمان ووجود مشاكل بالسيارات، فذكرت التقارير أن 76% من إجمالي حوادث الطرق خلال العشر سنوات الماضية جاءت لأخطاء بشرية وما يقرب من 20% من الحوادث تلفيات موجودة بالسيارات، وما يقرب من 4 بالمائة فقط يرجع إلي مشاكل الطرق، الأمر الذي حاولت الجهات المسئولة في الدولة محاربته عن طريق إصلاحات الطرق، وتخطت مصر قرابة 100 مركز من حيث جودة الطرق، فبعد أن كانت في المرتبة 118 عام 2014، أصبحت الدولة رقم 18 عالميًا من حيث جودة الطرق، الأمر الذي يعكس تطوير البنية التحتية، وتحسين الطرق في الدولة.
https://datawrapper.dwcdn.net/ycNG1/1/
"اتجه محمد صاحب الـ 18 عامًا، بصحبة والده لزيارة طبيب القلب بعد كثرة حالات الوفاة المفاجئة، ليطمئن علي الحالة الصحية له وعلي إمكانية ممارسته الرياضة، ليرد الطبيب "أنت كويس جدًا زي الفل"، لم يكن علي علم أن قضاء الله سينفذ بعد أيام وليس بمشكلة في القلب، و تحطمت أحلامه في ممارسة الرياضة لوفاته بحادث سيارة".
وبحسب البيانات تبين أن إجمالي عدد الحوادث التي وقعت خلال الـ10 أعوام الماضية وصل إلي قرابة 143028 سيارة ما بين نقل وأجرة وملاكي، والذي نتج عنه تلف 143 ألف و28 سيارة، ووفاة 64767 وإصابة 482 ألفا و228 مصابًا، من بينهم أكثر من 210 ألف راكب، و170 ألف من المشاه، و107 ألف سائق، وجاءت محافظات الدقهلية والقليوبية وبني سويف، والشرقية، والقاهرة والجيزة، ضمن أعلي محافظات من حيث معدل إصابات حوادث الطرق، فيما شملت قائمة أقل محافظات من حيث معدل إصابات الحوادث، كلا من الإسماعيلية، وشمال سيناء والأقصر، وبورسعيد، وأسوان، ودمياط، والوادي الجديد، واحتلت أشهر يناير ويوليو وأغسطس وأكتوبر ونوفمبر لتسجيل أكبر نسبة إصابات لحوادث الطرق.
وسجلت أشهر ديسمبر ويونيو وفبراير ومارس أقل نسبة إصابات خلال الفترة من 2014 إلي عام 2023، وتبين من خلال البيانات أن وفيات الحوادث تتراوح أعمارهم بين أقل من 15 عامًا إلي 65 عامً، حيث سجلت أعلى فئة عمرية للإصابات والوفاة الأطفال أقل من 15 عامًا ومتوسط الإصابات 35 عامًا، وأن أقل فئة عمرية للإصابات سجلها كبار السن أعلى من 65 عامًا.
https://datawrapper.dwcdn.net/MpmFR/1
وبحسب تقرير نشره المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، تقدمت مصر 100 مركز في الترتيب العالمي لمؤشر جودة الطرق خلال10 سنوات، لتحتل المركز الـ18 عالميًا، بفضل المشروع القومي للطرق، وأن إجمالي أطوال الطرق المستهدف تنفيذها ضمن المشروع القومي يبلغ 7000 كيلومتر، تم تنفيذ 6300 منها بتكلفة 155مليار جنيه، ما سيؤدي إلى زيادة أطوال الطرق الرئيسية بنسبة 29.8%، لتبلغ 30.5 ألف كيلومتر بنهاية عام 2024، مقابل 23.5 ألف كم عام 2014. كما تم تطوير ورفع كفاءة 8400 كيلومتر من الطرق الرئيسية بتكلفة 110 مليارات جنيه، من إجمالي 10000 كيلومتر مستهدف تطويرها، وأن مشروعات إنشاء وتطويرالطرق أدت إلى انخفاض أعداد الوفيات من حوادث السيارات بنسبة 28.6%، إذ سُجِلت5861 حالة وفاة عام 2023، مقابل 8211 حالة وفاة عام 2016، كما انخفضت أعداد المصابين بنسبة 17.9%، لتصل إلى 71 ألف مصاب عام 2023، مقارنة بـ86.5 ألف مصاب عام 2016، وذلك بالرغم من زيادةعدد السكان والسيارات على حد سواء، علمًا بأنه تم اختيار السنة وفقًا لأقدم بيان متوفر بعد تغيير المنهجية.
وكشف التقرير انعكاس مشروعات الطرق على ترتيب مصر العالمي في مؤشر جودة الطرق، إذ سجلت قيمة المؤشر 5.53 نقطة في عام 2024، لتحتل المركز 18، مقارنة ببلوغ قيمة المؤشر 5.46 نقطة عام 2021 لتحتل المركز 18،و4.52 نقطة عام 2019، لتحتل المركز 41، وسجلت قيمة المؤشر ثلاث نقاط عام 2017 لتشغل المركز 105، و2.9 نقطة عام 2015، لتشغل المركز 118.
ومع ارتفاع جودة الطرق بمصر وانخفاض معدل قسوة وعدد الحوادث بشكل العام، ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في تطوير البنية التحتية وتحسين الطرق، إلا أن معدل الحوادث لا يزال مرتفعًا، و مازالت الحوادث المرورية تمثل أزمة كبيرة تشعل الرأي العام، مما تسببه من وقوع عدد كبير من الخسائر البشرية والمادية لاسيما تلك التي تقع على الطرق السريعة والخارجية بين المحافظات"، الأمر الذي دفع النائب العام المستشار محمد شوقي، لتوجيه نيابات المرور في كافة أنحاء الجمهورية، بالعناية الكافية بجرائم تجاوز السرعة، وذلك بفرض غرامات مالية تناسب خطورة التجاوز، وذلك إلى تحقيق التوعية وردع مرتكبي هذه الجرائم، التي تشكل تهديداً مباشراً لسلامة المواطنين والممتلكات.
كما أعلن النائب العام عن الإجراءات القانونية ضد المتورطين في ذلك، وإحالة من يرتكب تجاوزاً صارخاً للسرعة المقررة إلى المحاكمة الجنائية، وذلك ضمن عدد من القرارات الرادعة التي اتخذتها النيابة العامة، لمحاربة حوادث الطرق، والتصدي لمرتكبيها، حيث أكدت أنها ستولي اهتمامًا خاصًا بمراقبة التزام سائقي الحافلات المدرسية وسيارات النقل بالسرعات المقررة، وحمل تلك المركبات للوحات المعدنية المنصرفة لها، وأنها ستتصدى بكل حسم لتلك الظواهر الإجرامية بتقديم مرتكبيها إلى المحاكمة الجنائية، وذلك حفاظًا على أرواح المواطنين وأموالهم، ووجه النائب العام، بالمجابهة الفعالة لجرائم تجاوز الحد الأقصى للسرعة المقررة، وذلك نظرًا لكون لأخطاء العنصر البشري هي المسبب الأكبر للحوادث وفقًا لما أكده اللواء مدحت قريطم مساعد وزير الداخلية الأسبق، الذي فند هذه الأخطاء مؤكدًا أنها تتمثل في تجاوز السرعات المقررة بالطرق، وعدم الانتباه للطريق، وعدم جودة القيادة، والقيادة تحت تأثير المخدرات، وكذلك عدم اليقظة وإهمال الحالة الفنية للمركبة، مشيرًا إلي بعض النقاط الواجب اتباعها لتجنب وقوع الحوادث التي تقع بسبب الحالة الفنية للسيارة، وأولها ثقافة تغيير إطارات السيارة مع انتهاء تاريخ الصلاحية الموجود بالاطار، علي ألا يتجاوز السير بالإطارات أكثر من 60 ألف كيلو متر للتيوبلس، و40 ألف كيلو للعادي، مشددًا علي ضرورة الحفاظ علي ضغط الإطارات وفقًا للمعدل الطبيعي للسيارة حتي يتجنب الانفجار، وعلي ضرورة الالتزام بالسرعة القصوى للطريق حتي نتجنب أخطاء العنصر البشري المسببة لوقوع حوادث السيارات.