ترقب شديد أنتاب الكثير منا بمجرد الإعلان عن فيلم أهل الكهف أسئلة كثيرة دارت في مخيلتنا حول الفيلم وصناعه، كيف سيقدموا تلك القصة التي كتبها العظيم توفيق الحكيم منذ أكثر من تسعون عاماً، هل ستناسب العصر؟، هل سنشاهد فيلم تاريخي نفخر به ونتركه للأجيال القادمة كما حدث في أفلام أخرى مثل صلاح الدين الأيوبي؟، والحقيقة أن البوسترات الدعائية للفيلم وكذلك البرومو كان عامل مهم في تقليل حدة القلق قبل مشاهدة العمل.
دارت أولى أحداث الفيلم في عام 620 ميلادياً عندما صدر قرار بالقبض علي أحد المشايخ الذي كان يجلس بصحبة فتية صغيرة يقص عليهم بعض القصص أو يعلمهم بعض التعاليم الدينية والحياتية، وبعد أن ينجح في الفرار يصر هذا الشيخ أن يلقي أخر محاضرة على تلاميذه الذين يجلسون ليستمعوا لأخر كلماته.
وهنا تبدأ أحداث الفيلم برواية الشيخ لأحداث منذ عام 250 ميلادياً، تلك الأحداث التي جعلتنا منذ اللحظة الأولى ننصهرفي عالم أخر وتتسارع دقات قلوبنا ولا نستطيع حتى إلتقاط أنفاسنا، وهذه الحالة لا تحدث كثيراً ولكنها عندما تحدث اعلم أنك وقعت أسيراً لتلك التجربة الدرامية.
بالتأكيد أن أحداث الفيلم بها تغير نوعاً ما عن قصة العظيم توفيق الحكيم ولكن يبدو المورال واحداً، فنحن خلال الأحداث نجد القائد سبيل والذي قام بدوره النجم الكبير خالد النبوي، وهو في المعركة بجانب القائد بولا والذي قدمه الفنان المبدع محمد ممدوح، لوهلة تشعر وكأنك داخل المعركة معهم فقد صممت المعارك ببراعة شديدة تجعلك تردد تساؤلاً بداخلك هل أنا أمام فيلم مصري بالفعل أم فيلم عالمي، فحقاً تلك المعارك قد صممت ونفذت بشكل عالمي نجد فيها النبوي فارس همام ينقض على عدوه بضربة سيف تطرحه أرضاً وجدنا فيها الصديق الذي يدافع عن صديقه وينقذه من موت محتم لتنتهي المعركة الأولى بصرخة إنتصار ليعودوا القائدين سبيل وبولا رافعين رؤسهم أمام الملك دقيانوس هذا الملك الذي يحارب كل من أعتنق المسيحية.
" الحب قوة خفية يحمي المحبين حتي في الحروب" بهذه المقولة نرى جانب أخر لذلك الفارس الهمام القوي، القائد سبيل ، جانب العاشق الولهان وهو يجلس وبين يديه محبوبته بريسكا التي قدمتها النجمة غادة عادل ابنة الملك دقيانوس بالتبني، فقد كان هناك علاقة حب ووعود مقدسة بينهم وطلبت منه بريسكا أن يعلن زواجهم طالما أنتصروا في الحرب ولكنه أكد لها أن ذلك ليس الوقت المناسب فالحرب الحقيقية لم تنتهي بعد.
ونجد أمامنا مفاجأة أخرى عندما يجتمع سبيل وبولا ومعهم التأمان نور ونار الذي قدمه الفنان المبدع محمد فراج، عند الحكيم رشوان توفيق لنعرف أنهم معتنقين المسيحية وأنهم قد خدعوا الملك دقيانوس كل تلك الفترة الماضية، يطلب سبيل من صديق عمره بولا أن يتركه يتعبد ويعود هو، وقبل أن ينصرف يرسل معه رسالة لحبيبته بريسكا التي تعلم اعتقانه المسيحية ليطمئنها عليه ولم يكن يعرف سبيل أن تلك الرسالة ستكون سبباً في كشف أمرهم.
فقد وقعت الرسالة في يد الوزير عرموش الذي لعبه ببراعة شديدة الفنان صبري فواز، وزير يكره سبيل لأنه يرى حب الملك له وحب ابنة الملك بريسكا، فهذا يعني أن سبيل من الممكن أن يستحوذ علي الـحكم، فكانت تلك الرسالة طوق النجاه للوزير وسبباً قوياً للتخلص من سبيل وبولا، جن جنون الملك بعد معرفته بالحقيقة وقرر القبض عليهم ومعاقبتهم أشد العقاب، وكان هذا العقاب قد خطط له ذلك الوزير الماكر علي ثلاثة مراحل هما الأصعب علي الإطلاق، في تلك المشاهد ألتحم المتفرج معهم وكأنه أراد أن ينزل لأرض المعركة ليدافع عنهم فقد وقع عليهم أشد أنواع الإنتقام ولكنهم بشجاعة كبيرة استطاعوا أن يفروا هاربين.
أثناء هروبهم قابلوا مليخة راعي الغنم الذي قدمه المبدع أحمد عيد بخفة دم وحس فكاهي أضفى على الفيلم روح المرح، فكم كنا نفتقد أحمد عيد الكوميديان الذي يرسم البسمة على أفواهنا بأبسط الكلمات والحركات، فلم يجدوا مفرا من الإختفاء في كهف مهجور فدخلوا الأشخاص السبعة سبيل وبولا ونور ونار والحكيم ومليخة وطفل رضيع هو حفيد الحكيم الذي ماتت أمه أثناء ولادته وهم في رحلة الهروب، وناموا من شدة التعب وأستيقظوا بعدما مر عليهم ثلاثة مائة عاما.
بعد أن أنكشف أمرهم من قبل أحد الأشخاص أخذهم الملك لبيته بإعتبارهم القدسيين الذين هربوا منذ 300 عام من الملك دقيانوس، وفي ذلك الوقت نجد تحولا قد طرأ علي شخصية سبيل فقد خرج من الكهف وهو أكثر هدوء ورزانة حتي ملامحه الشرسة التي رأيناها منذ اللحظة الأولى للفيلم قد تحولت لملامح هادئة بها سكينة، ليقابل في قصر الملك شبيهة بريسكا حبيبته ويعتقد أنها هي ويبدأ في تذكيرها بالوعود المقدسة التي بينهم ولكن تطرأ بعض الأحداث التي تصدمهم بالحقيقة بأنهم بالفعل مر عليهم في الكهف 300 عاما، وبعد أن يتعرض بولا لصدمة كبيرة عندما علم ماأحل بزوجته وإبنه وأمه بعد هروبه للكهف، فهنا يقرر بولا العودة للكهف مرة أخرى وقبل رحيله يترك كلمات لسبيل يقول فيها " ارجع الكهف دول مش مؤمنين دول منافقين والمنافقين أسوء من الكفار".
تلك الكلمات تثبتها المواقف لسبيل الذي يجد نفسه قد وقع وسط منافقين وخائنين ويجد نفسه كذلك مضطرا لخوض حرب جديدة ولكن هذه المرة كانت الحرب مختلفة تماما وماخسره فيها جعله يأخذ قرارا بالعودة مرة أخرى للكهف فقد أقتنع أن حياة الكهف هي الأفضل، وبالرغم من أنه وقع في حب بريسكا إلا أنه قرر تركها وحاولت بريسكا أن تظل بجانب حبيبها في الكهف ولكنه رفض وأعطاها الطفل الرضيع كي تربيه خارج الكهف لعله يكون بذرة الخير التي ستزرع، فهل سيستطيع هذا الطفل الذي أطلقوا عليه إسم إنسان أن يغير شيئا؟.
يعد فيلم أهل الكهف فيلم إحترافي يناقش العديد من القضايا المهمة والملحة في المجتمع وسلط الضوء على العديد من الموضوعات، وقدم دروسا علي جميع الأصعدة ، فكل شخصية في الفيلم كانت عميقة ولها بناء درامي قوي تستحق التأمل والدراسة وكذلك التقدير،فجميعها كانت راسخة وبها الكثير من الملامح التي تجعلها تنشأ علاقة بينها وبين المتفرج وخلال الفيلم نجد رؤية فريدة للزمن وكيف يؤثر هذا الزمن على الإنسان.
هناك عناصر هامة لا يمكن إغفالها في الفيلم بجانب التمثيل الذي جعل المشاهد أسير بخياله لتلك التجربة الفريدة، فالملابس كانت عنصرا هاما والتي صممتها المبدعة ياسمين القاضي لتصبح تلك الملابس جزءا لا يتجزأ من المشهد تضيف له الكثير من المعاني والدلالات ملابس غنية تنقل المشاهد لعالم الفيلم، وبجانب الملابس نجد الديكور للمهندس سامر الجمال مؤثرا في مستوى جماليات الصورة، فقد أستطاع الديكور أن يوصل الأفكار وكان يحمل العديد من الدلالات حيث تماشى مع خصوصية السيناريو، فالأفلام التاريخية عادة هي أكثر الأنواع التي تهتم بالديكور حيث أن مصمم الديكور يجد نفسه باحثا في الحقبة الزمنية التي يتحدث عنها الفيلم، وأستطاع مهندس الديكور أن ينقلنا إلى عوالم مختلفة، والحقيقة أن اسم المخرج عمرو عرفة جعلنا علي يقين أننا سنشاهد فيلما مختلفا وسنشاهد نجومنا كذلك بشكل مختلف، فلعل أهل الكهف من أصعب الأعمال وأبدعها لعمرو عرفة على الإطلاق، فقد أستطاع أن يجعلنا نخرج من الواقع ونحلق معه بعيدا في عوالم الفيلم.
وفي النهاية أود أن أؤكد أن فيلم أهل الكهف يعتبر طفرة من طفرات السينما المصرية، ونتمنى تقديم هذا النوع من الأفلام خلال الفترة القادمة، فالجمهور السينمائي متعطش لتلك المتعة منذ زمن، شكرا لكل صناع الفيلم، وشكرا للنجم خالد النبوي الذي لم يخيب توقعاتنا في إختياراته أبدا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة