على طريق الحج تهفو القلوب وتتحرك الجوارح فينهب المرء البيداء ويصل بالقلب إلى مبتغاه وقد ابتغى العلماء من الحج ما ابتغوا فوقفوا في بلاد وتوقفوا في محطات باتت حياتهم المستقرة وهنا نتذكر أبرز العلماء الذين توقفوا في مصر على طريق الحج.
ابن خلدون
توجه العالم المسلم الشهير ابن خلدون إلى مصر، حيث أكرمه سلطانها الظاهر برقوق، وولى فيها قضاء المالكية، وظل بها ما يناهز ربع قرن (784-808هـ)، حيث توفى عام 1406 عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا ودفن قرب باب النصر بشمال القاهرة.
غادر "ابن خلدون" تونس طالبا الرحيل لأداء فريضة الحج، وجد ابن خلدون سفينة تستعد للعودة إلى الإسكندرية فركبها و توجه إلى القاهرة حيث قضى بقية حياته، وتولى هناك القضاء المالكى بمصر بوصفه فقيهًا متميزًا خاصة أنه سليل المدرسة الزيتونية العريقة، وكان فى طفولته قد درس بمسجد القبة الموجود قرب منزله سالف الذكر المسمى "سيد القبة"، توفى ابن خلدون فى القاهرة سنة 1406 م (808 هـ).
ابن جبير
الرحالة والشاعر الأندلسى الشهير ابن جبير كان يعيش فى الأندلس ويعمل لدى أمير غرناطة أبا سعيد، وذات يوم استدعاه يوما ليكتب عنه كتابا وهو يشرب الخمر، فأرغم ابن جبير على شرب سبعة كئوس من الخمر وأعطاه سبعة أقداح دنانير، لذلك صمم ابن جبير على القيام برحلة الحج بتلك الدنانير تكفيرا عن خطيئته.
ترك ابن جبير غرناطة مع صديقه أحمد بن حسان يوم الخميس 8 من شوال سنة 578 هـ/ 1183 م إلى جزيرة الطريف (الطرف الأغر) وعبر البحر من هناك إلى سبته فركب سفينة جنوبية ذاهبة إلى الإسكندرية فركبها يوم الخميس 24 فبراير، ثم وصلت الإسكندرية فى يوم 29 ذى القعدة / 26 مارس أى أنها استغرقت فى سفرها من جزية الطريف إلى الإسكندرية ثلاثين يوما، واستقر باقية حياته فى المدينة الساحلية ومات بها.
المرسى أبو العباس
العالم الصوفى، وأحد أبرز رجالات الصوفية فى سلسلة الطريقة الشاذلية، والذى ولد فى مدينة مرسية فى الأندلس عام 616 هـ الموافق 1219م، وفى عام 640هـ الموافق 1242م اعتزم والده الحج إلى بيت الله الحرام فصحبه معه وكذا أخيه وأمهما، فركبوا البحر عن طريق الجزائر حتى إذا كانوا على مقربة من شاطىء تونس هبت ريح عاصفة أغرقت المركب بمن فيها غير أن عناية الله تعالى أدركت أبا العباس المرسى وأخاه فقد نجيا من الغرق فقصدا تونس وإتخذاها دارا لهما، وهناك قابل الشيخ أبو الحسن الشاذلى فى عام 640هـ وانتقل معه إلى مصر عام 1244م، وعاشوا فيها وأكمل "المرسى" حياته فى الإسكندرية ومات بها ودفن فى ضريحه الشهير بباب البحر بمسجده الذى يحمل اسمه.
السيد البدوى
الإمام أحمد البدوى، الإمام الصوفى الشهير بمقامه بمدينة طنطا، ثالث أقطاب الولاية الأربعة لدى المتصوفين، وإليه تنسب الطريقة البدوية ذات الراية الحمراء، هو الآخر جاء إلى مصر واستقروا بها.
هاجر "البدوى" إلى مكة مع عائلته فى سن سبع سنوات قاصدين الحج والإقامة هناك، واستغرقت الرحلة أربع سنوات، منهم ثلاث سنوات أقاموها بمصر، وعندما بلغ الثمانية والثلاثين من عمره، سافر إلى العراق مع شقيقه الأكبر حسن، ورجع بعد عام واحد إلى مكة، عندما زاد اضطهاد الحجاج بن يوسف الثقفى للعلويين، وقرر فى نفس عام رجوعه، الهجرة إلى مصر، وتحديداً إلى مدينة طنطا، لتكون موطن انتشار طريقته.