"فارس الرومانسية.. رائد الأمن الثقافي.. جبرتي العصر".. جميعها ألقاب أطلقت على الأديب الراحل يوسف السباعي، الضابط بالجيش المصرى الذى كان عاشقًا للأدب.. منذ طفولته.
ورغم محاولاته الدائمة لعدم الخوض في معارك سياسية، إلا أن تأييده لمبادرة الرئيس السادات بخصوص اتفاقية السلام وسفره معه إلى القدس، كانت سببًا في انتقاد الكثيرين له، واتهام بعض الفصائل المتطرفة بتهم مفادها معاداته للقضية الفلسطينية، ونسوا أنه من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية، إذ عبَّر عن رأيه هذا في رواياته والمؤتمرات التي كان يَحضُرها ويُعِدُّ لها.
لقد تناولت الدراما شخصيته باستفاضة، إذ عُرِض في بداية القرن الـ21 مسلسلٌ يحكي سيرته الذاتية تحت عنوان: "فارس الرومنسية"، ومع حلول ذكرى ميلاده الـ107، نسلط الضوء على لقطات من حياة فارس الرومانسية.
ولد في القاهرة في الـ17 من يونيو عام 1917.. والده هو الأديب والمترجم محمد السباعي، الذي كان متعمقًا في الأدب العربي والفلسفة الأوربية؛ ساعده في هذا اتقانه للغة الإنجليزية.. كان يوسف ملاصقًا لوالده، فهو أكبر إخوته، وكان يذهب بمقالات والده إلى المطبعة لجمعها، ويعود بها إليه للتصحيح والمراجعة، مِما أدى إلى تعلقه بالأدب، فحفِظ أشعار عمر الخيام، التي ترجمها والده إلى الإنجليزية.
التحق بمدرسة شبرا الثانوية، وهناك بدأ نشاطه الأدبي، ومع إجادته للرسم، قام بإعداد مجلة، تحولت فيما بعد إلى مجلة المدرسة، بعد أن أعجبت إدارتها.. ونشر في تلك المجلة قصته فوق الأنواء، -التي أعاد نشرها فيما بعد ضمن مجموعته القصصية أطياف-، وفي عام 1935، نَشرت له مجلتي قصة بعنوان "تبت يدا أبي لهب وتب".
وبرغم عشقه للأدب، إلا أنه اختار مجالاً مختلفًا تمامًا في دراسته، فالتحق بالكلية الحربية عام 1935، وتفوق فيها.. أنهى دراسته عام 1937، والتحق بسلاح الفرسان، ثم عاد للكلية بعد 5 سنوات، مدرسًا للتاريخ العسكري.. ويذكر أنه كان له الفضل في إنشاء سلاح المدرعات.. كما تم تعيينه مديرًا للمتحف الحربي عام 1949.
لم يتوقف يوسف السباعي عن الدراسة، ففي منتصف الأربعينيات، حصل على دبلوم معهد الصحافة والإعلام بجامعة فؤاد الأول، كما أنه تعلم كيفية كتابة السيناريو.
وفي منتصف الأربعينيات أيضًا، قرر العودة للكتابة من جديد، فنشر أول مجموعة قصصية بعنوان أطياف، لكنه تعرض لهجوم عنيف، إذ رأى بعض الكُتاب أنه يقلد والده، وقد قرر الرد عليهم، لكن المقربين نصحوه بتجاهلهم.. ولم يستسلم لتلك الانتقادات، بل استمر في الكتابة.
وفي منتصف الخمسينيات، قرر ترك الخدمة العسكرية ليتفرغ للكتابة، وكان قد وصل وقتها إلى رتبة عميد.
ساهم يوسف السباعي في إنشاء العديد من المجالس والجمعيات الأدبية، كنادي القصة، ونادي القلم الدوبي، والمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وجمعية الأدباء، واتحاد الكُتاب.
كما شغل العديد من المناصب، والتي من بينها: "سكرتير المجلس الأعلى للفنون والآداب، رئيس نادي القصة، سكرتير منظمة التضامن الأفروآيسوي، وزير الثقافة، نقيب الصحفيين"، إلى جانب رئاسته لتحرير العديد من الصحف، كمجلة آخر ساعة، والمصور، والأهرام.
ألف السباعي العديد من الروايات والمجموعات القصصية، منها ما تحول إلى أفلام، ك"أرض النفاق، رُدَّ قلبي، السقا مات، إني راحلة، بين الأطلال، نحن لا نزرع الشوك".
أما عن باقي رواياته، فمنها: "نائب عزرائيل، العمر لحظة، ابتسامة على شفتيه، أقوى من الزمن، طريق العودة، نادية، جفت الدموع، ليل له آخر".
ومن مجموعاته القصصية: "يا أمة ضحكت، بين أبو الريش وجنينة ناميش، الشيخ زعرب وآخرون، أطياف"، بالإضافة لمشاركته في كتابة سيناريو فيلم واإسلاماه، مع السيناريست روبرت أندرو، وكتابته لفيلم الناصر صلاح الدين، وفيلم جميلة الجزائرية.
أما عن حياته العائلية، فقد تزوج بالسيدة دولت السباعي، ابنة عمه طه السباعي، بعد قصة حب بدأت منذ الصغر، واستمرت حتى بعد موته، وأنجب منها أبناءه نفيسة وإسماعيل، كان يوسف السباعي يحب زوجته كثيرًا، ويلقبها بـ "منية النفس"، و"مخضوضة هانم" بسبب خوفها الشديد عليه، كما كان يحب الحياة، ويخشى أن يتعرض أبناؤه لليتم في صغرهم، كما حدث معه عندما توفي والده وهو في الـ14 من عمره.
كان يوسف السباعي شخصًا بشوشًا، متسامحًا، يترفَّع عن الصغائر، لم يحدث أن أقحم نفسه في معارك مع مَن حوله، بل كانت المعارك مفروضة عليه دائمًا.
وفي الـ18 من فبراير عام 1978، اغتيل يوسف السباعي في قبرص على يد مسلحين تابعين لمنظمة متطرفة، بسبب تأييده لمبادرة الرئيس السادات بعقد اتفاقية السلام، وسفره معه إلى القدس.. وتسبب اغتياله في أزمة دبلوماسية بين مصر وقبرص.